بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آذار 2022 12:01ص جيل التنكة!

حجم الخط
نحن لسنا جيل الكمبيوتر والهاتف الذكي والواتساب وأخواتها وبنات عمّاتها وخالاتها ... وإنما نحن جيل «التنكة»! 

والمقصود هي صفيحة زيت الزيتون (تنكة الزيت) حيث كانت تُستعمل عندما تفرغ من الزيت لنقل المياه من النهر أو النبع، وتُستخدم مركزاً لخدمة المياه في المطبخ والحمام، ولتسخين المياه للاستحمام، وكانت الأمهات تغلي الغسيل فيها. 

والتنكة تُستخدم لشطف درج المبنى والبلكون والسطح، وفي الشتاء تُوضع تحت المزراب لتجميع مياه الأمطار. 

وطبعاً نحتفظُ فيها بمؤنة البرغل أو القمح أو الطحين، وننقل فيها الاسمنت والرمل والماء عندما نريد أن نبني حائطاً، وتارة نحوّلها أعشاشاً لتربية الحمام، أو قناً يبيضُ فيه الدجاج. 

وفي الشتاء تتحول التنكة إلى موقد للتدفئة، وفي الربيع تتحوّلُ إلى مشتل لزرع الورد والنعنع والحبق، وفي الأفراح والمناسبات نستخدمها بديلاً عن الدربكة (الطبلة).

أحيانا نستخدم التنكة كرسياً للجلوس عليه، أو نستخدمها طاولة نكتب عليها وظائفنا المدرسية، ونحتفظ بكتبنا في داخلها.

وكانت تتحول إلى رافعة أثقال لرياضيي رفع الأثقال، عبر صبّ الباطون في صفيحتين ومدّ ماسورة مياه معدنيّة بينهما.

استخدمَها التجار لنقل البضائع عبر وضعها على جانبي سرج الحمار، ومعياراً للأوزان والأحجام (تنكة، نُصّ تنكة، ربع تنكة)، ووسيلة لعرض منتجاتهم في الدكان وخاصة أصناف الحبوب.

وكنا نستخدمها حين نشتري مادة الكاز من بائع حنطور الكاز.

واستعملها أهلنا إبان الحرب العالمية الأولى عام 1915، من خلال الضرب عليها لإحداث جلبة مٌفزعة علّها تطرد جحافل الجراد الغازية.

ومنهم من كان يجمعُ أكبر عدد ممكن من الصفائح الفارغة، ويفُكّها لتضحي شكلاً مربعاً يسهل تقطيعه ولصقه بمسامير مع مربعات أخرى، وتُبنى بها أكواخ صغيرة.

وما سبق ذكره غيضٌ من فيض استخدامات التنكة، بل وصلت الامور إذا رغبت أن تصِف أحدهم بالفقر والعوز أن تقول عنه «عايف التنكة» أي ليس لديه حتى صفيحة تنك فارغة! (مع العلم أن هذا ليس أصلُ المثل).

ألا يستحق هذا شهادة أيزو في «الحاجة أمُّ الاختراع»، وهل نعود إلى عصر تنكة الزيت في لبنان بسبب الأوضاع والأحداث، ما عدا الزيت لندرته وغلاء ثمنه؟!