بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الأول 2022 12:00ص حرب الأنابيب

حجم الخط
هل تتحضر الشركات العملاقة لبناء الناقلات الضخمة للنفط والغاز، تجوب موانئ العالم، تلقي مراسيها، حيث تريد، وحيث يريد التجار منها، وحيث تريد السياسات الدولية، أن تدفع، أو أن تمنع وصول الوقود إلى البلدان، ولمن تكون الأرباح؟.. هل بدأت الحرب في أوكرانيا، تعطي نتائجها؟ هل تأتي حرب الأنابيب، لحساب بناء ناقلات النفط والغاز العملاقة، فتدخل السوق، وتحتكر صفقات البيع والشراء في جميع الأسواق، وتمتلئ المحيطات والبحار، ومعها جميع الشواطئ في العالم، بالسفن وبالقوارب وبالبواخر وبالناقلات، وحتى بالمراكب الصغيرة، وبالمراكب الشراعية.. وربما أكثر من ذلك، باليخوت الفارهة وبالطرادات والحسكات، لتهريب النفط، وجعله مضاربا في السوق السوداء.
هل يحتاج منظمو الحروب، إلى إستبدال خططهم العسكرية، وخططهم الإستراتيجية، وخططهم الإقتصادية، للغزو الحديث، وللإستعمار الرخيص، وللهيمنة على البلاد الغنية والفقيرة والهالكة، لجعلها تدخل في عالم المزايدات، في عالم المزادات، في عالم الحروب، في عالم الإتجار بالناس، بالعواصم، بالمدن، بالقرى، لصالح نخب الحروب والمال والأعمال؟
هذه هي الأهداف الكبرى والصغرى، للحرب في أوكرانيا اليوم. إستراتيجية جديدة تقودها الأولغارشية المالية والعسكرية. يصنعون الحروب على الناس، لأجل أن يحصدوا مال الناس. هذه هي المعادلة البسيطة.
أرجو أن أكون مخطئا، فأعتذر لهذه الأولغارشية المتوحشة، عن أني قلت ما ليس من صفاتها.. عن أني كُلْتُ لها كل هذه الإتهامات «الباطلة».. عن أني قلت ما ليس فيها، ولا لها ولا عليها. لأنها الأولغارشية الناعمة، التي تقود الحروب الناعمة، بعد الحروب الهمجية الفاقدة الإحساس. فهل بدأت لدى أولغارشية المال والسلطة، الحرب على الأنابيب في البحر والبر، لأجل إحكام السيطرة على الوقود، من خلال النقل، لا من خلال المنابع التي يصعب السيطرة عليها، النقل بالناقلات، التي تشغلها الشركات، وتحكم السيطرة عليها الدول، التي تأخذ بنظر الشركات؟!
ضرب أنابيب النقل البحري والبري، يذكّرني بضرب أنابيب البترول في لبنان. منذ ذلك الحين، ذهب عصر التابلاين إلى غير رجعة. وصارت الناقلات تحمل له النفط. يستورد النفط. يشحذ النفط. يستعطي النفط. يقبل هبات النفط، حتى بلا مجلس وزراء.. لشدّة الحاجة.. لشدة الإستعجال. صار لبنان على «باب الله»، وبدل أن يكون «سيدها»، صار يرقص بـ«عرسها». صار لبنان وسوريا والعراق، ومعه الدول التي استدعيت إليها «الحروب على الأعداء»، تطلب المسامحة وتطلب الرضى من شركات الناقلات. برهنت الأولغارشية لنا نحن المجاذيب، أننا ندفع الإعتداءات. وصرنا نلمس بالمحسوس الملموس، أن كل من قام بضرب الأنابيب، لم يكن ضليلا، وإنما كان مأجورا، لحساب الطغمة الأولغارشية التي لا تشبع من مص الدماء.
هل أحدثكم أيضا، عن ضرب سكك الحديد، التي إنتهت إليها الثورات، من أول القرن. صار الطلب بعد ذلك كثيفا، على الشاحنات وعلى المركبات وعلى البولمنات، وعلى مصانع السيارات، بدل النقل، في عالم القطارات، في عالم «الأوتوماتريس»، في عالم الترومواي، والميترو، وسائر القطارات، وسائر القطارات. ضاع مال الناس في طلب مصانع السيارات والمركبات والناقلات البرية، وأيضا البحرية.. وإزداد الفقر والجوع لنهب المال ونهب المدخرات، وتلوثت البيئة، فاشتغلت مصانع الأدوية.. واشتغلت المختبرات.. وصارت البكتيريات، أخت الجرثوميات. فدخل الفقراء، في حروب جديدة، على حد قول الشاعر:
«من لم يمت بالسيف، مات بغيره/ تعددت الأسباب والموت واحد».
رافقت الثوار الأماجد، في الخمسينيات، لضرب خط البترول وخط السكة الحديدية في البقيعة اللبنانية. كنت وقتذاك في العاشرة من عمري. كنت لهوت وراءهم. كبرت بعد ذلك، وكبرت معي الأزمات: أزمة النقل وأزمة المحروقات. شاهدت «الثوار الأماجد»، يقطعون أسلاك الكهرباء، عندنا في القرية، داخل البستان، لأنها لكميل شمعون، كما كانوا يقولون. دشنوا الثورة من باب الجمع العمري الكبير بطرابلس، وأحرقوا بناية شمعون، لأنها لسوء حظها وحظنا، أخذت إسم مالكها في تلك الأيام. وأحرقوا معمل السكر في العبدة. قالوا: إنه لشمعون. وما أدراك ما شمعون؟! صارت الممتلكات تحرق جميعا. والتهمة جاهزة: إنها لشمعون.. كبرت عمري كله.. رافقتني النكبة من جيل إلى جيل، ولم تشبع بعد، أولغارشية المال والسلطة، من شرب دم الفقراء.
دشّنت الثورات والحروب والإنقلابات، عصر تدمير الخطوط والأنابيب والمعامل، لصلح الناقلات. ووقعت حرب النقل، على حرب الإنتاج. ودفع لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، واليوم شعب أوكرانيا، وأوروبا كلها، ثمن الغطرسة الأولغارشية، التي لا تشبع من المال.

أستاذ في الجامعة اللبنانية