بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 آذار 2022 12:02ص جامعة الدول العربية.. ما لها وما عليها

حجم الخط
شكّلت جامعة الدول العربية منذ تأسيسها يوم 22 آذار 1945، مشروع الحلم العربي المنتظر بعد الحربين العالميتين لإزالة الآثار الاستعمارية الكارثية التي نزلت بالعرب، أمّة وشعبا وأراضٍ واسعة ممتدة بين قارتي آسيا وأفريقيا. وفي زمن الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان يوم التأسيس يعتبر عيدا وطنيا تُعطّل فيه المدارس وتكثر الدراسات والمقالات من كثير من المفكرين والمثقفين العرب حاملة الآراء القيّمة بالجامعة، نشأة ودورا، انجازات ومشاريع واقتراحات للحفاظ عليها وتطويرها نظاما وقرارات وحركة، وإستجابة لرسم مستقبل مشرق وعزيز لأمة العرب في إطار العمل العربي المشترك يؤتي ثماره لمشروعات تعاون ووحدات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ودفاع عربي مشترك يتصدّى لكل الأعمال والمخططات العدوانية على أمة العرب، ويرسي إنجاز كل ما هو مشترك بين أبناء الأمة، وغير ذلك من الأمور المشتركة.. لتكون جامعة عربية فاعلة، تعمل لنظام عربي فاعل تحميه المصالح العربية المشتركة وتضمن لمواطنيها الحماية والأمن والأمان والاستقرار وحياة حرّة كريمة وإرادات مستقلة.

لقد مرَّ 77 عاما على الجامعة، شهدت في عقودها السبعة أحداثا جسام وتداعيات خطيرة، وما زالت تراوح مكانها وبخجل ملموس، تدخل علينا في ذكرى قيامها حاليا، وهي تستمر بما حملته من أهداف ووعود عند مسيرتها الأولى بغد عربي مشرق وعزيز، وتحقيق حلم قد تعب من بقائه سنين لا يستهدون أهلها والمعنيون بها لزاوية مضيئة أو ممر آمن سليم أو خطوة نحو أمل جديد، هل ما زال للجامعة يوم عيد؟ أم يوم حزين؟ هل وهي أولى وكبرى مؤسسات النظام العربي المأزوم قادرة على مواجهة التحديات على الدول العربية مع شعوبها ومع الدول الإقليمية الطامعة بالأرض والشعب والثروات العربية ومع الدول الأجنبية الكبرى والصغرى منها التي تحاول ابتلاع المنطقة ومعهم العدو الوجودي الإسرائيلي؟ ونسأل هل نجحت الجامعة فيما قامت من أجله أم فشلت؟ وهذان مردّهما للإنسان قائد الحركة والتطوّر وليس الجماد مهما تنوّع أخطاره، حجارة أم نصوصا وحتى تحدّيات خارجية أمرت ومنعت وحجبت عوامل التقدّم والنجاح والفلاح، هل هي أزمة جامعة أم أزمة دول عربية وأنظمة متصارعة فيما بينها؟! ومع مواطنيها؟! لكن ومهما كان حال جامعة الدول العربية وحال دول أعضائها نجاحا أم فشلا هل يمكن لعربي أن يتصور أو يظن بدول عربية وأمة عربية بدون جامعة عربية يحققون بها ومعها النجاح المأمول والحلم المنتظر والغد المشرق العزيز؟!

تعالوا إذا للسير على درب جديد وعقل تكون سماته الإبداع والقدرة على التخطيط والإنجاز وصنع المستحيلات بإرادات مستقلة حرّة وإيمان لا يتزعزع بالوطن والأمة وتفانٍ حقيقي من أجل مصالح المواطنين لا ذوات الحاكمين وعائلاتهم ومحازبيهم وإطلاق الحرية والديمقراطية للشعب أصحاب المصلحة الحقيقية في أوطانهم وهم الباقون والسلطة والتسلّط زائلون زائلون.

