بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2021 12:02ص بين العراق ولبنان الفساد والطائفية نفسها

حجم الخط
كان الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون يقول: «انظروا إلى العراق، إن كان بخير، فنحن بخير».

لماذا شبه الرئيس الراحل العراق بلبنان؟ قصة تلك الدولتين، تعود إلى وقت سقوط الدولة العثمانية، أي بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تم الإتفاق مسبقًا على تقسيم إرث الرجل المريض بين الدول المنتصرة، حسب إتفاقية سايكس بيكو، التي بدورها قسمت المنطقة إلى دويلاتٍ، وقد حرصت الدول المنتصرة على زرع الفتن والعصبيات التي أدت إلى إنقساماتٍ مجتمعية وجرحٍ يكاد لا يلتئم، من هذا المنطلق، قرروا بعد موجة الاستقلال التي إجتاحت المنطقة العربية، أن ينسحبوا مع إبقاء المنطقة كلها أشبه بصفيح بركاني، ينفجر في كل فترةٍ من الزمن، وهذه الاستراتيجية تم إتباعها في كل البلاد التي تم استعمارها، فعلى سبيل المثال، عندما انسحبت بلجيكا من رواند سنة 1966، قامت بزرع الفتنة بين الهوتو والتوتسي، وكانت نتاج تلك الفتنة في سنة 1994 حيث حصلت مذابح راح ضحيتها قرابة المليون إنسان.

إن طبيعة العراق وتقسيمه الديمغرافي ونظامه السياسي، والتعددية الأثنية والطائفية، إضافةً إلى المرض المزمن وهو الطائفية المقيتة، يشبه لبنان كثيرًا، إضافةً، إلى أن العراق ولبنان هما ساحتين للصراعات الإقليمية والدولية. هل لبنان والعراق قادران على تحويل التشابه في الإنتكاسات إلى تشابه في النهضة ومحاربة الفساد؟

هناك الكثير، من الأوجه التشابه في الأمور التي أدت إلى الاهتراء البنيوي لكيان الدولة في العراق ولبنان، فاليوم، الدولتان تعانيان من تضخم في العملة الوطنية، وفسادٍ إداري، وهنا سوف نتكلم عن بعض أوج التشابه.

التشابه في إنهيار المؤسسات المصرفية

 كما هو معلوم، بعد اجتياح الولايات المتحدة الأميركية للعراق وسقوط نظام صدام حسين، تعرض الاقتصاد العراقي ونظامه المصرفي إلى صدمة كبيرة، فقد إنهارت عدة مصارف خاصةً في السنوات التي تلت العام 2003، مثل مصارف الوركاء والبصرة ودار السلام والإقتصاد وغيرها، وحتى الآن، يطالب المودعون بأموالهم بعد إفلاس تلك المصارف، من خلال المظاهرات التي ينظمونها بشكل دوري أمام مباني المؤسسات المالية مثل البنك المركزي. ولكن وبالرغم أنه تم إعلان عن تأسيس الشركة العراقية لضمان الودائع بعد سنوات من إنهيار بعض المصارف الخاصة، والوقوف عائقًا نحو تطوير القطاع المصرفي الذي يبلغ عدد المتعاملين معه 22% من البالغين بعد مشروع توطين رواتب موظفي الدولة، إلا أن هذه الشركة، معنية بالودائع الحالية وليس بالودائع قبل تأسيسها.

أما في لبنان، فبعد شهرين من اليوم، سوف يتم دمج المصارف التي لا تزيد من رأسمالها، فهذه إحدى الحلول للأزمة التي يمرّ بها القطاع المصرفي في المدى المنظور. وعلى عكس النظريات التي تتحدّث عن الإندماج كمخرج من الانهيار المصرفي. لكن المشهد في الوقت الراهن يتمثّل بخسائر فادحة تكبّدتها الغالبية الساحقة من المصارف تحديداً الكبرى منها. كما أنه تم تطبيق بطريقة غير قانونية، الـhair cut  والـ capital control، مما يعني أن أموال مودعين قد خسرت من قيمتها أقله ستين بالمئة، مما يعني أن نموذج المصارف في لبنان هو شبيه النموذج العراقي.

