بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 نيسان 2020 12:00ص حالة الطوارئ: وسيلة إعتمدتها الدول لدرء الأخطار

حجم الخط
يقول المثل الشائع: «أن تأتي متأخّرا خير من أن لا تأتي»، وأخيرا فعلتها الحكومة اللبنانية وأعلنت - وهذا واجبها – التعبئة العامة كون لبنان في حالة طوارئ صحية، بعد مناشادات عديدة من المواطنين، وبعد أن سبق للسلطة الرابعة أن دعت الى حالة الطوارئ، في محاولة للرد على الإنتشار السريع للفيروس، والشلل الذي أصاب كافة القطاعات في لبنان.

ولتعريف إعلان حالة الطوارئ، فهو إجراء واجب إتخاذه من قبل الدول عندما تمرُّ بأزمات حادّة، خاصة في فترات وقوع الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل، أو غير الطبيعية كالحروب والإنقلابات العسكرية والثورات، وتصبح إدارة البلاد غير ممكنة بالطرق الإعتيادية، وبإعلان حالة الطوارئ تتجاوز الدولة الكثير من الحقوق الموضوعة، لتتصرف وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وما ترتئيه الدولة دون الرجوع الى تلك القوانين.

ومن الظروف الإستثنائية، تبرز الأزمات السياسية، وتتمثل في تصاعد الإختلافات والتناحرات السياسية بين الدول من جهة، وبينها وبين المعارضة من جهة أخرى، وتتمثل أيضاً بالإغتيالات السياسية والإنفجارات وممارسة شتى أنواع العنف، كما تتمثل أيضاً  بشنّ الحروب والهجوم المسلح العسكري من قبل دولة أخرى، وفي بعض الأحيان تبرز بشكل مظاهرات وإضطرابات داخلية أو القيام بإنقلابات عسكرية داخل مؤسسات النظام.

وعند إعلان حالة الطوارئ من قبل أي دولة، فإنها تعطي لنفسها الحق بإستخدام شتى الوسائل المناسبة والممكنة لإحتواء الأزمات، بحجة إعادة النظام والإستقرار وتأمين المصالح العامة.

وتعتمد الدول في الغالب الأحكام العرفية، وتطلق يد الأجهزة الأمنية في إدارة البلاد، وحينها تخضع البلاد لقوانين ومقررات عسكرية، ولذلك إحتوت قوانين ودساتير جميع الدول على مواد قانونية تعالج الحالات الطارئة عليها وتعترف بها بصورة رسمية، فقد ورد في الدستور الألماني وتحديداً في المادة 81 منه، تعبير عن الحالة غير الإعتيادية (الوضع الإضطراري)، فأجازت للمستشار الألماني صلاحيات واسعة، ففي حالة عدم المصادقة على طروحاته في المجلس النيابي وعد حصوله على أكثرية الأراء للأستمرار في الحكومة، فإن القانون يعطيه الحق بحل المجلس، وليس عليه تقديم إستقالته أو التفاهم مع بعض ممثلي الشعب لتحقيق الأكثرية اللازمة لديمومة الحكومة، وإذا إمتنع عن المجلس النيابي عن المصادقة على اللوائح والقوانين اللازمة التي يطرحها رئيس الحكومة، فإن القانون يسمح له (إعلان حالة الطوارئ التشريعية) ويرجع في مصادقة القوانين الى مجلس ممثلي المحافظات والولايات والمقاطعات للمصادقة عليه وتنفيذها، وتستمر هذه الحالة طبقاً للقانون المذكور مدة ستة أشهر قابلة للتمديد لفترة ستة أشهر أخرى، ومثله فعل الدستور الفرنسي، وتحديداً في المادة 16 منه، التي أعطت لرئيس الجمهورية صلاحية الحاكم المطلق في حالة تعرّض البلاد إلى الطوارئ، ويتمتع بموجب هذه المادة بصلاحيات القوى الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فيمكنه أن يقرر ما يشاء، تشمل حالة الطوارئ الاستثنائية هذه الحوادث التي قد تهدّد أركان الجمهورية الفرنسية وتعرّض استقلال البلاد ووحدة أراضيها للخطر، فلا يمكن للدولة أن تتعهد بالتزاماتها الدولية إلا عن طريق إعلان حالة الطوارئ.

وفي هذه الحالة فإن على رئيس الدولة أن يسلك كافة السبل المؤدية إلى إنقاذ بلده وإخراجه من الأزمة بأمان وفقاً لتشخيصه الخاص، مدة حكومة الطوارئ أيضاً يحددها الرئيس، وله أن يمدّدها للفترة التي يشاء وإلى أمد غير محدود.

كما يتمتع رئيس الولايات المتحدة الأميركية، في زمن الحرب بصلاحيات واسعة، وذلك طبقاً للقوانين المعمول بها في أميركا.

