بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الأول 2021 08:09ص تحدي سعد الحريري وموجبات اللحظة التاريخية: أي تيار مستقبل يريد؟؟؟

حجم الخط
انطلاقاً من التطورات الجيوسياسية في المنطقة والمرحلة الدقيقة الحرجة والخطيرة التي تعصف بلبنان شعباً وكياناً، والظروف الذاتية والموضوعية التي يمرّ بها تيّار المستقبل اسوة بتيارات وأحزاب لبنانية أخرى، ولان الرئيس سعد الحريري يبقى المتقدم تمثيلياً بين المرجعيات السنية في بيئته حتى تاريخه، فإن الادراك العميق لطبيعة التحديات والإجابة على السؤال الإشكالي الآتي، من أجل تحصينه والحد من تراجع حضوره وتثبيتاً لدوره ولموقعه ونهوضه مجدداً، يصبح لزاماً على الرئيس الحريري  واجب تحديد خياره الإستراتيجي والمصيري الذي يتمحور حول خيار أي تيار مستقبل يريد؟؟

١- هل يريده تيار الماكنة الانتخابية لزوم محطات ظرفية دورية فقط نيابية كانت ام بلدية؟؟

٢- ام يريده تياراً عائلياً محكوماً بقيادة متقوقعة تجمعها عصبية القربى الضيقة والمطعمة شكلاً بشخصيات، غير مؤثرة او مقررة في سياسات وتوجهات التيار، ومنقطع عن التفاعل الجدي مع نخب بيئته الحاضنة القادرة وحدها على تجديد بنية التيار وديمومة حيويته، خاصة وأن هذا الخيار يضعه بالتالي في مصاف أحزاب لبنانية سبق لها ان اختفت عن مسرح الحياة السياسية او انحسر حضورها كثيراً في بيئتها نتيجة تحول الى إطار عائلي هش، باستثناء بعض البيوتات المتجذر حضورها نظراً لخصوصيتها المجتمعية في بيئتها الضاربة في عمق التاريخ؟؟

٣- ام يريده تياراً سياسياً اجتماعياً مسلحاً برؤية وبمنطلقات فكرية وثقافية تحاكي المتغيرات الجيوسياسية ويرتكز على بنية تنظيمية تعتمد مبدأ الانتخابات في تداول مواقع المسؤولية التنظيمية المختلفة في التيار، بعيداً عن الاستزلام والشللية والمحسوبيات الشخصية والعائلية، بما يعني أنه تيار يحتضن أوسع قاعدة شعبية من هيئات وعائلات وفعاليات ومكونات البيئة الحاضنة له بمستوياتها الاجتماعية المتعددة كما أراده له الرئيس المؤسس؟؟

بناء على هذه الاشكالية، وانطلاقاً من تجربة ومشاركة كاتب هذا المقال من الموقع المشارك في تأسيس التيار، كما المساهمة في بلورة النواة الأولى للحريرية الوطنية السياسية على ارض الواقع، ضمن فريق عمل الرئيس رفيق الحريري ، التي بدأت منذ عام ١٩٨٤ حتى ٢٠٠٥ تاريخ استشهاده، ونتيجة التجربة الغنية والمتراكمة في ميادين العمل الاكاديمي،التنموي،النقابي، الاجتماعي، السياسي والنضالي بكافة اشكاله، ووفاء لمسيرة الرئيس المؤسس الرائدة وللامانة التاريخية ، كان لا بد من القيام بمساهمة جدية علها تعيد تصويب مسار التيار عبر بلورة مفاهيم ورؤية إصلاحية لقواعد العمل السياسي والتنظيمي في تيار المستقبل. 

اصلاح قواعد العمل السياسي والتنظيمي في تيار المستقبل

ان أي برنامج إصلاحي متكامل للتيار لا بد له ان يقارب هيكليته والجوانب البنيوية الجوهرية له.

ولقد اعتمدت هذه المقاربة على المنهج الاستقرائي اليقيني في تحديد الإشكالية التي تواجه التيار، انطلاقاً من تشخيص ومعرفة الأسباب التي أوصلته إلى الحالة الراهنة التي هو عليها اليوم ، سياسيًّا، تنظيميًّا وشعبياً، مرورًا بتحليلها عبر واقعية الملاحظ والمشارك الميداني والباحث الأكاديمي، المسلح دوما بفكر نقدي إصلاحي، وصولًا الى استنتاجات تحدّد مكامن الخلل وانتهاءً الى بلورة طبيعة المعالجة البديهية المطلوبة.

