بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الأول 2019 12:04ص حرّية الرأي والتعبير مكفولة.. ولكن!

حجم الخط
تُعدُّ حرية الرأي والتعبير أهم الحريات الأساسية المكفولة في الدساتير والصكوك الدولية لحقوق الإنسان باعتبارها ركيزة المجتمع الديموقراطي. ولطالما اعتبر لبنان من الدّول المتقدّمة عربياً واقليمياً في حماية هذه الحرّيات، انّما تتربص مجموعة من القيود والثُّغر بالنصوص الدستوريّة والشّرعة الدولية الكافلة للحرّيات ما يؤطّرها ويُكبّلها. 

وفي هذا الإطار، تتطلّب ممارسة حرّية التعبير إلماماً بالإطار القانوني الذي ينظّمها ودراسة النصوص القانونيّة لتفادي الثغرات، خصوصاً عند ابداء الرأي والنقد السياسي المشروع والمكفول في الدستور اللبناني.

حرية الرأي في الدستور اللبناني والشرعة الدوليّة

تنصّ مقدّمة الدستور صراحة في الفقرة «ج» عن أن «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانيّة تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد [...]»، وتكفل المادة ١٣ «حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات، ضمن دائرة القانون»، فحريّة الرأي والتعبير تكون في حدود النصوص القانونية المرعية الاجراء.

وينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام ١٩٦٦، الذي انضمّ اليه لبنان عام ١٩٧٢، في المادة ١٩ على أن «لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيّ وسيلة ودونما اعتبار للحدود». وتوضح المادة ذاتها أن ممارسة هذه الحقوق تستتبع «[...] واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم؛ أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة». وتستكمل المادة ٢٠ منه انّه «تحظر بالقانون أية دعوة الى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف». 

كما ينصّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام ٢٠٠٤، الذي صدّقه لبنان عام ٢٠١١، في المادة ٣٢ أنّه «يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية؛ تمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامّة». 

ضوابط حرية الرأي والتعبير

انّ حرية الرأي والتعبير ليست مطلقة بل حدودها مرسومة بموجب مروحة من الضوابط التي تؤكد عليها الشرعة الدوليّة ومن ضمنها احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، ومنع كل ما يمس بالأمن القومي أو الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وحظر الدعوة الى الكراهية العنصرية أو الدينية. وضمن دائرة القانون اللبناني تؤثّر عدّة قوانين على حرّية التعبير، لا سيما قانون العقوبات الذي يُجرّم القدح والذم والتحقير في المواد ٣٨٤ و٣٨٦ و٣٨٨، في حين تجرّم المادتان ٣١٧ و٤٧٤ تحقير الشعائر الدينية وإثارة النعرات المذهبية، بينما تجرّم المادة ٣١٩ كل ما ينال من مكانة الدولة المالية.

واليوم تُساهم وسائل التواصل الاجتماعي الى درجة كبيرة بالانفلات وانحراف ممارسة حقّ التعبير عن سكّة الاخلاقيّات والآداب العامّة في ابداء الرأي والنّقد، ما يُوفر التبرير للأجهزة الامنيّة والقضائيّة الى استدعاء ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق، ولا يخلو الأمر من شطحات وتمادٍ في بعض القضايا. ولعلّ التطوّر الأكثر لفتاً للانتباه في هذا السياق هو تفعيل دور القضاء العسكري في قضايا الرأي. 

تأثير الثغرات القانونيّة

ثمّة ثغرات قانونية تؤثر سلباً على الحرّيات خصوصاً عندما تكون النصوص فضفاضة في تحديد الجريمة ممّا يوسّع مضمون بعض الجرائم، اضافةً الى إضعاف بعض الأسباب المانعة للعقاب.

والعلّة الكبرى تتمثّل في استخدام التعابير الفضفاضة ضمن قانون العقوبات وخاصة في تعريف مفهوم «وسائل النشر» بحسب المادة ٢٠٩، والذي وسّعه قانون المعاملات الالكترونيّة بموجب المادة ١١٨، فأضيف النشر بالوسائل الإلكترونية حتى أصبح يُستخدم كسند قانوني لملاحقة المدوّنين على الصفحات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي سنداً لجرائم القدح والذم والتحقير، ولحظر حسابات الناشطين على مواقع التواصل. 

الحاجة لتطوير القوانين

لا بدّ من إيجاد لتوازن بين التنظيم وحرية التعبير وحقوق الإنسان، ويكون ذلك عبر تطوير القوانين الحاليّة وتشريع قوانين لحماية الحق في حرية التعبير بالوسائل الإلكترونية وغيرها مع الحفاظ على المصلحة الوطنيّة، دون الوقوع في فخّ «كمّ الافواه»، من خلال اعتماد عدّة تدابير منها: (١) اعتماد آلية التبليغ وفق المادة ١٤٧ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي لم تلحظ الاتّصال الهاتفي كوسيلة تبليغ، فيكون الاستدعاء بموجب وثيقة رسمية تشرح أسباب الاستدعاء، وهوية المدّعي ومكان الاستدعاء؛ (٢) منع ملاحقة المدنيين امام المحكمة العسكرية في قضايا الرأي عبر وسائل النشر والتواصل الالكتروني تماشياً مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المادتين ٢ و١٤ منه؛ (٣) منع التوقيف الاحتياطي في جرائم القدح والذم والتحقير عبر وسائل النشر والتواصل الالكتروني، مع تعديل الغرامات والتعويضات على من يثبت ارتكابه هذا الجرم؛ (٤) إعطاء الشخص المعني حق الدفاع عن النفس قبل اصدار قرارات ظنيّة بتوقيفه؛ (٥) السماح لمحامي الشخص المعني حضور الاستجواب؛ و(٦) وقف العمل بالتعهّدات التي يُجبر الموقوفون التوقيع عليها لمخالفتها احكام الدستور.

خلاصة الأمر أن حرية الرأي والتعبير ليست مُطلقة والقوانين لا تُعطي الحق في التعرّض لكرامات الآخرين واستباحة سمعتهم ومصداقيّتهم، او توجيه التُّهم جزافاً دون ادلّة. كما انّ اعتماد لغة الشتم وإطلاق الشائعات والتحريض على التمييز والعداوة كلّها خارج إطار الحريات. وأهميّة القوانين انّها ترسم حدود حق التعبير وابداء الرأي للأفراد والجماعات حتّى لا ينقلب الى تعسُّف في استعماله، مع التنبّه الى الثغرات القانونية المؤديّة الى شطحات في تطبيق القانون في بعض القضايا.

المطلوب مواكبة الثّورة الرقميّة وتطوير القوانين في هذا الاتجاه لحماية حرية التعبير في لبنان مع الحفاظ على المصلحة الوطنيّة، بعيداً عن الممارسات القمعيّة، عبر إيجاد توازن بين مسألتي «الحرية والانفلات» ليبقى لبنان منارةً للحريات.