بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الأول 2018 06:34ص تصعيد نتنياهو يتزامن مع القلق من اهتزاز المساكنة الإيرانية - الأميركية

الأنفاق ومعادلة انتقال «حزب الله» من الدفاع إلى الهجوم: أي أثمان؟!

حجم الخط
ينص القرار 1701، مِن ضمن بنوده، على إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من الوجود المسلح غير الشرعي، بحيث أن حرب تموز  2006 آلت إلى انسحاب «حزب الله» من الحدود إلى شمال الليطاني، ومنعت عليه التواجد أو العمل في منطقة جنوب الليطاني باستثناء القوات المسلحة الشرعية و«اليونيفيل» الذي رفع عديده إلى 15 ألف جندي. بالطبع هذه المساحة المعزولة، وفقاً للقرار, هي ضمن الأراضي اللبنانية، ولا يشتمل، أي القرار، على خلق أي منطقة معزولة مقابلة للخط الأزرق على الحدود شمال إسرائيل.
آنذاك مع بداية تطبيق بنود القرار، عملت القوات الدولية على مسح جزء كبير من المنطقة بحثاً عن أنفاق حفرها «حزب الله»، وقد تمّ اكتشاف مئات منها تُوصل قرى ومواقع لـ «الحزب» ببعضها البعض، ومجهزة بأفضل التجهيزات، وحُفظت صورٌ لها وحُددت إحداثياتها بدقة من ضمن مهمة القوات الدولية التي كان يعمل برفقتها ضباط ارتباط عسكريون لبنانيون للتنسيق بين القيادتين.
ليس من شك بأن نتائج مسح «اليونيفيل» مُدرجة في تقارير موثقة وفي عهدة الأمين العام للأمم المتحدة، كما في عهدة الجيش اللبناني، وأغلب الظن في عهدة الجيش الإسرائيلي. بمعنى أن النقاش لا يدور حول وجود الأنفاق من عدمه تحت الأرض جنوب الليطاني لأنها مسألة ثابتة وموثقة. قد لا تكون عملية المسح طاولت كل الأنفاق، لكنها كشفت جزءاً كبيراً منها. المسألة اليوم تدور حول اختراق بعضها الحدود اللبنانية إلى الأراضي الإسرائيلية في فترة ما بعد الـ 2006، أي ما بعد صدور القرار 1701 الذي يَضع أمن تلك المنطقة تحت سيطرة الجيش اللبناني والقوات الدولية. هذه الوقائع تُدرِج كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه ينتظر الإحداثيات كي يُبنى على الشيء مقتضاه، في إطار المماحكة السياسية التي لا تؤدي إلى مكان، ولا يمكن الركون إليها في أي تقرير صلب يمكن أن يرفعه لبنان إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، وإن تضمّن حجم الخروقات الجويّة والبحريّة والبريّة الإسرائيلية للبنان.
امتداد الأنفاق إلى داخل إسرائيل التي وصفتها تل أبيب بـ «الأنفاق الهجومية» يُشكّل دليلاً قوياً على أن «حزب الله» موجود داخل المنطقة المفترض أن لا يكون فيها، لا بل إنه يُطوّر منظومته من دفاعية إلى هجومية. وهنا تقع المسؤولية على القوات النظامية اللبنانية المعنية بضمان خلو جنوب الليطاني من قوى غير شرعية، كما هي مسؤولية القوات الدولية التي اتُهمت أميركياً، أكثر من مرة، بأنها مقصّرة أو عاجزة عن القيام بمهامها، لا سيما بعدما اصطف «الحزب» خلف الأهالي الذين عملوا في كثير من المرّات على التصدي لتحركات وحدات اليونيفيل في القرى التي كانت تصل معلومات عن وجود تحركات أو أعمال تخالف مضامين القرار الدولي فيها. 
