بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 نيسان 2019 12:00ص جمعية تنتحل صفة حكومية.. وابتكار جديد لصرف المال العام؟!

حجم الخط
تفاعلت في الأسابيع الماضية قضية «المركز اللبناني لحفظ الطاقة»، ووضعيته القانونية، وصرف الأموال العامة دون رقابة.
بدأت حكاية المركز عام 2002، مع إطلاق مشروع «المركز اللبناني لحفظ الطاقة»، بالتعاون بين وزارة الطاقة والمياه وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان. ثم وقّعت الوزارة اتفاقاً مع البرنامج عام 2007، يقضي بإضفاء الطابع المؤسّسي على المركز، ما دفع بالوزارة إلى طلب موافقة مجلس الوزراء على إنشاء المركز رسمياً. 
وحين أخذ مجلس الوزراء رأي الجهات المعنية بالموضوع، جاء ردّ مجلس الخدمة المدنية بموجب كتاب يحمل الرقم 459 لعام 2008، لفت فيه إلى أنّ المهام المقترحة للمركز المقرّر إنشاؤه تتكامل أو تتفرّع عن مهام وزارة الطاقة والمياه المنصوص عنها في القانون 462 لعام 2002، وخلص الرد إلى نتيجة مفادها عدم الحاجة لإنشاء هذا المركز. 
كذلك خلص المستشار القانوني لرئاسة مجلس الوزراء آنذاك إلى عدم الموافقة على إنشاء المركز بعدما شدّد في مطالعته، على أنّ الأحكام المُنظِّمة للمركز تُبيّن أنّ المقصود هو إنشاء مؤسّسة عامة ذات نظام خاص غير خاضعة لأحكام النظام العام للمؤسّسات العامة، وهو أمر غير ممكن إلا بموجب نص تشريعي.
ورغم عدم تصديق مجلس الوزراء على إنشاء المركز، إلا أنّه أبصر النور بعدما أخذت وزارة الداخلية والبلديات علماً بتأسيس الجمعية المسماة «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» رقم 172 تاريخ 27 كانون الثاني 2011، بموجب قانون الجمعيات لعام 1909، والتي اتخذت مكتبها في الغرفة 303 في وزارة الطاقة والمياه في سابقة تتعلّق بتحديد مركز جمعية في مبنى حكومي، ولو أنّ قانون الجمعيات لا يمنع اتخاذ جمعية مكتبها داخل مبنى حكومي بعد الأخذ بموافقة الوزير المعني.
في المقابل، الإشكالية الأخطر هي في انتحال الجمعية صفةً حكومية، وهو أمرٌ مُثبت، فالجمعية تعلن على صفحتها الإلكترونية وفي منشوراتها، عن أنّها منظّمة حكومية تابعة لوزارة الطاقة والمياه، تتمتّع بنظام مالي وإداري مستقل، وهذا الأمر منافٍ لحقيقة أنّ «المركز» هو جمعية أهلية حصلت على بيان علم وخبر من وزارة الداخلية والبلديات، بعكس المنظّمات الحكومية، التي يتم إنشاؤها بموجب مرسوم اشتراعي او مرسوم صادر عن الحكومة. 
كما أنّ هناك عدّة إشكاليات حول «المركز»، أوّلها يتعلّق بماهية الجمعية، ودورها على صعيد الأموال التي تتلقّاها من عدّة جهات مموّلة، ففي عام 2016 عقدت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه جلسة خلصت فيها إلى أنّ «المركز» هو جمعية تعمل وفقاً لمبدأ «الجمعيات غير الحكومية التي تنظّمها الحكومة»، وبعد مناقشة مستفيضة تقرّر طلب نسخة عن النظام الداخلي للجمعية وموازنتها، حيث إنّها تقوم بإنفاق أو الإشراف على إنفاق أموال عمومية ضخمة في قطاع الطاقة المتجدّدة، لكن في الأساس، لا وجود لبدعة «جمعية غير حكومية تنظّمها الحكومة» في قانون الجمعيات، حتى وإنْ كان لوزارة الطاقة والمياه دور بارز في الجمعية، حيث إنّ نظام الجمعية الداخلي أعطى وزير الطاقة دوراً كبيراً في اتخاذ قرارات مالية، إضافة الى دوره الإشرافي، ومساعدته الجمعية على زيادة مواردها المالية، ومساهمته في إنشاء وتطوير علاقاتها مع الفاعليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية داخلياً ودولياً.
أمّا على الصعيد المالي، فهناك مَنْ يلوّح بأنّ الجمعية تقوم بالمناقصات بدل وزارة الطاقة والمياه، وهي تتلقّى تمويلاً سنوياً مباشراً من الوزارة، تُنفقُه دون أنْ تخضع لرقابة ديوان المحاسبة لأنّها جمعية.
كما أنّها لا تخضع لمراقبة وزارة المالية، بما أنّ قانون الجمعيات لا يعطي الوزارة أي صلاحية لمراقبة الأعمال المالية للجمعيات، باستثناء البند بالمتعلّق بالضرائب على الأجور، بل تكتفي الجمعيات بتقديم قطع حساب وموازنة سنوية.
وبهذا الخصوص، أوضح رئيس «المركز للبناني لحفظ الطاقة» لوسائل الإعلام: «هي جمعية غير حكومية مرخّصة من وزارة الداخلية [...] هناك بند في نظامها الداخلي مرتبط بموضوع المساهمات ويقضي بصرفها بأمر من وزير الطاقة كي يكون الصرف وفق خطط وزارة الطاقة والحكومة اللبنانية، وخطط عملنا توافق عليها لجنة المال والموازنة في مجلس النواب وكل مصاريفنا تمر عبر ديوان المحاسبة والمدققين لدينا».
وقد لحظ قانون ديوان المحاسبة الصادر بمرسوم اشتراعي رقم 82 لعام 1983 وتعديلاته، في الفقرة الخامسة من المادة 2 خضوع الجمعيات إلى رقابة ديوان المحاسبة: «المؤسسات والجمعيات وسائر الهيئات والشركات التي للدولة أو للبلديات أو للمؤسّسات العامة التابعة للدولة أو للبلديات علاقة مالية بها عن طريق المساهمة أو المساعدة أو التسليف».
وأضافت المادة 2 بأنّه «يحدّد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص، وبعد استطلاع رأي ديوان المحاسبة، مدى الرقابة وأصولها بالنسبة للمؤسّسات والجمعيات والهيـئات والشـركـات المنصوص عليهـا فـي الفقرتين 4 و5 من هذه المادة».
أصبح ضرورياً بل إلزامياً الإجابة على الأسئلة التالية بخصوص «المركز اللبناني لحفظ الطاقة»: لماذا تمَّ تجاهل رأي مجلس الخدمة المدنية، والمستشار القانوني لرئاسة مجلس الوزراء، وإنشاء جمعية تتكامل أو تتفرّع مهامها عن مهام وزارة الطاقة والمياه؟، كيف ستتم معالجة انتحال «المركز» صفة منظّمة حكومية؟، ماذا جاء في النظام الداخلي للجمعية بخصوص تلقّي المساهمات وآلية الصرف؟، هل يمارس ديوان المحاسبة رقابته على الجمعية، وما مداها؟، وهل هناك مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بهذا الخصوص؟
في «جمهورية الملفوف» يكون البحث عن الحقيقة كالبحث عن إبرة في كومة قش.. ينبغي إضرام النار فيها!