بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 شباط 2021 12:05ص جان عبيد أرزة شامخة

حجم الخط
 فُجعَ الوطن بسقوط أزرة شمالية شامخة! خسر الأدب الرفيع والذوق السليم جان عبيد، إثر مضاعفات الوباء الخبيث الذي لم ينجح في شفائه منه طبٌّ ولا دواء ولا دعاء، فذهب إلى خالقه، ناصع الجبين، نقيّ اليد، مزوّداً وابلاً من الرحمات لأنه كان انساناً طيب القلب وسياسياً محنكاً ذا خلق عالٍ وصفات مستحبّة حتى من خصومه. لم يسهم، في السياسة، إلّا في رأب الصدع وتجنّب المزالق عهد الرئيس سركيس والشيخ أمين الجميل وتجنّب المزيد من سفك الدماء البريئة، وحمل وزر حقيبتين وزارتين بجدية وامانة.
اتصل بي ذات يوم عن غير معرفة بي لينوّه بمقال لي في صحيفة «النهار» حول الأم في عيدها وكان قد مرّ بعض الأيام على وفاة والدته، وكان يومها وزيراً للخارجية والمغتربين فشكرته بقولي:
                       أوليتموني نعمةً في نعمةٍ            فأنا ببحر الجود منكم غارقُ
جان عبيد!
فجعتُ بفقده حقّاً، فهذا مصاب أليم الوقع على قلبي وقلوب محبيه الكثر، لما شدّني إليه من عاطفة محبّة وقد تجلّى لي وللشرفاء العقلاء طيباً في خدمة الوطن والتعلّق بأهداب الدين. ذات يوم، زار جان عبيد الرئيس شارل حلو في دارته بالكسليك وكنت ما زلت مستشاراً للرئيس الراحل، فنوّه الرئيس بقيام الوزير عبيد بمهامه على اكمل وجه وانبل قصد مستحباً فيه روح المسؤولية والجرأة والحزم والإقدام والتجرّد والنزاهة ونظافة الكف، ومعالجة الشؤون الطارئة بالحكمة والروّية ووضع الرأي «قبل شجاعة الشجعان» واستباق الحوادث، وتداركها قبل وقوعها، والترفّع عن استخدام ما يوليه المنصب من سلطة لبعث الاحقاد، وإحداث الشقاق، وإيثار التعقل والاعتدال على النزوات والتطرّف، والتزام جانب الحياد في ما ينشب من خلاف، ومناصرة الحق لا الباطل.
قال له الرئيس الراحل، وكنتُ إلى جانبه، والانتخابات الرئاسية على الابواب: «اذا غدوت سيّد القصر الجمهوري في بعبدا، لا تنسَ ان لك أخاً أصغر هو الآن إلى جانبي، وشأنه ان يؤازرك في تأدية واجباتك الوطنية»!
ذهب الوباء «الطبيعي» الخبيث وكذلك أوبئة الحياة القاسية بحياة جان عبيد الغالية، ليترك الفقيد الغالي في افئدة ذويه وخلّانه وقادري فضله الواناً قاتمة من الحزن واللوعة.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه