بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 حزيران 2021 12:02ص جهنّم عون والفيدرالية وباسيل

حجم الخط
عبارة «سِنيّ الإقصاء والتنكيل منذ العام 1990 حتى العام 2005» التي تضمنها بيان رئيس الجمهورية ميشال عون، رداً على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كشفت مكنونات ومكبوتات العلاقة الحاكمة بين أطراف السلطة. بل إنها نكأت جراح تلك الحقبة، واستعادت مآسيها المدمّرة على لبنان.

ويبدو أن هذه الحقبة هي التي تحكم سلوك عون وفريقه السياسي المهجوس بعقدة الثأر من سِني «الإقصاء والتنكيل»، لكن ليس من عام 1990 الذي أجلي فيه عون الى فرنسا، كي تنطلق عجلات الطائف في إعادة بناء الدولة وفق سياقاته. أغلب الظن أن عون لم يكن موفقاً في إجتزاء إستعادة تاريخ تلك الحقبة دون مقدماتها الحربية من حروب التحرير والإلغاء التي تخلّلها إنقسام الجيش بقيادته، ويومها قصف ميشال عون تلة الخياط والاونيسكو وغيرهما في بيروت وفي غير منطقة.

رغم هذا يحاول عون وفريقه أن يتلحفوا ثوب المظلومية التي يدّعوا حصريتها بهم. وهذا افتئاتٌ على تاريخ تلك الحقبة التي ستصنف تاريخاً مختلفا حوله، كما ستضم الى الكثير من الوقائع التاريخية المختلف حولها في كتب التربية والتاريخ في لبنان.

وبدا سلوك عون وفريقه السياسي محكوماً بعقدة الثأر من تلك الحقبة ورموزها، الذين من أبرزهم اتفاق الطائف الذي يبدو أن ساكن قصر بعبدا لم يزل متمسّكاً في إضافة «الفاصلة» إليه. إنّها الفاصلة التي تعني تعديلات دستورية تستعيد الصلاحيات السليبة التي جعلها اتفاق الطائف بيد مجلس الوزراء مجتمعا. إنّها الصلاحيات التي قدّم عون وكتلته النيابية مشروع قانون عام 2014 لإنتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب على دورتين، الأولى للمسيحيين، والثانية لبقية اللبنانيين. وبدل أن يجنح عون وفريقه الى تلقف فرصة إبرام مصالحة تاريخية ونهائية، فيبدو أنهم فضلوا الفاصلة على المصالحة، وبقي التاريخ عندهم أسير تلك الـ «،».

ورغم مشروع القانون التعديلي، إضافة لكلام متعدّد لجبران باسيل حول تعديل الطائف بعدما نعته بأبشع النعوت والصفات، دون أن يضربه ميشال عون على لسانه، فإنهم يتنطحون للقول بتمسكهم باتفاق الطائف الذي أقرّ دون موافقة عون وحزب الله الذي كان يومها وليداً في طور التأسيس.

وبالعودة الى حرب السجالات القائمة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي على خلفية إضطلاع الأخير بدور الوساطة بين طرفي تشكيل الحكومة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وهو الدور الذي فوّضه زعيم حزب الله الى نبيه بري. إنها الوساطة التي بدا بري في رسمها التشبيهي، أشبه بفتوة الحارة الذي عليه أن يصالح أولاد الحارة فيما بينهم.

بهذه البساطة بدا المشهد الذي وكأن نصر الله أراد من خلاله أن ينزع عن ميشال عون صفتي الحياد والحَكَم، وهو الأمر الذي دفع عون الى التصويب على بري ومبادرته من دون أن يوفر بشكل مباشر حزب الله نفسه الذي وبحسب عون «وقف الى جانب الباطل ضد الحق»، وهو بهذا انما يضرب قيم وأخلاق نصرالله التي لطالما كانتا محل امتداح عون وفريقه.

اليوم حصحص الحق، فعون يريد من حزب الله أن ينصره في معركته ضد نبيه بري وسعد الحريري. فيما حزب الله بات كمن يبلع الموس، فظروف الوضع الحالي لا تسمح له بهذه المفاضلة التعجيزية خصوصا مع نبيه بري، وهي المفاضلة التي إن تمّت فستؤدي حتماً الى إقتتال بين طرفي الثنائي الشيعي، وهذا ما تستبطنه مفاضلة فريق عون المطلوبة، تماما كما تستبطن اقتتالاً سنياً شيعياً.

