بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آب 2022 12:00ص ثروتنا النفطية المفترضة ليست بديلاً عن علاقاتنا العربية

حجم الخط
مع تدحرج أزمات لبنان الاقتصادية ككرة ثلج تطيح بما تبقّى من الحد الأدنى من مقومات هذا البلد المنهك والمنهار والمتفكك، يُشَكَّل ترسيم الحدود والبدء بعده بالتنقيب عن الغاز في الساحل اللبناني بارقة أمل في إمكانية لجم قطار الانهيار السريع الذي يمرّ فوق سكة الحياة اليومية لمواطني لبنان.
إلا ان المقاربة بين المكونات اللبنانية لموضوع التنقيب عن الغاز والثروة النفطية اللبنانية ليست واحدةً فيما بينها، وهنا تبرز بعض الأراء التي تعتبر استثمار الثروة الغازية هو خلاص لبنان من أزماته ودخوله مرحلة جديدة من التقدّم والانتعاش، غافلين عن معطى مهم هو ان أزمات لبنان كان للفساد والمحاصصة دور مهم في تفاقمها، إضافة الى إخراج لبنان من التفاعل مع محيطه عبر ربطه بمحاور تناصب العرب العداء.
ان الفريق الذي يروّج لمقولة انتهاء أزمات لبنان بمجرد استثمار الثروة النفطية، إنما يشير بطريقة غير مباشرة أيضاً الى لبنان حينها سيكون متحرراً من الارتباط بأشقائه العرب أو بمعنى أوضح الحاجة المالية لهم.
قد يكون غاب عن بال هذا الفريق، ان العلاقات مع الأشقاء العرب ليست مالية أو مقتصرة على الدعم الاقتصادي أو إيداعات مصرفية، إنما هي علاقات وجدانية وإرتباط طبيعي بين أشقاء يجمع بينهم التاريخ والجغرافيا واللغة ولا يفرّق بينهم سوى خط ابتدعه الاستعمار تقسيماً لبلادهم.
من الأخطاء التي تمّ تداولها حين وقوع الأزمات مع الأشقاء في الخليج العربي، القول بأنّ توتّر العلاقات سيؤثّر سلباً على اللبنانيين المقيمين في شبه الجزيرة العربية، وهنا تكون النقطة المركزية في خطأ ألا وهي حصر العلاقات مع الأشقاء بالموضوع المادي واقتصاره على عمل الجالية اللبنانية في دول الخليج، وهو ما تبدّى عكسه بتعاطي الأشقاء العرب بمنتهى روح الأخوّة مع المقيمين اللبنانيين.
وأكثر مما ذكر أعلاه، فإن موقف الأشقاء العرب في أزمات لبنان والمتمثل بانتشاله من حروبه والمساهمة في إعماره، يشكّل أكبر دليل على ما يجمع بينهم وبين لبنان هو أكثر بكثير من مساعدات مالية أو مساهمات اقتصادية، وهي بالحقيقة رابطة أخوية وشعور بمسؤولية مد يد المساعدة لشقيق انهكته الأزمات.
مما لا شك فيه أن اكتشافات الثروة النفطية قد تغيّر من طبيعة الأزمة في لبنان، لكنها لن تكون بديلاً عن الإرتباط بالامتداد العربي الطبيعي، وعودة لبنان الى الحضن العربي وليست عودتهم هي المطلوبة، ولن يكون ذلك إلا باقتناع بعض اللبنانيين باستحالة العداء مع الأشقاء العرب.
ختاماً، ليكون استثمار الثروة النفطية خلاصاً للبنان متكاملاً مع إصلاح حقيقي وإعادة البلاد الى موقعها الطبيعي وعلاقاتها التاريخية مع أشقائها.

* كاتب - باحث سياسي