نجح «حزب الله»، بعدما التقط أنفاسه بعد «حرب تموز»، بتجويف القرار 1701، وساعده في ذلك ارتداده إلى الداخل واستخدامه فائض قوته لاختراق المؤسسات بما يخدم خطته البعيدة المدى. كان الحديث الدائر في المجالس الضيّقة عن المدى الذي ذهب إليه «الحزب» في الإمساك بمفاصل الدولة، والكلام كان يطال أيضاً قيادات عسكرية رسمية في الجنوب كانت على تماهٍ تام مع القيادة العسكرية لـ «الحزب»، حتى أن الكلام كان يطال اختراقه لـ «اليونيفيل» عبر كثير من الموظفين المدنيين. وقد ساهمت التحوّلات،  التي طرأت على موازين القوى في المنطقة أيام إدارة باراك أوباما، في تعزيز موقع إيران وأذرعها العسكرية، ولا سيما «حزب الله»، في المعادلة الإقليمية، الذي راكَمَ تجربة وخبرة واسعتين، سواء في العراق أو اليمن أو سوريا، بفعل مشاركته الميدانية في العمليات الحربية الدائرة فيها. 
على أن التطوّر المُهم الذي حصل لدى «الحزب» بعد حرب العام 2006 وبعد انخراطه في الجبهات القتالية، ولا سيما في سوريا وتمرّسه على أساليب قتالية جديدة وأسلحة متطورة، هو انتقاله من عقيدة القتال الدفاعية إلى العقيدة الهجومية، أو المزج بالحد الأدنى بين العقيدتين. وهو ما بدا الأمين العام السيد حسن نصرالله يؤشر إليه في خطاباته منذ مدّة.
السؤال المطروح اليوم يتمحور حول إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على القيام بعملية «درع الشمال»، المتعلقة بإثارة موضوع الأنفاق، في هذا التوقيت، رغم أن التقارير الإسرائيلية تتحدّث عن انكشاف اختراق «حزب الله» الحدود منذ نحو سنتين على الأقل. ورغم أن الإجابات لم تصل إلى استنباط الأهداف، فإن قراءة سياسة نتنياهو تنحو في سياق بناء تراكمي من الخطوات، ليس فقط ضد «حزب الله» بل أيضاً ضد الدولة اللبنانية، بدءاً من الحديث عن مواقع تخزين صواريخ في محيط مطار بيروت إلى الحديث عن مصانع إيرانية متطوّرة تعمل على الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى موضوع الأنفاق الهجومية. وهي وقائع تسعى إسرائيل من خلالها للضغط على الدولة بمؤسساتها السياسية والعسكرية، وتقليص حدود القدرة على المناورة والتملص من التزاماتها أمام المجتمع الدولي، بالتوازي مع سعيها لانتزاع ما أمكنها من مفاعيل وأدوات قوة «الحزب»، سواء في لبنان أو في سوريا، ومن خلفه إيران الواقعة تحت مقصلة العقوبات الأميركية كجزء من استراتيجية المواجهة التي رسمتها إدارة دونالد ترامب لتطويع نظام طهران.
غير الواضح هو ما إذا كانت الحركة الإسرائيلية تعبيراً عن قلق  بأن حال التعايش والمساكنة الإيرانية - الأميركية التي توطدت في زمن أوباما، وأنتجت الهدوء على حدود إسرائيل الشمالية لما  يزيد على عقدٍ من الزمن، قد أصبحت هشة بفعل  المواجهة المفتوحة مع إيران، واحتمالات استخدام طهران ورقة الجنوب اللبناني، كما الجنوب السوري، في خيارات الردّ الممكنة على المسرح الإسرائيلي، أم أنها تأتي في إطار التحضير الإسرائيلي لما يُطلق عليه «الحرب الأخيرة» مع لبنان غير الواضح زمانها وحجمها ومساحتها وحتى مآلاتها، أم أنها جزء من تهيئة نتنياهو أوراقه التفاوضية وشروطه التي تضمن له حلاً أمنياً دائماً يُجنّبه الحرب المحتومة من خلال تعديل القرار 1701 لجهة إدراجه تحت الفصل السابع بما يعطي القوات الدولية صلاحيات أوسع تضع حكومة لبنان أمام مسؤوليتها بشكل أكبر، في انتظار التوصل إلى مرحلة التسويات النهائية التي من شأنها عندها أن تشمل حلاً لسلاح «حزب الله» والأثمان المترتبة عليه!.