بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2021 12:02ص تاريخ اللبنانيين لا يُعيد نفسه.. إنما أخطاؤهم تتكرّر

حجم الخط
من الأخطاء الشائعة التي يتم تداولها بكثرة بين الناس عبارة: «التاريخ يعيد نفسه»، والأصح هو: «التاريخ لا يعيد نفسه إنما الأخطاء تتكرر».

إن التطرق الى موضوع أخطاء اللبنانيين في ممارستهم السياسية مردّه الى ما تشهده البلاد حالياً من مجموعة أزمات وجودية تكاد تطيح ببلاد الأرز الواقعة على واجهة الضفة الشرقية للمتوسط، من إقتصادية ومالية الى إجتماعية وسياسية.

الأزمة السياسية الحادّة التي بدأت في العام 2019، بعد تقديم الرئيس سعد الحريري إستقالة حكومته، وإستمرت عاصفة بعد إنفجار مرفأ بيروت في العام 2020، وما أعقبه من أزمة تشكيل حكومة، حيث تم إفشال مهمة رئيسين مكلفين في سابقة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ السياسة اللبنانية، دفعت العديد من القوى السياسية الى القول جهارة ان المشكلة تكمن في النظام القائم، في إشارة واضحة الى رغبتها في تعديل نظام الحكم في لبنان، بالمقابل قوى أخرى دافعت عن النظام القائم، وهو ثمرة إتفاق لبناني - لبناني بإشراف ورعاية دولية - عربية، تم إقراره بعد حرب ضروس.

إن المطالبة بتعديل النظام القائم في لبنان، هي إشارة واضحة الى رغبة بعض القوى السياسية في إلغاء إتفاق الطائف، تحت حجة وذريعة صلاحيات رئيس الجمهورية، والمقصود هنا فريق العهد الحالي، الذي لا يخفي رغبته في التخلص من كاهل ذلك الإتفاق، ويحدوه الحنين الى العودة بالممارسة السياسية الى ما قبل العام 1989، وهو الذي ساهم مع حلفائه في ضرب أسس إتفاق الطائف بعد تسوية الدوحة في العام 2008.

مسألة تعديل الدستور هي ضرورة لتطوير العمل السياسي وتنقيته من الشوائب التي يتبيّن وجودها والتي تعيق حسن سير العمل في دولة ما، لكن الأمر مختلف في لبنان، خاصة ان التعديلات الدستورية إنما تتم «على الحامي» أي بعد أزمة أمنية كبيرة، وهو ما يجعل تلك التعديلات إنما تتم لتعديل ميزان القوى وليس لإجراء إصلاحات دستورية.

الخطير في الأزمة الحالية، هو رغبة البعض في إستغلال الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلاد للولوج الى العودة بالنظام الى صيغة العام 1943، ورغبة البعض الآخر في الإمساك بالقرار السياسي بالكامل وربط لبنان نهائياً بمحاور إقليمية لا تأتلف مع نسيجه الوطني وإمتداده الطبيعي بين محيطه.

مؤخراً بدأت الأزمات تأخذ طابع أمني خطير، وما شهدته عكار من صراع مسلّح بين قريتي عكار العتيقة وفنيدق أثار الرعب في النفوس، لكن ما جرى بين قريتي عنقون ومغدوشة يعتبر أخطر بكثير، بسبب طابعه الطائفي.

إن العودة بالحياة السياسية الى ما قبل العام 1989، هو مستحيل كون صيغة العام 1943 سقطت نهائياً بعد توقيع إتفاق الطائف، ورغبة البعض في تعديل النظام دستورياً أو بالممارسة، قد يترك آثاراً خطيرة، وهو ما تطرّق إليه مفتي الجمهورية اللبنانية في خطبته الأخيرة، إعتراضاً على الممارسات السياسية بحق الرئاسة الثالثة.

منذ العام 1840، جرت صدامات طابعها طائفي، كانت تنتهي بإتفاق دولي، من إقرار نظام القائمقاميتين في العام 1843، الى نظام المتصرفية في العام 1861، بعد أحداث العام 1860، وصولاً الى إنتخاب الرئيس فؤاد شهاب عقب أحداث العام 1958، وبعدها إتفاق الطائف بعد حرب العام 1975، وصولاً الى إتفاق الدوحة في العام 2008 بعد أحداث أيار من نفس العام.

مشكلتنا في لبنان أن بعض سياسييه يكررون أخطاء من سبقهم، وهنا يصبح الخوف من تكرار أحداث العام 1860، حال كون البعض ينظر دائماً للخلف.

  * كاتب - باحث سياسي