بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الأول 2022 12:00ص حادث "اليونيفيل" لا يُعيق التسوية حول لبنان

حجم الخط

مع وصول وزير الخارجية الايطالي أنطونيو تاجاني إلى لبنان لمتابعة أولاً تداعيات والتحقيقات في حادث إطلاق النار على قوات الطوارىء الدولية "اليونيفيل"، تحضر الأسئلة المتعلقة بما إذا كان الحادث سيؤثر على لبنان والاستقرار السياسي فيه كما على علاقاته بالخارج.

من دون شك فإن ما حدث، وهو حصل للمناسبة في منطقة خارج نطاق عمل "اليونيفيل" حول السلاح المتعلق بالقرار 1701، ليس لصالح لبنان وسيُضمَّن ذلك في التقرير المقبل لمجلس الأمن بعد أسابيع. لكن الصحيح أيضا أن البلد المحتاج الى الاستقرار السياسي أولا في هذه المرحلة الدقيقة، سيكون عليه إزالة اللبس الحاصل حول ما حدث، وهي مهمة تقع طبعا على عاتق "حزب الله" الذي تشير وجهة نظر مخاصمة له بأنه وجّه رسالة الى الخارج تتعلق بالوضع غير المريح الذي يمر به ربطاً بأحداث المنطقة وربطاً بالوضع الإيراني الداخلي حيث الاحتجاجات ما زالت مستمرة..

إلا أن وجهة نظر أخرى تشير إلى أن جهود الحزب لتطويق ما حصل وتسليم الجاني بعد مقتل جندي إيرلندي، وبغض النظر عن الحادث نفسه ومدى مسؤولية "حزب الله" أو "اليونيفيل" عنه وما إذا كان وليد ساعته أم كان مخططاً له، هي جهود لمحاصرة تداعيات ما حصل والذي طال قوة من جنسية يحبها الجنوبيون، لأسباب تتعلق بعلاقتهم التاريخية بالمجمل مع تلك القوات، لكن أيضاً بسبب تاريخية العلاقة غير المستقرة في أحسن الأحوال والمضطربة في أسوأها، بين الإيرلنديين والجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة تعود إلى بدايات عمل القوات الإيرلندية منذ الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب واحتلال منطقة فيه في العام 1978.

بذلك يمكن اعتبار أن ما حصل هو خارج السياق الحالي الجاهد لطبخ تسوية إقليمية دولية تنعكس على الواقع اللبناني استقراراً ورئيساً جديداً للجمهورية وتكليفاً لرئاسة الحكومة ومن ثم تشكيلاً لها قبل التفرغ للنهوض بالواقع الحالي الأليم الذي تتحمل الطبقة السياسية بالمجمل وبالمفرق المسؤولية الكبرى فيه، لا سيما من يعطل استحقاق الرئاسة أولاً الذي يُعد الخطوة الأولى على طريق ذاك النهوض.

هذا في الوقت الذي ترى فيه مصادر متابعة لحركة الإقليم أن التسوية ـ الحل ما زالت بعيدة، وهي رهن توافق إيراني سعودي يتخذ التقارب حوله صفة الضجيج الإعلامي أكثر منه الفعليّ.

وجهة النظر هذه تنتظر من هذا التقارب ترجمة في انتخاب زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية توافق عليه الرياض ومن ثم رئيساً للحكومة تطرحه الرياض نفسها. بما يعني أن ما يُتداول عن صيغة خليجية أميركية فرنسية تظهر فيها قطر في الصفوف الأمامية اليوم، لا يعكس تفويضاً سعودياً إماراتياً مصرياً للدوحة، وسط خلاف جذري مع الأخيرة قائم ومستمر.

لكن وجهة نظر أخرى أكثر واقعيةً ترى أن المسعى القطري، وهو مسعى لصالح قائد الجيش العماد جوزف عون ما زال في إرهاصاته وأمامه الكثير من الجهد ويتطلب إقناع الطرف الإيراني به وطبعا "حزب الله"، ما كان له أن يحظى بالحرية ولا أن يظهر أصلاً من دون موافقة لا بل تفويض سعودي وإخراج فرنسي وإشراف أميركي.

يكتسب هذا الرأي مصداقية كون الرياض، نظراً إلى مواقفها الأخيرة ولطبيعة الوضع في المنطقة، لن تقبل برئيس حليف وقريب جداً من "حزب الله" ويعد الإبن المدلل للنظام السوري (وهو لا يخفي ذلك ولا يخجل به)، مهما كانت الطبيعة الشخصية غير الصدامية للرجل مع الأخصام ومهما عادت علاقته بجذورها العائلية الى الوراء مع السعودية إيجاباً على صعيد سمعته الخارجية. لذا فلا انتخاب لرئيس تعارضه السعودية حتى لو استنكفت عن الملف اللبناني طويلاً، حسب وجهة النظر هذه.

ولعلّ أصحاب الفرضية الأولى يقارنون الموقف المفترض للخارج بين مرشحَين اثنين للرئاسة هما فرنجية ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، بينما الأخير هو خارج الحسابات الرئاسية وما كان ليستنكف عن الترشح لو كانت حظوظه كبيرة.

لذا فهي حسب وجهة النظر الثانية معركة وهمية بين فرنجية وباسيل، بينما هي في الواقع بين الأول وعون المتقدم عليه خارجياً، في الوقت الذي يتقدم فيه زعيم "المردة" داخلياً، لكنه تقدم داخلي يبقى في الإطار النظري من دون تسييل فعليّ في مجلس النواب الذي يحتاج إلى شبه توافق يبدو عون أقرب من فرنجية إليه ويساعده بذلك عامل الوقت كما يراهن مؤيدوه حين يصبح المعسكر وراءه أكثر براغماتية مع نضوج محادثات الخارج، خاصة وان البلد لا يحتمل التأخر كثيراً بهذه التسوية.

في كل الأحوال، تبقى هذه التسوية رهن الوقت، ويبقى حادث الجنوب خارج الإطار المُعيق لها.. هذا إذا لم يطرأ ما هو جديد في الجنوب حيث تعمل "اليونيفيل" في إقليم لا تغيب عنه المفاجآت.