بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 شباط 2021 12:02ص تضعضع الطبقة الوسطى دمار للأوطان القوية

حجم الخط
من الطبيعي أن تتضعضع قوة الطبقة الوسطى في لبنان إذ ان قيمة الأموال المنهوبة بلغت رقماً مرعباً ، واجتياح جائحة كورونا لبلادنا أضر بالدرجة الاولى بالطبقة الوسطى اضافة إلى العامل السياسي والاقتصادي الذي تجلى بالعقوبات الأميركية على حزب الله والتي تأثرت بها كل الطبقات اللبنانية على مختلف طوائفها ومشاربها . 

فالطبقة المتوسطة أصبحت فقيرة بينما الطبقة الفقيرة بات أفرادها من المتسولين والمشردين . 

من هنا يقول تقرير لمجلة فورن بوليسي الأميركية أن 75% من سكان لبنان باتوا بحاجة ماسة وملحة إلى المساعدات ومعظمهم كانوا من الطبقة الوسطى ومتحدرين منها، فضلاً عن أن وطن الأرز بالأساس يسعى جاهداً إلى نيل المساعدات الدولية لحوالي مليون لاجئ سوري وفلسطيني . 

أما السيد روي بدارو وهو خبير اقتصادي لبناني فقد قال أن الطبقة الوسطى فقدت ما يقرب من ثلثي قوتها الشرائية وكانت نسبتها في الأساس تبلغ 65% واليوم عندما تميل تلك الطبقة إلى الاختفاء في أي بلد كان فإن ذلك سيسفر عن اختلال تام في التوازن وفي النظام برمته وإلى حدوث اضطراب اجتماعي يمكن أن يؤدي إلى أمور قد لا تحمد عقباها . 

وبالانتقال إلى الولايات المتحدة الاميركية فقد طالب رئيس مجلس الاحتياطي الفيديرالي الاميركي جيروم باول بتاريخ 10 أيار 2019 بوضع سياسات عامة سليمة لمساعدة المزيد من الاميركيين على الانتماء إلى الطبقة الوسطى التي مازالت تتراجع بشكل مقلق ، وقال باول في خطاب القاه أمام مؤتمر حول أبحاث التنمية إن أكثر من 80% من أبناء الطبقة الوسطى في خمسينيات القرن المنصرم كان بمقدورهم جني الاموال أكثر من آبائهم ، بينما يحقق ذلك الآن نسبة النصف تقريباً ، ويعني ذلك أن الأسر ذات الدخل المنخفض لديها فرصة أقل للانتماء إلى الطبقة الوسطى لتحقيق مستوى أساسي من الأمن الاقتصادي . 

ويعزو باول سبب تقهقر الطبقة الوسطى وازدياد التفاوت في الدخل إلى تباطؤ الانتاجية واختلاف فرص العمل بالاستناد إلى التعليم و المكان والعرق . 

ايضاً وأيضاً فإن ضعف الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الاميركية وقسم هام من بلدان العالم دفع بستيفن روتش كبير الاقتصاديين السابقين في مؤسسة مورغن ستانلي إلى القول بتاريخ 17 حزيران 2020 بأن الانهيار القريب للدولار قد بات وشيكاً مشيراً إلى ان وضعه الحالي يختلف عن السابق لأن ضعفه يستند إلى ميزان المدفوعات والسعر الحقيقي، وأضاف الخبير روتش إن انهيار الدولار الاميركي من الممكن أن يحدث في أوائل العام 2021 لافتاً إلى أنه قد ينخفض بنسبة 35% مقابل سلة من العملات تكون أقل من الحد المحدد في العام نفسه . 

وبالمناسبة أعود إلى العام 2009 حيث أكدت نان موني في كتابها not keeping up with our parents، إن الأعمال النموذجية المناسبة لأفراد الطبقة الوسطى في أميركا كالعمل في الفنون والتعليم والوظائف الخدماتية لم تعد تدر على أصحابها مداخيل لائقة ، في حين بات الاستحواذ أو الحصول على هذه الوظائف يتطلب من الفرد دفع تكاليف باهظة في التعليم العالي . 

وبالمناسبة ومنذ أيام الأغريق اكتشف الفيلسوف أرسطو أهمية الطبقة الوسطى إذ رأى أن لهذه الطبقة تأثيراً ايجابياً على عموم أفراد المجتمع كونها لا تستغل الفقراء ولا تحسد الأغنياء . 

أما على صعيد دولة فولاذية كالمانيا تشير دراسة موسعة عن الطبقة الوسطى أعدتها جامعة مدينة بريمن ومعهد البحوث الاقتصادية الألماني بتكليف من مؤسسة بيرتلسمان الالمانية إلى تراجع نسبة الألمان المصنفين في عدادها إلى أقل من 58% بعدما كانوا قد تخطوا نسبة الثلثين أواسط تسعينيات القرن الغابر . 

وأحيلكم إلى المؤرخ السياسي البريطاني ألكسندر كامبل الذي قال إن أهم المتطلبات الأساسية لقيام ديمقراطية فاعلة في بلد ما هو وجود طبقة متوسطة في ذلك البلد كبيرة الحجم بما يكفي ومتماسكة بما يكفي وتملك ثقة كبيرة بالنفس لتكون لها مكانة محترمة في الحياة الاجتماعية . 

وقد ذكر لنا تاريخ اوروبا واميركا الحديث عن قيام الطبقة المتوسطة بدور ريادي راقٍ ليس فقط في تأسيس وصيانة الديمقراطية بل أيضاً في مد عمليات التصنيع بالدعم المطلوب وانجاح النشاطات الاقتصادية عبر زيادتها ، اضافة إلى الاسهام في بناء المجتمع الصناعي وتشكيل طبقاته الاجتماعية الرئيسية . 

ولا يسعني بالمناسبة إلا أن أذكر ، بأنه عندما كانت معدلات نمو الطبقتين المتوسطة والعمالية تتجه نحو التصاعد ، كانت ضمنياً ذاهبة نحو التراجع وذلك بسبب تزايد معدلات الارتفاع في الانتاجية وتباطؤ النمو الاقتصادية والتسابق نحو الاستهلاك وتصاعد معدلات النمو في الواردات ، والدليل أنه عقب بلوغ حجم عمال الصناعة في أميركا مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي حوالي 40% من الأيدي العاملة ، تراجعت نسبتهم إلى حوالي 25% في منتصف السبعينيات وإلى أقل من 13% في عام 2000 ، وبما أن عمال الصناعة يعتبرون مصدراً هاماً من مصادر تفريخ الطبقة المتوسطة فإن تراجع مستوى طبقة العمال أدى إلى تراجع مستوى الطبقة المتوسطة كذلك .