وقد تناول القانون الدولي أيضا مسألة حالة الطوارئ، وذلك من خلال العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية، الصادر عام 1966، إذ حدَّد الشرط الأساس لفرض حالة الطوارئ المتمثل في وجود خطر عام واستثنائي يتهدّد وجود الأمة، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكلٍ رسمي وذلك منعا لشيوعِ الممارسات الضارة بالحريات في أوقات ليس لها طابع الاستثناء.

ونص العهد الدولي للحقوق المدنية والحريات على ألا تكون التدابير المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي، كما حذَّر من أن تأخذ إجراءات الطوارئ نزعة تمييزية قائمة على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.

كذلك يحذّر العهد الدولي، من أن حالة الطوارئ يجب أن تُعلن في ضوءِ تقدير دقيق وموضوعي للأحداث بحيث تُناسب التدابير المتخذة الوضعية القائمة دون مبالغة، ويُشدد العهد الدولي على أن حالة الطوارئ يجب ألا تكون، في أي حال من الأحوال، ذريعة لحرمان الأفراد من حقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في التفكير والاعتقاد، كما يجب ألا تكون ذريعة لترخيص الممارسات غير الإنسانية أو الحاطة بالكرامة الإنسانية أو التعذيب أو العبودية والاضطهاد. 

ومن الأمثلة عن حالات طوارئ اعتمدت في الدول، نذكر ما حصل في تركيا، بعيد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز من العام 2016، حين أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر بموجب المادة 120 من الدستور، «بهدف القضاء على كافة العناصر التابعة للمنظمة الإرهابية»، في إشارة إلى منظمة فتح الله غولن، كما يتبادر الى الذهن ، ما أعلنه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، من حالة الطوارئ في فرنسا إثرَ هجمات باريس التي وقعت ليل 13 تشرين الثاني 2015، واستهدفت ملعب فرنسا الدولي، وقاعة العروض باتاكلان، ومطعم لبتي كامبودج في ضاحية سان دوني، وقد استند الرئيس هولاند في قراره إلى قانونٍ يعود لعام 1955، ومدّد البرلمان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر بأغلبية ساحقة بعد ذلك بستة أيام، غير أنَّ أحداث باريس ليست الأولى، ففي العام 1955، تم سنّ قانون الطوارئ وطُبق إثرَ موجة هجماتٍ شنتها جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، ابتداء من تشرين الثاني عام 1954 في إطار حرب التحرير ضدَّ الجيش الفرنسي في الجزائر وكذلك ضدَّ أهداف داخل الأراضي الفرنسية، فكان رئيس الحكومة حينها بيير منديس فرانس، بين خيارين هما سنُّ قانون الطوارئ أو فرض الأحكام العرفية التي يُؤطرها قانون ينص على إعلانها في حالة تمرّد مسلح أو حرب تجري على جزء من التراب الوطني، ويُخول رئيس الدولة تفويض صلاحيات الإدارة المدنية والشرطة للجيش. لكنَّ منديس فرانس، وبعده إدغار فور، آثرا حالة الطوارئ التي دامت سبعة أشهر، كذلك شهدت فرنسا بعد ذلك فرض حالة الطوارئ إثر انقلابين فاشلين وقعا عامي 1958 و1961، وكان دافعهما السعي لإبقاء الجزائر ضمنَ الدولة الفرنسية وعدم تصنيفها من أقاليم ما وراء البحار.

وفي كانون الأول من العام 1984، أعلنت حكومة فابيوس حالة الطوارئ في كاليدونيا الجديدة للتصدي لأحداث شغب عارمة تخللتها دعوات للاستقلال.

وفي عام 2005، أَعلنت حكومة اليمين حالة الطوارئ في ضواحي باريس ومدن أخرى مدفوعة بأحداث عارمة محركها الأبرز التهميش وفشل سياسات الدولة في مجال السكن والتشغيل والاندماج الاجتماعي لسكان الضواحي تحديدا.

غير أنه مع إعلان حالة الطوارئ، تجد بعض الدول ذلك فرصة لتشديد القبضة الأمنية وتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم، كما للتغطية على جرائمها في حق خصومها من خلال التسويق لمؤامرة كبرى تستهدف الدولة، وربما ربطتها بجهات أجنبية معادية، والأمثلة كثيرة في عالمنا العربي، حيث نجد بعض الدول في حالة طوارئ دائمة.

ومع الإنتشار السريع لرقعة فيروس كورونا، أعلنت عدد من الدول حالة الطوارئ، فبدات مع الصين، وإمتدت الى إيطاليا وإسبانيا، لتصل الى إعلان الرئيس ترامب لحالة الطوارئ في الولايات المتحدة الأميركية.

مع إعلان التعبئة العامة كون لبنان في حالة طوارئ صحية، لا يسعنا سوى أن نأمل بإنتصار على هذا الوباء، لنعود الى مشاكلنا الكثيرة والمتنوّعة، وننتصر عليها، وختاماً نقول:

«حمى الله لبنان».


(ماجستير في التاريخ)