بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الثاني 2022 12:00ص تجارب الشغور الرئاسي 1988 - 2022 (1/2)

الجميِّل وعون وجعجع رفضوا ترشيح فرنجية ثم مخايل الضاهر.. فكان الفراغ

حجم الخط
يسجل عداد الشغور الرئاسي في قصر بعبدا اليوم الثالث، مكررا تجارب سابقة في مثل هذا الشغور التي يبقى أبرزها:
خروج الرئيس أمين الجميل في 23 أيلول 1988 من القصر الجمهوري، من دون انتخاب بديل له، بعد أن فشلت محاولات لانتخاب رئيس جديد، إذ كان رئيس مجلس النواب حسين الحسين آنئذ قد دعا في شهر آب، لانتخاب المرشح الوحيد الرئيس سليمان فرنجية، الذي كان قد أعلن ترشيحه في مطلع شهر آب، وعند الموعد المحدد للجلسة في 18 آب عمل رئيس الجمهورية آنئذ أمين الجميل، وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع وقائد الجيش ميشال عون على منع عقد الجلسة، وإن كان لكل واحد حساباته.
فراح الجميل وجعجع يعملان لمنع النواب من الوصول إلى مجلس النواب للحؤول دون اكتمال النصاب، وفي ليل الجلسة المقررة للانتخابات، وزعت القوات اللبنانية مسلّحيها في مكان كان يسمى «المناطق الشرقية» لمنع النواب من الخروج من منازلهم والحؤول دون الوصول إلى المجلس النيابي.
وتعاون معهم رئيس الجمهورية في هذا السعي ولو لأهداف مختلفة.
فالجميل كان يأمل بأن يكون الرئيس الجديد صديقاً له يتعاون معه كرئيس ويعطيه كرئيس سابق دوراً في الشأن العام، والقوات كانت تريد تكريس أمر واقع تعيشه البلاد.
أما قائد الجيش فكانت له حساباته أيضاً، وعند يوم الانتخاب توزعت حواجز القوات اللبنانية، في كل مكان فعملت على خطف النواب أو منعهم من متابعة سيرهم نحو مبنى مجلس النواب.
ويروي الوزير السابق إيلي سالم أنه في يوم الانتخاب خطف بعض النواب الذين تجرأوا على تحدي الحواجز حتى الظهر حين أعلن إلغاء الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب، وحين زرت أحد النواب في وقت لاحق لتهنئته بالإفراج عنه، راح يروي قصته أمام الزائرين قائلاً بتأثر: «فيما كنت أتوجه بسيارتي إلى المجلس، أوقفني المسلحون، وطلبوا مني هويتي، فقلت لهم إني نائب ذاهب إلى المجلس للقيام بواجبي الوطني، ها.. ها.. ها.. أجاب المسلحون... نائب يا له من صيد ثمين».
الجدير بالذكر أن النائب الوحيد الذي عجزت القوات عن منعه وحجزه هو النائب البير مخيبر الذي تحدّى الحواجز وتابع سيره ووصل إلى مجلس النواب.
بأي حال، كان قد وصل إلى مبنى المجلس في تلك الجلسة أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي، لكن الرئيس الحسيني اعتبر الجلسة فاقدة للنصاب لأن المطلوب ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وكان بإمكانه لو كان نصاب الجلسة الثانية يقوم على نصاب النصف وما فوق أن يدعو مساء أو في اليوم التالي لجلسة ويجري الانتخابات، وفعلاً طلعت بعض الأصوات التي تطالب بذلك، لكن اعتبرت هذه الخطوة غير دستورية ومخالفة للأصول والقوانين والأعراف.
في 13 أيلول 1988، أعلن عن وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد مورفي الى لبنان وسوريا للعمل على إيجاد مرشّح تتفق عليه دمشق والقيادات المسيحية.
ويقول كريم بقرادوني، انه في «يوم وصول مورفي إلى الشرق الأوسط، عقد اجتماع ضم الرئيس أمين الجميل، وسمير جعجع وكريم بقرادوني، ومدير الاستخبارات في الجيش العقيد سيمون قسيس، وتم الاتفاق على تزويد مورفي بالأسماء الثلاثة المتفق عليها أي: رينيه معوض، ميشال إده وبيار حلو».. وفي اليوم التالي، أي في 14 أيلول أبلغت اللائحة إلى السفير كيلي، و«ان الدكتور إيلي سالم مستشار الرئيس الجميل اعطاه لائحة مغايرة تضم كلا من بيار حلو، ميشال إده ومانويل يونس بدلاً من رينيه معوض»، فأصرّ بقرادوني على اللائحة المتفق عليها، وأصرّ كيلي على عدم تسلّمها فسارع بقرادوني للاتصال بالرئيس الجميل وسمير جعجع، وبعد مراجعات مضنية تمّ الاتفاق على إبلاغ كيلي أربعة أسماء ليحملها مورفي إلى دمشق وهي: حلو وإده ويونس ومعوض.

ريتشارد مورفي محذّراً: مخايل الضاهر أو الفوضى

يوم 18 أيلول 1988 وصل مورفي إلى بيروت قادماً من دمشق، فاجتمع بالرئيس الجميل وأبلغه الاتفاق على النائب مخايل الضاهر كمرشح لرئاسة الجمهورية وكان ديفيد نيوتن مساعد مورفي، مجتمعاً في الوقت نفسه مع العماد عون الذي رفض ما أسماه بـ«التعيين»، ثم اجتمع نيوتن مع جعجع وبقرادوني في منزل القائم بالأعمال الأميركي دانيال سمسون، فأبلغاه رفضهما للضاهر على أساس انه مخالف للمبادرة الأميركية.
ويقول بقرادوني في هذا الصدد: «في بداية الاجتماع تلا علينا ديفيد نيوتن محضراً مطبوعاً يلخص فيه مضمون المحادثات الأميركية - السورية وعرفت لاحقاً ان نسخة عن المحضر ذاته تمّت قراءتها لأمين الجميل وميشال عون. وشرح لنا الدبلوماسي الأميركي ان المفاوضات مع دمشق كانت شاقة وطويلة، وقد عقد مورفي خمسة اجتماعات مع خدام كادت أن لا تصل إلى نتيجة حتى اللحظات الأخيرة، وكان المفاوض السوري في غاية التصلب، يطالب بالموافقة على الإصلاحات قبل الانتخابات والإتيان بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وبعد 18 ساعة وافق المسؤولون السوريون على أن يستبدلوا سليمان فرنجية بمخايل الضاهر كمرشح إجماع، وأن يرجئوا البت بالإصلاح السياسي إلى ما بعد الانتخابات.. وختم الدبلوماسي كلامه بالقول: «حاول مورفي أن يحصل من دمشق على اسم مرشّح ثانٍ فلم يوفّق، نعرف أن ما نعرضه عليكم صعب، ولكن ننصحكم بالقبول.. إما مخايل الضاهر وإما الفوضى».
في مساء ذاك اليوم عقد اجتماع موسّع في منزل الرئيس الجميل في بكفيا حضره فريق عمله المؤلف من جوزيف الهاشم وإيلي سالم وغسان تويني وسيمون قسيس وجميل نعمة، ورفيق شلالا وجوزيف أبو خليل وسمير جعجع وكريم بقرادوني وداني شمعون ونبيل كرم، ومارون حلو.
وتحدث الجميع فرفضوا نتائج محادثات مورفي في دمشق كما يُؤكّد كريم بقرادوني ما عدا جوزيف أبو خليل، الذي اقترح على الحضور التريث في الرفض وأن يدرسوا إمكانية القبول بالضاهر.