بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 شباط 2021 12:06ص جان عبيد.. السياسي المثقّف الزميل الرفيق

حجم الخط
على مدى مسيرة جان عبيد كان هناك دائما خط هاتف حار بالإلفة والمحبة لم ينقطع يوما مع قدامى زملاء له في الصحافة التي كانت منطلقا لحياته السياسية الغنية بالحكمة والثقافة والتجربة. وفي لحظة الحزن العميق على رحيله، كيف أنسى أول لقاء معه أوائل الستينيات في صحيفة «لسان الحال» عندما أطلّ صاحبها ورئيس تحريرها الصحافي القدير الراحل جبران حايك في صالة التحرير في مبنى الجريدة في شارع شاتوبريان قرب وسط العاصمة، معلنا انضمام زميل جديد عرّفه إلينا اسمه جان عبيد ليتولّى شؤون السياسة العربية والدولية التي ومنذ الليلة الأولى شعرنا انه لا يتداول بها كصحفي فقط وإنما كرجل سياسة القصة عنده ليست مجرد خبر أو سبق صحفي، وإنما كحدث يتداخل في عقله ومشاعره ويتفاعل مع ثقافة سياسية تميّز بها في كل اجتماعات مجلس التحرير الذي ضم زملاء لنا رحلوا وبقوا مع جان عبيد في ذاكرة القلب والحب من جبران حايك وكيوان نصار وعدلي الحاج الى حسين قطيش وظافر تميم ورفيق حبيب، الى فيما بعد جورج قرداحي قائد برنامج «اربح المليون» أطال الله عمره، وكوكبة من الزملاء المراسلين والمتعاونين (بصيغة La Pige كما كان يسميهم جورج نقاش صاحب L`Orient وكاتب الافتتاحيات اليومية اللاذعة). وإذ كنت يومها مسؤولا عن صفحة الاقتصاد، لم يكن جان عبيد بسليقته السياسية المبكرة، أقل اهتماما بأخبارها من اهتمامه بالأخبار السياسية. فلم يمرّ يوم واحد دون أن يسأل عن كل تفصيل يتعلق بحياة الناس ومعيشتهم ومستقبل أولادهم وعائلاتهم دليلا على ان الصحيفة عنده أكثر من «جريدة» (كما سماها أحمد فارس الشدياق لأنها «تجرد» الأخبار اليومية وسمّى «المجلة» لأنها كما قال «تجلوها» كل شهر أو كل أسبوع) بل كانت الصحافة في مسيرة جان عبيد حياة أمة ورسالة وطن. وقد كان هذا التوجه في شخصيته ملفتا منذ البداية، لدرجة أحسسنا جميعا من خلال جلسات طوال جمعتنا في الزمن الجميل في مطعم «ستاركو» المجاور لمبنى الجريدة أو في مطعم «فيصل» قرب الجامعة الاميركية وفي مقاهي الـ «هورس شو» و«ستراند» والـ «دولتشا فيتا» بين الحمرا والروشة، أو في منزل العائلة على وجبة الكبة الزغرتاوية التي كانت تجلبها لنا بحنانها وحبّها والدة جان والزميلين ميلان فؤاد وميلان عبيد أطال الله عمره، ان هذا الشاب العصامي المفعم بالحيوية والذكاء والألمعية القادم الى بيروت من أقصى الشمال، سيكون له شأن مميّز في سياسة لبنان. وأذكر قوله لنا يوما ردا على سؤال الرئيس حافظ الأسد عن سبب تسمية ابنه بـ «بدوي» جوابه للرئيس السوري: أولا لأنه اسم والدي وثانيا بعد أن سمّى وليد جنبلاط ابنه «تيمور» (على غرار تيمورلنك) سميت ابني «بدوي»!
كما أذكر ان لقب «فخامة الرئيس» أطلقه على جان عبيد زميلنا الأديب الصحافي إبراهيم سلامة قبل أكثر من أربعين عاما من تولي عبيد وزارة الخارجية وعلى مسافة قريبة من تسلّمه سيف رئاسة الجمهورية، وهو شعور لازمني دائما وزاد في نفسي قناعة لا سيما بعد انتقالنا معا في أوائل السبعينيات للعمل في دار «صياد» أستاذنا الصحافي الكبير سعيد فريحة حيث تولّى جان عبيد إدارة تحرير المجلة وتوليت إدارة الدار الى جانب الزميل الصديق بسام فريحة قبل أن أغادر للإقامة في لندن طالبا ومراسلا للمجلة وعلى صلة دائمة مع مدير تحريرها جان عبيد الذي كان يسأل على الهاتف عن كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالشؤون السياسية الدولية التي أمسى خبيرا متجليا فيها استكمالا لقراءات غزيرة ومواهب وقدرات بقوة ثقافة ووطنية مواقف أهّلته صحافيا ووزيرا نائبا عن الشعب الذي ودّع جان عبيد بكل فئاته وأطيافه بالحزن والأسى لرحيل قامة سياسية مميّزة لبنانية وعربية.
رحم الله الزميل الصديق الرفيق جان عبيد ولعقيلته الكريمة لبنى وأخيه الزميل ميلان عبيد ولكل أفراد العائلة خالص العزاء والسلوان..