 التشابه في النظام الطائفي

كما هو معلوم، أن الفساد السياسي والإداري والمالي الذي يعيشه اليوم لبنان؛ هو نتاج الطائفية السياسية، التي كُرست منذ اتفاقية رياض الصلح وبشارة الخوري في سنة 1943، فهذه الاتفاقية، رسخت الطائفية السياسية التي باتت مقوننة ومن ضمن الأعراف اللبنانية، طبعًا، إن الفرنسي والبريطاني، أثناء انتدابهما للمنطقة، عملا على تفتيت المنطقة طائفيًا، فلقد ذكر الدكتور علي شريعتي في كتابه «النباهة والاستحمار» أن الغرب أستبدل الاستعمار بالاستحمار. كل الوظائف السياسية والإدارية موزعة حسب الطوائف، فهذا عزز الفساد الحاصل، فهذا الفساد بدأ يهدد الكيان البينوي للدولة، كما أن الطائفية؛ أنتجت أحزابٍ وميليشياتٍ مسلحة، مثل القوات اللبنانية وحركة أمل وحزب الله، مما حول الدولة إلى دويلات، واليوم تعيش الدولة المركزية حالة من الفيدرالية الطائفية المقنعة، التي بدورها قد تتحول، بسبب الانقسام العامودي، إلى دويلاتٍ طائفية.

أما في العراق، فالمشهد نفسه، وخصوصًا بعد مجيء الأميركي وحل الجيش العراقي، أصبحت الطائفية سيدة الموقف، وكان ذلك جليًا في المشهد الدموي في السنوات التي تلت الإجتياح الاميركي، حيث تصارع كل من السنة والشيعة والأكراد والأزيديين وغيرهم من الطوائف، طبعًا تلك الحروب، أدت ألى تهالك بنيوي للدولة، فهذه الطائفية حولت الدولة الفيدرالية إلى فيدرالياتٍ وإلى ميليشياتٍ تتحكم بمفاصل الدولة، فعلى سبيل المثال، فإن كردستان العراق رغم فشل إعلان الإستقلال، إلا أنها مستقلةٌ نسبيًا بشكل ٍكبير، كما أن الميليشيات العراقية مثل حزب الله العراقي وكتائب العباس والحشد الشعبي، أصحبت قوةٌ نافذة ولاعبٌ لا يستهان به في المشهد السياسي العراقي، وأصبحت الدويلاتٍ أقوى من الدولة العراقية. كما أن التعيينات السياسية والإدارية قائمة على الطائفية مثل لبنان, من رئيس الجمهورية إلى أصغر موظف، كما علينا ألا ننسى المجازر التي حصلت والقتل على الهوية.

التشابه في الانهيار الاقتصادي

في العراق، عقدت الحكومة، جلسة لمناقشة اقتراح خفض قيمة الدينار أمام الدولار الأميركي. بعدما واجه العراقيون سنة حافلة بالتحديات الإقتصادية، تزداد المخاوف من إزدياد الأمور سوءًا، بعد تقديم مشروع موازنة لعام 2021 يركز على التقشف، ما قد يعرض العراقيين لضغوط أكبر العام المقبل.

ويقول مسؤولون عراقيون عملوا على إعداد مشروع القانون، إن هدفهم هو «الصمود» بعد أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد وإنهيار أسعار النفط الذي يعول العراق على مبيعاته لتمويل 90% من ميزانيته. ومن المتوقع أن تنهي بغداد هذا العام المضطرب مع تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11% وارتفاع معدل الفقر إلى 40% من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة. ويأتي عقد الجلسة الاستثنائية بعد ساعات على إعلان وزارة المالية الاقتراح خفض قيمة الدينار مقابل الدولار بنسبة 23%، في موازنة 2021. فإن سعر الصرف السابق أضر بالاقتصاد العراقي، لأن سعر الدينار المرتفع مقارنة بالدولار ساهم في تدفق السلع من دول الجوار، ما أثر سلبًا على المنتج المحلي.