حزب الله قدم كل مستلزمات الوفاء لميشال عون بأن أسكنه في قصر بعبدا مكافأة على موقفه أثناء حرب تموز. لكن حزب الله لا يستطيع مجاراة عون وفريقه في معاركهم الدونكيشوتية ضد طواحين الهواء. لقد استفاد طرفا «تفاهم مار مخايل» الى حد تورّم أحجامهما السياسية وإمكانياتهما المادية تغولا في الدولة وعبر الحدود، لكن فريق عون باسيل يريدان إستلام الدفعة الأخيرة من تفاهم مار مخايل قبل رميه في سلة المهملات، انها الدفعة المتمثلة في إيصال وريث ميشال عون الايديو-سياسي جبران باسيل الى قصر بعبدا وفرضه رئيساً لجمهورية الأشلاء اللبنانية بفعل الفساد والأمونيوم والكابتغون وأيضا صفقات البواخر والسدود الهوائية لا المائية وغيرها من مروحة الصفقات التي تقاسمتها منظومة الفساد التي أجهزت على البلاد والعباد، كما وأفلست خزينة الدولة وسرقت أموال اللبنانيين وأحلامهم ومستقبلهم.

الإستعصاء سيّد الموقف في لبنان، والمشكلات بدت أعمق من قدرة أطراف منظومة الفساد والسلاح. وكسر حلقات الإستعصاء يمرّ حتما بكسر أحد طرفي الأزمة في لبنان، وهم ميشال عون وفريقه من جهة، وتحالف بري الحريري جنبلاط من جهة ثانية، فيما يحاول حزب الله البقاء على الحياد كضابط للتوازنات، لكن في حال فرض الموقف على نصرالله إتخاذ موقف فسيكون ولاعتبارات كثيرة الى جانب تحالف بري الحريري.

لكن هل وقوف حزب نصر الله الى جانب بري سيحل المشكلة؟ أغلب الظن أنه سيزيد المسألة تعقيداُ، لكنه سيخلق توازن قوى جديد، مؤدّاه إحكام الطوق حول عون وفريقه. إنّه الطوق الذي سبق ودفع باسيل في سياق سعيه لكسره خصوصاً بعد تصنيفه فاسداً وفق قانون ماغنيتسكي العالمي، للإستعانة بصديقه وزير خارجية هنغاريا بهف تقويض العقوبات الأوروبية المحمولة على أنصبة الثأر للخيانة الجماعية التي سبق وتعرض لها الرئيس الفرنسي ماكرون من المسؤولين اللبنانيين. وهو الطوق الذي سبق وتحسب له جبران باسيل عندما نجح في إبتزاز حزب الله عندما تمكن من فرض على حكومة حسّان ديبا إعادة إقرار «معمل سلعاتا الكهربائي»، في سيق تأمين وحماية الأمن المسيحي الكهربائي.

وعندما وُوجه باسيل بأن هذا الكلام يستبطن «فيدرالية مموّهة»، أجاب باسيل نحن على استعداد للذهاب الى ما هو «أبعد من الفيدالية»، ويومها لم يكم ميشال عون قد بشّر اللبنانيين أنهم ذاهبون الى جهنم.

القطبة غير المخفية في صراع أطراف المنظومة تكمن في محاولة فريق عون باسيل فرض «مقايضة مسمومة»، تضمن مستقبل باسيل الرئاسي، مقابل مستقبل الحريري الحكومي، وهذه المقايضة مع أو بدون الفيدرالية الباسلية الموعودة وسائل لتأبيد إقامة اللبنانيين في ما بعد جهنم التي تجاوز سعر الدولار فيها الخمسة عشرة ألف ليرة، في لحظة يتسوّل فيها الجيش اللبناني بوصفه حامي الحمى والكرامة الوطنية وجبة طعامه ممّا تجود به مكرمات الدول القريبة والبعيدة، ويفتقد فيها الأطفال حتى علبة الحليب.

حمى الله لبنان من شرّ ما خلق.