بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تموز 2021 12:01ص جمال عبد الناصر رجل في أمّة وأمّة في رجل (3/4)

حجم الخط
جمال عبد الناصر، الذي تلقّى بألم صباح 28 أيلول 1961 نبأ الانفصال في سوريا، لم يكن غافلاً أبداً عمّن كان وراءه من صانعيه ومؤيديه من فئة الخونة أشخاصاً وأحزاباً من السوريين والعرب ومن فئة أعداء الأمة العربية القابعين دواخل عروشهم والجواسيس القابعين في أقبية وسراديب المخابرات الأجنبية ومدة عدائهم للجمهورية العربية وهو القائل عنهم يوم إعلان الجمهورية العربية المتحدة: «على انني أرى من واجبي في هذه اللحظات التاريخية أن أصارحكم ان الطريق الذي نقبل عليه هو شاق وطويل. وان رحلتنا عليه ليس نزهة نروّح بها عن النفس - إنما رحلتنا عليه مشاق ومتاعب وكفاح وجهاد، فالذين لا تروقهم وحدة مصر وسوريا، ولا توافق أغراضهم لن يتقبلوها بالرضى والسكوت، وإنما ستكون المساعي والمحاولات والمناورات والمؤامرات. لهذا أقول لكم من الآن يجب أن نظل مفتوحي الأعين، منتبهي الحس والوجدان، اننا نعيش فترة رائعة، ولكن علينا أن ندرك ان لهذه الفترة الرائعة أخطارها أيضاً، وربما كانت شهوات أنفسنا هي أكبر الأخطار التي يتعيّن علينا مواجهتها»!!

وجمال عبد الناصر بهذا الوعي الرائع الذي حدّده يوم قيام الجمهورية العربية المتحدة، وبهذه الجديّة والتبصّر الحاد لما يتربص بها من مخاطر ومؤامرات، وقد رأينا تلك المؤامرة التي تعرّض لها عبد الحميد السراج بالرشوة بالمال تكشّفها بنفسه وأجهضها، وقد رأينا أيضاً بأن مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر في دمشق كان العقيد في الجيش العربي السوري عبد الكريم النحلاوي هو قائد المجموعة العسكرية التي قادت عملية الانفصال وفك عرى الجمهورية العربية المتحدة.

وجمال عبد الناصر، وبقدر ما كانت تتوارد أمامه معطيات سورية وعربية ودولية كانت تؤكد صحة ما حذّر منه - كما بيّنا أعلاه - فانه قال لا حقاً عن ان الذين سارعوا - منذ بدء حركة الانفصال - الى تأييدها والاعتراف بها كان بعد مرور أكثر من اسبوعين على الانفصال. ولم يذكر جمال عبد الناصر للقوى السياسية التي سارعت الى تأييد الانفصال وخاصة منها:

- الشركة الخماسية وأطرافها الأممية بقرارات تموز عام 1961.

- بعض ضباط الجيش السوري الذين قادوا حركة الانفصال (الذين طلب بعضهم لاحقاً العفو والغفران) وقال عبد الناصر بهؤلاء: لا حقد على ضباط الانفصال في سوريا.

- الحزب الشيوعي السوري وباقي الأحزاب الشيوعية العربية.

- الحزب السوري القومي الاجتماعي.

- حزب البعث العربي الاشتراكي.

وجمال عبد الناصر - بعد أشهر - ودّع سوريا وطلب الى وزارة الخارجية المصرية في القاهرة أن لا تمانع أو تعارض عودة سوريا الى مقعدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي جامعة الدول العربية وهو يقول: «وستبقى الجمهورية العربية المتحدة رافعة أعلامها مرددة نشيدها مندفعة بكل قواها لتبقى سنداً لكل حق عربي».

وبقي اسم الجمهورية العربية المتحدة تحمله مصر رسمياً وعربياً ودولياً الى أن جيء بأنور السادات فأجرى تعديل الاسم ليصبح: «جمهورية مصر العربية».

وجمال عبد الناصر وقد أطلّت سنة 1962 وهو ما زال يعاني من جريمة الانفصال، إذا بثورة المليون ونصف مليون شهيد جزائري تطرق وتدق وتفتح أمامها أبواب الانتصار، مخلّفة وراءها حوالي مئة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي الذي كان مقتنعاً بأن الجزائر وشعبها جزءاً من الأرض والأمة الفرنسية، وان نصف مليون مستعمر فرنسي ولدوا وعاشوا فوق التراب الجزائري يهيّئون أنفسهم لترك الجزائر والعودة الى ما وراء المتوسط لجهة أوروبا حيث فرنسا الأوروبية، والجزائر عادت جزائرية كما قال الجنرال ديغول الذي وضع حدّاً لكذبة دامت مئة وثلاثين سنة، وهنا زاد عليه قائد الثورة الجزائرية ورئيس جمهورية الجزائر أحمد بن بيلا انها الجمهورية الجزائرية العربية الذي قال في القاهرة انها عاصمة الجمهورية العربية كما أراد لها عبد الناصر: «اننا نحن هنا في القاهرة عند الرئيس جمال عبد الناصر لتهنئته بانتصار الثورة الجزائرية الذي كان أول عربي مع الثورة الجزائرية مساعداً لها بالمال والسلاح، في وقت كان الكثر من المواطنين الجزائريين ضد الثورة ومع الفرنسيين، واننا من هنا نعلن اننا على استعداد لإرسال مئة ألف مقاتل جزائري الى مصر ليعملوا مع الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر على تحرير فلسطين».

وجمال عبد الناصر - كما كان في دعمه لثورة الجزائر، كان بنفس القوة الى جانب ثورة الجيش اليمني بقيادة عبدالله السلال الذي اقتلع أعتى نظام ملكي امامي على الأرض، وأعلن النظام الجمهوري، حيث ما لبثت المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية على الدخول في اليمن في حرب ضد النظام الجمهوري الجديد فبادر جمال عبد الناصر الى إرسال من قوات الجيش المصري الى اليمن ما يمكن الجيش اليمني على الحفاظ على النظام الجمهوري، وعلى هذا الأمر استمر الجيش المصري بالقيام بواجب النصرة والدفاع على النظام اليمني الجمهوري ثم بموجب معاهدة مصرية - سعودية - يمنية - أردنية عمل عليها جمال عبد الناصر وانتهت بالتوافق على الاعتراف السعودي والأردني وبعض قطاعات الشعب اليمني الموالي لنظام الإمامة البائد وعودة الجيش المصري الى بلاده للانخراط في عملية بناء الجيش المصري الواسعة استعداداً للمعركة الفصل مع الكيان الصهيوني.

 * الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب