بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 آذار 2022 07:04ص تصحيح وضع القضاء عبر استقلاليته بتعديلات «المجلس الأعلى»

الحكومة تُعيد الكرة إلى الهيئات القضائية ولا تحمي المصارف والمودعين

حجم الخط
خرجت الحكومة يوم السبت من جلستها الاستثنائية بموقف عام لتصحيح مسار الوضع القضائي، بعدما وصل الى ما وصل اليه من حالة فوضى وتخبّط، بسبب القوانين التي ترعي عمل القضاء وتعييناته وتشكيلاته، وبسبب تدخلات المسؤولين والسياسيين في كل كبيرة وصغيرة، وايضاً بسبب وجود قضاة غيرجديرين بتحمل المسؤولية نتيجة ولاءاتهم السياسية او غير اكفاء، حتى لا نقول اكثر من ذلك عنهم.

  صحيح ان وضع القضاء يعالجه اهل البيت وهم من يجب ان يتولى ترتيبه وتنظيمه، ولذلك اعاد مجلس الوزراء الكرة الى ملعب الهيئات القضائية المعنية، لكن المجلس لم يضع الاجراءات اللازمة لا لحماية القضاء  ولا لحماية المصارف وضبط عملها ولا لحماية المودعين، بل اطلق كلاماً عاماً ووعوداً. كما إن كلام الرئيس نجيب ميقاتي بعد الجلسة جاء عالي السقف تجاه القضاة الثلاثة الاعلى رتبة: رئيس مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي، إذ لوَّح «بإرسالهم الى البيت» إذا لم ينضبطوا وفق ما تريد السلطة السياسية، وذلك بعد رفضهم حضور جلسة مجلس الوزراء الاخيرة المخصصة للوضع القضائي، «من باب تأكيد استقلالية القضاء عن السلطة السياسية» - حسبما قالت مصادر قضائية لـ «اللواء».

   لكن المشكلة الاكبر ان السياسيين لا يتركون للقضاء فعلاً ترتيب اموره بنفسه، بل يفرضون عليه بعض الحلول او يرفضون حلولاً لا تُرضيه، كما حصل في موضوع ملاحقة القاضية غادة عون لحاكم مصرف لبنان وشقيقه وبعض المصارف، وبعد التدابير والقرارات القضائية لعدد من القضاة بحق مصارف تمتنع عن رد وديعة المودعين، برغم انها تمتلك المال لكن خارج لبنان بعد تهريبه في عتمة الليل.

  وحسب مصادر قضائية عليا، تكمن مشكلة القضاء في مواد قانون اصول المحاكمات الجزائية التي ترعى موضوع تعييينات القضاء وتشكيل مجلس القضاء الاعلى والتشكيلات القضائية، والتي لا توفّر الاستقلالية التامة للسلطة القضائية، والمماطلة في بت اقتراح او مشروع قانون استقلالية القضاء الذي نام طويلاً في ادراج مجلس النواب، قبل ان يطلب مجلس القضاء الاعلى من وزير العدل هنري خوري سحب إقتراح القانون من اللجان النيابية ومن الهيئة العامة للمجلس النيابي، ليضع ملاحظاته على الاقتراح قريباً وخلال مهلة الشهر المحددة في طلب السحب. 

 واوضحت المصادر القضائية ان تعديلات اساسية بسيطة يجب إدخالها على قانون اصول المحاكمات الجزائية لتؤمن الى حد بعيد استقلالية القضاء وهي: تحديد كيفية تأليف مجلس القضاء الأعلى. وحق مجلس القضاء في إصدار التشكيلات والتعيينات القضائية، الى جانب تعديلات اخرى.

 وتُضيف المصادر: ان السلطات القضائية سعت وحاولت إصلاح الوضع القضائي بشكل تام ولكن عبثاً، بسبب تطويق القضاء بمشاريع وحسابات سياسية، وبسبب وجود بعض القضاة المرتبطين بجهات سياسية من هنا وهناك.

  واوضحت مصادر رسمية في هذا المجال، أن مجلس القضاء سبق ووضع ملاحظاته على الاقتراح خلال درسه في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الادارة العدل لكن لم يؤخذ بها كلها، كما انه لم يطلع على الصيغة النهائية للإقتراح قبل إحالته الى الهيئة العامة للمجلس النيابي، لذلك طلب سحبه وهذا ما حصل ليضع رأيه وملاحظاته عليه.

 كل هذه الضغوط على القضاء جاءت اعلى سقفا واقوى تأثيراً من الضغوط على المصارف، وبالتالي جاءت نتائجها وانعكاساتها اعلى واقوى بينما المصارف محمية بقدرة قادر سياسي. لذلك أكد مرجع معني: ان التحقيق العدلي في إنفجار المرفأ توقف بشكل شبه نهائي، بسبب التدخلات السياسية التي تجلَّت في طلبات الرد والرد المضاد التي يقدمها السياسيون المطلوبون للتحقيق والمتضررون والمجتمع المدني، ما ادى الى كف يد المحقق العدلي طارق البيطار عن العمل عملياً وليس نظرياً.

  واوضح المرجع ان إستئناف التحقيق لا يمكن ان يتم في هذه الظروف الضاغطة سياسياً على القضاء، وبالتالي يجب إنتظار ظروف سياسية واجواء قضائية أصفى وافضل تساعد في دفع التحقيق، وهذا لن يتحقق حالياً في عزّ إحتدام المعارك السياسية والانتخابية.

  كما ان الضغوط على القاضية عون والقضاة الآخرين في ملف المصارف ستصل الى نتيجة تكون على حساب القضاء والمودعين اذا استمرت التدخلات السياسية العليا في إجراءات القضاة لمصلحة المصارف. لكن المشكلة حسب رأي المتابعين، ان التعامل السياسي الرسمي مع ملف القاضي بيطار جاء اقل حدة من التعامل مع ملف القاضية عون، فكانت حماية لإجراءات البيطار برغم الارتياب بها، وكانت ضغوط وتدخلات رسمية في ملف القاضية عون والمصارف. وهكذا لا يمكن التصرف بإزدواجية معايير مع القضاء.