ان الوضع السياسيّ العامّ على المستوى الوطنيّ والعربيّ، ناهيك بالتحدّيات الجديّة التي تواجه التيار على مستوى الخلل الداخلي الكبير والمتمثل سواء بعدم نضج التجربة لدى مسؤولين  كثر ممن كانوا او ما زالوا في مركز اتخاذ القرار وتحملوا المسؤوليات التنفيذية، أو  بقصور في مسؤولياتهم  في عدم معالجة اسباب  تراجع حضور التيار السياسي والشعبي في بيئته باعتراف رئيسه، كما أن الانغماس في ثقافة الانتفاع الصفقاتية عبر استغلال السلطة الحزبية او السياسية  عند البعض الاخر منهم والتي اساءت الى صورة التيار، جميعها، وفي ظل هذه اللحظة التاريخية والمصيرية فإن الإصلاح لم يعد يسمح بالاقتصار على عملية ترميم سطحية للتيار التي يغلب عليها الطابع الإعلامي الشكلي او الفولكلوري فقط ، هذا اذا ما أُريد للتيار النهوض به وعودة ثقة حاضنته به مجدداً.

أن التغيير لا يكون بتبديل أسماء من هنا أو بإعادة تجميل أسماء بعينها من هناك خاصة تلك المسؤولة عما آل اليه الوضع حاضراً، لانها ستزيد من تعميق الفجوة وفقدان الثقة بين التيار وجمهوره خاصة إذا ما كانت عملية التغيير فاقدة لمضمون الإصلاح البنيوي الحقيقي.

إن الاستعصاء في عدم إجراء مراجعة نقدية جدية للتجربة الحالية ، والتخلف عن عدم إجراء تقويم داخلي حقيقي شامل لكل المرحلة السابقة، تقارب القرارات والأداء التنظيمي والسياسي، كما التعمية بعدم تحديد المسؤوليات بجرأة وبتجرد، بعيداً عن اعتبارات القرب أو البعد عن رئيس التيار، عائلياً كان ام غير عائلي، يُبقي على  مسار التدحرج المتسلسل وعوامل الضعف والوهن، وهذا ما سيؤثر سلباً ومباشرة على مناعة احتضان بيئة التيار لرئيسه كما في حضوره السياسي محلياً وخارجياً.

ان الوضع العامّ في لبنان والمنطقة والظروف الخاصّة والموضوعيّة للتيار دقيقة للغاية ولا تحتمل المهادنة والمجاملة على طريقة «تبويس اللحى»، اذ لا بد من قول كلمة الحق، في لحظات تاريخية يتحدد فيها دور ومستقبل التيار جدياً، لان الإهمال او التخلي عن الموجبات الإصلاحية الحقيقية ، ستضع التيار على مفترق يتأرجح بين كونه تياراً سياسياً وطنياً جامعاً على مساحة الوطن او انغلاقه على ذاته كإطار عائلي منغلق غير منفتح على نخب بيئته  الحاضنة ، شبيهاً بأحزاب سابقة أو حالية فقدت حضورها ودورها وهذا وضع يتناقض وجوهر ومبرر وجود التيار وفق ما أراد له ان يكون عليه رئيسه المؤسس .

ان أي عملية اصلاح للتيار يجب ان تنطلق من عناوين محورية عدة يمكن تطويرها لاحقاً الى سياسات وبرامج تقارب مختلف  الأمور السياسية والتنظيمية والاجتماعية التي فرضتها التحولات الحاصلة في المشهد العربي، كما في المشهد الداخلي المستجد منذ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ والعمل على بلورتها من منطلق بديهيات الضرورة، لتتكامل وتنتظم معه جميع نواحي العمل السياسي والتنظيمي والتثقيفي والإعلامي/ التعبوي، التي تلبي متطلبات وهواجس ومنطلقات جمهور التيار الفكرية والثقافية و السياسية والاجتماعية والتي كانت تشكل وما زالت مكامن الخلل الكبرى في مسيرة التيار منذ عام ٢٠٠٥.

 غياب بديهية التعريف الجامع والموحد لماهية تيار المستقبل

منذ انعقاد المؤتمر الأول للتيار، مروراً بمؤتمره الثاني وحتّى تاريخه، لم يتم التعريف سياسيا وتنظيمياً، بشكل رسمي محدّد وواضح لماهية تيّار المستقبل، وهذه مسألة بديهية وشرط من شروط قواعد الانتظام العام للتأطير الجماهيري عبر العمل التنظيمي الجدي لتظهير الهوية السياسية الفكرية والثقافية لكوادره، ولهيئاته التنظيمية الفضفاضة بمستوياتها المختلفة من القاعدة إلى القمّة، كما لجمهوره في كافّة المناطق اللبنانية.