أما في لبنان، فالوضع سيئ مثل الوضع العراقي تمامًا، مع الفارق أنه في لبنان لا يوجد نفط حتى الآن، كما أن الثورة والانهيار المصرفي بالإضافة لفيروس كورونا وانفجار المرفأ، كل تلك العوامل أدت إلى إنهيار العملة الوطنية حتى وصلت الليرة إلى 8300 تقريبًا بعد أن كانت  1500 مقابل الدولار الواحد، والأسوأ، أن هناك ثلاثة أسعار في السوق، مما يؤدي الى حالة من التخبط النقدي، كما أن التضخم في ازديادٍ مستمر، خصوصًا مع ضخ أموال نقدية من قبل المصرف المركزي دون أي زيادةٍ في الإنتاج، مع الأخذ في عين الاعتبار، أن الدولة اللبنانية هي دولة غير منتجة وغير صناعية، حيث أن معظم المواد، مستوردة من الخارج.

التشابه في التوغل الإيراني

منذ نجاح الثور الإيرانية سنة 1979، بدأت الجمهورية الإيرانية الإسلامية الجديدة، بتطبيق نظرية تصدير الثورة، فقامت بإنشاء ذراع سياسي وعسكري لها في لبنان، فأنشأت حزب الله، وفي سنة الـ2003، مع سقوط نظام صدام حسين، فُتحت الطريق أمام التمدد الإيراني، حيث أصبحت لإيران يد الطولى في الشأن العراقي على كافة المستويات، فأصبحت الدولة في العراق خاضعة  نسبيًا لإيران بموافقة أميركية، خصوصًا بعد هزيمة داعش وإنشاء الحشد الشعبي العراقي وغيرها من ميليشياتٍ مسلحة ومدعومة من الحرس الثوري، فإن تلك الميليشيات لم تقتصر على نهب ثروات البلاد، والسيطرة على قرارها السياسي، إنما سعت أيضًا إلى تغيير ثقافة العراق العربية وتهجير سكانها وتدمير حواضرها العربية والسنية، أما في لبنان، من يدخل مطار بيروت متوجهًا إلى بيروت، يتخيل نفسه للوهلة الأولى، أنه في طهران، فإنه من المقصود وضع يافطات للخميني وقاسم سليماني؛ لإظهار سيطرة إيران على المشهد السياسي في لبنان، وعلى كل مفاصل الدولة المهمة، مما أصبح جليًا وواضح، أن الكيان اللبناني والعراقي أصبحا تحت سيطرة إيران تمامًا.

قال الشريف علي بن الحسين رئيس الحركة الملكية الدستورية العراقية خلال حوار تلفزيوني إن «النظام السياسي في العراق سيسقط قبل نهاية الصيف القادم، والنظام السياسي لن يستطيع دفع رواتب الموظفين، ودخلنا في العد التنازلي، واللعبة إنتهت». هذا هو الوضع الحالي في لبنان أيضًا، فإن الدولة اليوم كالهيكل المُفرغ، ودخل فعليًا في حالة من التخبط، فأصبح الأمن غير موجود والقضاء مُغيب تمامًا، والتفلت الأمني هو سيد الموقف، والمؤسسات الرقابية حدث ولا حرج، أما عن الانفجار الاجتماعي، فأصبح قريبًا، ولكنه لا يشبه الـ17 من تشرين إطلاقًا. ولكن لا يزال العراق ولبنان لديهما القدرة على مقاومة الفساد والنهوض مجددًا، طبعًا، سوف يظن البعض أنها مهمة مستحيلة، ولكن من يقرأ سيرة العراق ولبنان يدرك أن تلك القواسم الحضارية والموارد البشرية والفكرية قادرتان على النهوض مجددًا وهذا يحتاج إلى تراكماتٍ من العمل الجاد، وسيرورة من النضال الشعبي والنخبوي الذي يحتاج إلى سنين طويلة.


عامر جلول