ان الكثيرين من قادة الرأي العربي والنخبة المثقفة والمهتمين بقضايا الأمة يختلفون بالرأي حول الجامعة، ومصيرها بقاء أو إنهاء، فشلا أو نجاحا فهي لم ترقَ لمستوى قيام كيان سياسي واحد ومتوحّد ومتعاون خاصة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنماء والنماء، لم تنجز قيام سوق عربية مشتركة، أو العمل بمقتضى اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا تجارة عربية مشتركة ولا أدنى اهتمام بالزراعة رغم المساحات الشاسعة من أراضي دول عربية كالسودان مثلا، وبمثل ذلك في أمور عديدة، وهناك من يتمسّك بالجامعة خوفا من قيام جامعة شرق أوسطية تكون لإسرائيل عضوية مميّزة فيها، والأخطر من ذلك أن معظم الدول العربية باتت في صراعات دموية شتى منها مع شعوبها ومواطنيها وحروب وصراعات بين أحزابها أو طوائفها مع ما تخلّفه من دمار وخراب. وباتت الأرض العربية مفتوحة لأمم وقوى وجيوش ما أنزل الله بها من سلطات وقواعد عسكرية وغير عسكرية، كل ذلك مع غياب وعدم وجود فاعل للجامعة ودون بذل جهود مطلوبة لحل الخلافات والنزاعات العربية - العربية والطائفية - الطائفية والمذهبية - المذهبية، مع غياب للجامعة عن فلسطين وما يجري على شعبها من قتل جهارا نهارا وهدم البيوت وتدنيس للمسجد الأقصى واعتقالات للنساء والشيوخ والأطفال مما حرّك أفئدة شخصيات عالمية تعلن إدانة هذا الظلم على فلسطين وشعبها، لكن لم نلمس حركة أو مبادرة لمواجهة ما يجري في فلسطين وأسراها، وبات الصمت المريب والتطبيع والعلاقات المتنوعة بين المحتلين الصهاينة والعدد الوازن من دول عربية سمة المرحلة.

وبنظرة موضوعية ونقضية نقول بعد ثلاث سنوات من تأسيسها حصلت:

١- نكبة فلسطين ١٩٤٨ باحتلال الصهاينة لقسم كبير من أراضيها بدعم ومشاركة الدول الاستعمارية بذاك الزمن وإقامة كيان دويلة لهم.

٢- وبعد ١٩ عاما نكسة ١٩٦٧ واحتلال كل فلسطين والقدس وأراضٍ لثلاث دول: مصر، سوريا،الضفة والأردن

٣- وبعد ٢٨ عاما، حرب تشرين/ أكتوبر بنصر عربي عسكري محدود في العبور وهدم خط بارليف وخسارة سياسية بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وتحقيق الحلم الإسرائيلي بإخراج مصر أكبر دولة عربية من الصراع العربي - الإسرائيلي.

وفي خلال ٢٨ عاما (١٩٤٥-١٩٧٣) وقع فيهم احتلال، ونكسة ثم حرب العبور ونكبة الصلح المصري - الإسرائيلي (وحقا كان الله في عون الجامعة لهكذا إنطلاقة قاسية ومُرّة لها وللشعب العربي معا).

٤- صراعات عربية - عربية داخل أوطانها، الحرب اللبنانية (١٩٧٥-١٩٩١) ومليشياتها والتدخلات الاستعمارية ومخططاتها التدويلية الانقسامية الهدّامة، وتبع ذلك الثورات والانقلابات وعرفت بالربيع العربي بتونس ومصر وحروب أهلية متنوعة في كل من سوريا والسودان، وليبيا والغزو الأميركي للعراق سواء بسبب غزو الأخير للكويت أو بكذبة أسلحة الدمار الشامل الأميركية، وحاليا الاقتتال الدائر باليمن اللاسعيد حاليا، ومن أكبر المآسي العربية وأشدّها هولا قتل رؤساء وإعدامات وخراب ودمار وفوضى هدّامة، إلى بؤس ومجاعة أغلب مواطني الدول العربية. وقائع وأخطار أكبر من كل الجامعة العربية ولو جاءها المدد من كل صوب وحول هذا هو ما ندركه بالواقعية والموضوعية.

العالم كله أمام تحوّلات كبيرة وخطيرة، وقد تلامس أولا حربا عالمية ثالثة أو ولادة نظام عالمي جديد بقوى عالمية جديدة لا مكان فيها للأحادية، بل للتكتلات والمحاور وما يرسم على صوره الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، بل قل بين الأطلسي الأميركي الأوروبي وبين روسيا والمتحالفين معها سرا أو علنا. وأين النظام العربي ودوله وشعبه وجامعته موضوع حديثنا الجاري؟ وهل ستكون جامعتنا ودولها داخل التاريخ أم خارجه؟! والأمر متروك لهم.