بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الثاني 2019 12:02ص جئني بمِثلِهم (4): عبد الرحمن سوار الذهب

حجم الخط
ليس معهوداً في عالمنا العربي أن يعود الحاكم طواعية إلى منزله بعد انتهاء ولايته، بل نجده يسعى جاهداً إلى التمديد والتجديد ما أمكن، أما في حال الانقلاب العسكري فيبقى، إذا تسنى له، إلى الأبد!

خلال أكثر من نصف قرن لم تسجل في عالمنا العربي سوى حالة واحدة عاد فيها قائد انقلاب عسكري إلى الثكنة بعد أن سلم السلطة إلى حكومة مدنية، كانت تلك هي حالة عبد الرحمن سوار الذهب، وخلافاً لذلك لم يترك قائد انقلاب واحد السلطة إلا ميتاً أو مقتولاً أو سجيناً أو منفياً أو مطروداً.

ولقد عرف العالم العربي قادة انقلابات حكموا مدداً تزيد على مدة حكم ملوك مبايعين ورؤساء جمهوريات مُنتخبين، بل وابتُدعت بدعة «الرئيس مدى الحياة»، وخلافة الأقرباء وتوريثهم الحكم.

فبعد انقلاب 1985 الذي أطاح بالرئيس السوداني جعفر النميري على يد قائد الجيش المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي قام بتشكيل حكومة ائتلافية لمدة سنة واحدة أشرفت على انتخابات أفرزت تولي سلطة مدنية للحكم في الموعد المحدد تماماً، ليضرب سوار الذهب مثلاً مميزاً للعسكري غير الطامع بالسلطة أو مغرياتها.

هذا الرجل هو حالة فريدة في العالم العربي، وهو النموذج الوحيد لحاكم سابق يتنازل عن السلطة طوعاً، وقد كان بوسعه أن يبقى في السلطة، وما أكثر المبررات التي سيقت بين يديه ليبقى ويستمر، وما أكثر الروايات عن أصوات طالبته آنذاك بالبقاء وتمديد فترة بقائه ولو لفترة قصيرة. إلا أن الرجل أبى وحرص على تنفيذ وعده بعودة الجيش إلى ثكناته في اليوم المحدد. 

بعدها، انطلق عبد الرحمن سوار الذهب بزخم في مجالات العمل الإسلامي والاغاثي. كان عضواً في عدّة مؤسسات إسلامية وعالمية، وقدّم العديد من البحوث في مؤتمرات حول الإسلام والدعوة إليه والتحديات التي تواجهه على المستويات المحلية والإسلامية والدولية، وقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام. كما شارك بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالميـة المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة الإسلامية، وقدم بحوثاَ قيّمة في القضايا الدولية ومشكلات العالم الإسلامي. وكان أيضاً نائب رئيس المجلس الإسلامي العالمي للدعوة بالقاهرة، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية العالمية في الكويت.

وقد شغل منصب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية التي حققت العديد من الإنجازات في عدّة دول إسلامية في مجال إنشاء المدارس وحفر الآبار وبناء المستشفيات والمستوصفات وملاجئ الأيتام، وعضو مؤسس في العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية والاجتماعية الإسلامية والعالمية الأخرى، وقام بجهود كبيرة في مجال الإغاثة في فلسطين والصومال والشيشان وأذربيجان، وفي حل النزاعات بين بعض الدول والجماعات الإسلامية، وكان له دور كبير في دعم التعليم والعمل الصحي والاجتماعي في بلاده.

كما شغل منصب نائب رئيس «ائتلاف الخير» في لبنان الذي يهدف إلى التنسيق بين المؤسسات الخيرية العاملة لفلسطين، والتخفيف من معاناة وآلام الشعب الفلسطيني والحفاظ على مقدراته وإعادة تأهيل البنية التحتية له، وبناء الإنسان المنتج القادر على إعالة نفسه وذويه، وأيضا نائب رئيس أمناء مؤسسة القدس الدولية.

يبدو أن معادن الناس من أسمائها … عبد الرحمن سوار الذهب، شمعة مضيئة في زمن مظلم، وهو رجل تحلى بصفات أضحت مفقودة ونادرة .. النزاهة والصدقية.

توفي في 18 تشرين الأول 2018 ودفن في المدينة المنورة استجابة لوصيته، رحمه الله.

 * كاتب وباحث.