انطلاقاً من هذه الفجوة المتوجب ردمها، ومن خلال القراءة التحليلية للمشهدية المجتمعية للبيئة الحاضنة لتيار المستقبل، يمكن تحديد التعريف بأنّ التيّار يكاد يكون الاستثناء، الذي خرج من رحم الحرب الأهليّة ومآسيها الذي  لم ينغمس بها اقتتالاً أهلياً دموياً كباقي الأحزاب اللبنانية، ونشأ في أحياء وأزقّة المدن، وفي الأرياف والحواضر الشعبيّة، وفي الجامعات والمدارس ونوادي المثقّفين والروابط والنقابات وهيئات المجتمع المدنيّ، وترعرع في حضن الوطن كما في الاغتراب، وترسخ حضوره من خلال ديناميكية الشباب واندفاعهم مع باقي الشرائح العمرية في بيئته الحاضنة خاصة السنية منها، ومن خلال تضحياتها وآلامها وأوجاعها في ظل مرحلة هيمنة النظام السوري على قرار و مقدرات الوطن، حيث اقتحم حدود المأساة اللبنانية ببسالة، وحطّم جدار القمع بشجاعة من خلال دماء شهداء ثورة الأرز وفي مقدّمهم الرئيس المؤسس رفيق الحريريّ، حتّى صار التيار بحجم الحلم الوطنيّ الجامع في 14 آذار، و هي مرحلة مجيدة من تاريخ لبنان المعاصر، فُتحت فيها آفاق الحرّيّة على مصراعيْها، لكن سوء الإدارة السياسية و غياب البرنامج الإصلاحي لأحزاب وقوى 14 آذار أفقد لبنان فرصة التغيير التاريخي وأجهض العودة الى مشروع الدولة المستقلة الحديثة المنتمية الى محيطه العربي الطبيعي، الامر الذي مهد وسمح للقوى المناهضة لها والمدعومة إيرانيا وسورياً من إعادة فرض هيمنتها و سلطتها ووصايتها على القرار اللبناني عبر سطوة سلاح حزب الله وحلفاءه على الحياة السياسية بجميع مندرجاتها .

تيار المستقبل هو تيار سياسي شعبي جبهوي لبناني

يتميّز تيّار المستقبل بأنه حركة جماهيريّة عابرة للطوائف، فهو ليس حزبًا أيديولوجيًا يسعى لنشر أفكار ومبادئ جامدة معيّنة، ولا هو حزب نخبويّ  يخدم مصالح فئة أو شريحة بعينها، ولا هو حزب طبقيّ يدافع عن مصالح طبقة بذاتها، بل هو تيار سياسي جبهويّ  كان  بمقدوره لو توفرت لدى المقررين فيه الارادة والرؤية ان يمتلك بنية تنظيمية تستوعب في اطارها كافّة فئات ومكونات وشرائح وطبقات الشعب اللبنانيّ وأطيافه، وفق منطلقات ورؤية سياسيّة وفكريّة لم تتظهر نظرياً عبر أدبيات واضحة ولم تتبلور حتى عبر خطاب سياسي ملتزم وواضح يحاكي قضايا وهواجس حاضنته الحياتية والاجتماعيّة الوطنية كما قضايا بيئته العربيّة وفي مقدمها قضية الشعب الفلسطيني.

 ان غياب الهيكلية المتماهية مع البنية التنظيمية السياسية الاجتماعية والتي تعتبر المرتكز الأساس للتعبئة والتواصل الدائم مع القواعد الشعبية، أفقدت التيار استثمار اللحظة التاريخية لقيادة نضالات جماهيره في كافة المناطق خاصة بعد احداث 7 ايار 2008 وفي مقدمها إعادة بناء الدولة الوطنية المدنيّة الواحدة بمؤسّساتها وتطبيق الدستور نصا وروحاً وفي تثبيت قرارها الوطنيّ المستقل بعيدًا عن كافّة أشكال التبعية والهيمنة الفئويّة عليه، من أيّ  جهة كانت، داخلية ام خارجية، شقيقة ام صديقة، ،  قريبة كانت أم بعيدة.

بما أنّ تيار المستقبل هو تيار سياسي شعبي جبهوي ، فمن الطبيعي أن يكون تيّارًا مرنًا متحرّرًا من قيود الأيديولوجيّات الدينيّة وغير الدينيّة مؤمناً بالعروبة الإنسانية الحضارية كمسار ومنطلق فكري وثقافي متجدد، وأن يكون لديه القابليّة الكافية لاستيعاب كافّة فئات ومكونات الشعب، والقدرة على التكيّف مع المتغيّرات السياسيّة، والاستجابة الواعية للأحداث الكبرى والتحولات الجيوسياسية في المنطقة، وأن يمتلك البرنامج السياسيّ و الاجتماعي الذي يتسّم بالواقعيّة النضاليّة ويرتكز على نهج الممارسة السياسية العملية والواقعية التي ارسى معالمها الرئيس المؤسس رفيق الحريري، فهذا هو مبرر وجود تيار المستقبل وهكذا يجب ان يبقى، ولكن مستقبله هذا سيكون مرهون  بقرار الرئيس سعد الحريري الجدي والمصيري حول خياره اي تيار مستقبل يريد????



 * أكاديمي / باحث في الشؤون الجيوسياسية