بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2021 12:01ص جوع أسَد يَختصرُ مجاعة شعب!

حجم الخط
في أحيان كثيرة تروي أحداث صغيرة أو فردية الكثير مُشكِّلة مرآة لما هو أكبر من محيطها وأبطالها. 

ففي وطن يمرّ بأزمة إقتصادية وإجتماعية هي الأكبر منذ نشأته ويتوالد مآسيه نتيجة نظامه الفاشل وحكامه الفاسدين، تبدو طبيعة ظواهر الإنهيار في منظومة كاملة من قوانين وقيَم إنسانية في زمن التفلت والهَريان.

طبعا ليس الأمر وليد لحظته بل هو تراكم زمني لعشرات السنين يتمظهر في ظواهر إجتماعية مخيفة ترويها قصص قد تكون محدودة لكنها تروي الكثير. منها ما حدث مع طفل السنوات الثلاث ونصف في حديقة للحيوان في قصة تحمل من المفاجأة بقدر ما تُحدِّث عن غرابة ووحشية.

ففي حديقة الـ «Animals City « في منطقة نهر الكلب، إقترب الطفل جود من مأساة الذهاب ضحية أسد هزيل جائع خلال زيارة الطفل وأهله للحديقة. وقد دفع جوع ذلك الأسد الى محاولة افتراس الطفل الزائر الذي اقترب وجدّه ومساعد له من قفص الأسد ولبوة معه، في مشهد شبيه بأفلام الرعب والإثارة التي اكتملت مع انتزاع الجد والمساعد الطفل الغض من براثن ذلك الحيوان الذي بدا وحشاً في غابة بدل الحيوان الوديع المفترض في حديقة مخصصة للزوار وخاصة للأطفال منهم!  

يروي الجد الذي أصيب ومساعده بناب الأسد خلال مسعاهما لإنقاذ الطفل، بحرقة، المشهد الذي لم يتخذ أكثر من لحظات اختصرت كل الخوف على فلذة الكبد والصدمة، قبل نقل الطفل المُصاب في أماكن مختلفة من جسده الطريّ لا سيما في أوتار يده، الى مستشفى الجامعة الاميركية لإجراء عمليات جراحية سريعة له لتضميد 21 جرحاً مع تطلب الأمر الى بنج عمومي، ومن ألطاف الله أن الأسد لم يتمكن من ضرب شريان رقبة الطفل بعد التعرض له عبر أنيابه ومخالبه!

يعود الزمن بالجد الى حين كان ما زال أباً وقد فقد ابنه البكر في حادث خلال رحلة مدرسية. كان ذلك قبل مدة طويلة لكنه حفر في وجدان الجد والعائلة عميقاً، وكان كل الهم يتمحور حول إنقاذ الحفيد الذي كان في زيارة للحديقة مع حفيدين آخرين للجد وأفراد من العائلة..

حين خسر الأب الذي أصبح جدّا، ولده، سلّم بقضاء الله ولم يشأ مقاضاة المتسببين بذلك الرحيل المأساوي فالأمر لن يعني شيئا بعد رحيل دراماتيكي، لكن اليوم عائلة الطفل الحاصل على الجنسيتين البريطانية والأسترالية تُصر على ملاحقة المتسببين وهي شرعت بذلك عمليا..

ولأسف الأهل أن لبنان هو غيره بريطانيا أو أستراليا، ربما الأمر هو تعويض معنويّ في الدرجة الاولى، فالطفل الذي تعرض لتجربة بالغة الصعوبة نفسيا قبل ان تكون جسديا، والأهل أيضا، في حاجة الى تلك المقاضاة وهي تتم عبر شكوى قانونية ضد أصحاب الحديقة، عن طريق سفارتي بريطانيا وأستراليا اللتين يحمل الطفل جنسيتيهما.

ويشرح الجد أن الأسد كاد ينهش الطفل في كل أنحاء جسده، محاولاً إدخاله من بين فتحات الحديد الواسعة ليفترسه في غياب السياج الحامي. ففي كل حدائق العالم لا يمكن الوصول الى الحيوان المفترس في ظل وجود خندق بين الحاجزين لكي يقع فيه الحيوان اذا تجاوز الحاجز الاول، فكيف يحصل ذلك؟!

ولعل الأمر يتخطى مسؤولية الحديقة ليطال دولة بأسرها باتت مهترئة وهو ما يسقط نفسه على كل مرافقها. وبالنسبة الى الجد فإن مسؤولية تقع على عاتق وزارة الزراعة كما وزارة السياحة، ويشير الى أن هذا الأسد الجائع يحتاج الى 10 كيلو غرام من اللّحم في النهار لغذائه، فمن يستطيع توفيرها له؟ ويوجه نداء الى جمعيات الرفق بالحيوان، فالأسد نفسه يعتبر مظلوماً لعدم حصوله على غذائه هذا فالأمر واضح من هزاله كما أن سجنه يجب أن تكون آليته مدروسة.

من هنا للمسألة شقان قضائي وآخر يأتي من ضمن مسؤولية الجمعيات التي تُعنى في حماية الطفولة ومواجهة الإهمال تجاه الاطفال وتعمل على حمايتهم ووقف الاستهتار في حقوقهم.. 

هي حادثة فردية لكنها تختصر قضية دولة أو شبه دولة مهترئة يتراكم هريانها مع كل يوم جديد في ظل طبقة سياسية تنهشها، وليس جوع ذلك الأسد سوى مرآة لجوع شعب يقترب من المجاعة نتيجة عقم نظامه السياسي وفساد حكامه منذ النشأة حتى اليوم!