بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 أيلول 2022 12:00ص «حزب الله» أمام انسدادٍ سياسي يهدّد بانفجار أمني

لماذا حرّك نصرالله جراح صبرا وشاتيلا وهل الغاية استدراج صدام سنّي - مسيحي؟

حجم الخط
بدا الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله شديد الغضب من تقدّم المواقف التي يراكمها حزب اللبنانية منذ ما قبل الانتخابات النيابية وما تلاها لغاية اليوم، حتى انفجر غضبه في خطابه الأخير يوم السبت 17 أيلول 2022 عندما لم يجد سوى التحريض بإعادة نبش بعض محطات الحرب في لبنان، من خلال رواية غير صحيحة، تأخذ شكل التحريض الطائفيّ المباشر بين أهل السنّة والمسيحيين على خلفية مجزرة صبرا وشاتيلا، عندما أوحى بأنّ القوات اللبنانية مسؤولة عنها.
قال أمين عام حزب الله: «..اليوم هناك نغمة جديدة: هذا لبناننا وهذا لبنانكم، وأنا أقول للذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا، هذا بعض من لبنانكم، هذا بعض مما اقترفته أيديكم، هذه صورتكم الحقيقية. كل فترة يتحدثون عن ثقافة الحياة وثقافة الموت عند كل مناسبة. ثقافة الموت هم الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا، وثقافة الحياة هم الذين حرّروا الجنوب، ودخلوا إلى الشريط الحدودي ولم يقتلوا دجاجة، ولم ينتقموا من أحد».
تفنيد لرواية نصرالله
تُجمع كلّ المصادر التي تابعت واطّلعت على حقائق مجزرة صبرا وشاتيلا بأنّ ما قدّمه نصرالله مخالف تماماً للواقع، ويضعون أبرز نقاط التفكيك لهذه الرواية:
- أنّ المجزرة وقعت بعد اغتيال الرئيس الراحل بشير الجميل وهو لم يكن طرفاً فيها.
- أنّ الدكتور سمير جعجع لم يكن مشاركاً بأيّ شكل من الأشكال في هذه الجريمة.
- أنّ المشاركين الفعليين هم سعد حداد رئيس ميليشيا العملاء، وإيلي حبيقة، الحليف المدلّل لـ«حزب الله» والنظام السوري. والصورة الشهيرة التي تجمع نصرالله ونائبه نعيم قاسم مع حبيقة تغني عن آلاف الكلمات، وتكشف حجم التزييف الذي يعتمده «حزب الله» للتلاعب بعقول بعض اللبنانيين، واستغلال عاطفتهم تجاه القضية الفلسطينية.
- لا بُدّ من التذكير هنا بأنّ الثنائي الشيعي كان شريكاً في حصار الشعب الفلسطيني في مخيماته وفي قتل أبنائه جوعاً ومرضاً، والعجيب أن تُمسح هذه الجريمة من حسابات الحزب عندما يزايد على غيره في ما يخص قضية فلسطين التي لا يمكن نصرتها بحصار شعبها حتى الموت.
- قال نصرالله إنّ حزبه حرّر الجنوب من دون أن ينتقم من أحد.
هنا لا بُدَّ من لفت الانتباه إلى أنّه ليس المهم أن لا تنتقم من أحد جسدياً، بل الأخطر أن تعمل على استعباد الناس من خلال منظومة فكرية عقائدية أمنية ترى كلّ من يخالفها عدواً يجب إزالته من المعادلة، وما يعانيه المسيحيون من حصار صامت في مناطق الجنوب، وما يتعرّضون له من مضايقات منهجية لإخراجهم من أراضهم، وخاصة في مناطق الشريط الحدودي، سوى نموذج عن الوجه الآخر لمشروع الحزب في لبنان.
فشل عزل القوات اللبنانية
لم تنجح حملات التحريض المنظمة والمتواصلة التي شنّها ويشنّها «حزب الله» ضدّ القوات اللبنانية، مباشرة أو بالواسطة، في عزل القوات اللبنانية، بل حصل العكس، وتوسّع حضور القوات في مناطق كان الحزبُ يعتبرها محرّمة عليها، مثل طرابلس، حيث راهن على حليفه فيصل كرامي لاستغلال قضية الشهيد رشيد كرامي في حرب الإلغاء السياسية ضدّ القوات، فكانت النتيجة سقوط كرامي ونجاح نائب إلياس الخوري بنسبة أصوات عبّرت عن ترحيب طرابلس بنائب القوات لتمثيلها في مجلس النواب.
كذلك اقتحمت القوات اللبنانية جزين وسجّلت انتصاراً حاسماً بفوز النائبين الدكتورة غادة أيوب والمهندس سعيد الأسمر، وإزاحة التمثيل العوني عنها بعد سنوات من الاستغلال السياسي البشع المستند إلى «الحماية» من سطوة «حزب الله».
تمزُّق المعسكر السياسي للممانعة
جاءت مرحلة ما بعد الانتخابات لتثبت عجز «حزب الله» وحلفائه عن تشكيل الأغلبية اللازمة لاستمرار سطو الحزب على رئاسة الجمهورية. فمعسكر الممانعة ممزّق بين مرشحَيه جبران باسيل وسليمان فرنجية، وبين الرفض القاطع للرئيس نبيه بري لأيّ شكلٍ من أشكال الدعم لباسيل.
في المقابل، تتسارع خطوات الحوار والتنسيق بين كتلة الجمهورية القوية وباقي الكتل المعارضة، واستطاعت القوات أن توجد مساحة تلاقٍ جدّية مع نواب التغيير، بينما يتجّه الحزب إلى أفق سياسي مسدود، مما يجعل مشروعها الرئاسي أقرب للتحقيق، حتى لو لم يكن الدكتور جعجع هو المرشح.
كيف يواجه «حزب الله» الانسداد السياسي؟
عند كلّ محطة تصل فيها الأوضاع إلى حالة الانسداد وعدم وجود مخارج تمكِّن الحزب من تحقيق أهدافه، يلجأ إلى إحدى وسيلتين:
- تعطيل المؤسسات الدستورية وابتزاز القوى السياسية حتى إجبارها على الاستجابة لإرادته، كما حصل في تعطيل مجلس النواب لأكثر من سنتين حتى حصول كارثة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
- الوسيلة الثانية هي القيام بشكل من أشكال الانقلاب العسكري، خاصة أنّه يعلم أن لا جدوى من الانتظار الابتزازي، لأنّ المعادلة النيابية تغيّرت، ولا يمكن كسرها لصالحه بطريقة التعطيل الدستوري، كما حصل في 7 أيار 2008، أو بالتهديد بالقمصان السود مع تسخين الأجواء كما فعل عام 2011، لكنّ الإشكالية اليوم أنّ الحزب يواجه متغيِّرات كثيرة تجعل من خيار الانقلاب المحدود أو التهديد به غير كافٍ لكسر إرادة معارضي الحزب، وهنا تنفتح الاحتمالات على مخاطر أكبر.
موقع الفتنة الفلسطينية المسيحية في «كسر الجمود»
هنا يأتي دور إثارة الفتنة بين أهل السنّة والمسيحيين، على خلفية إعادة تحريك جراح مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث يراهن نصرالله على تضليل أجيالٍ لم تعايش حقيقة ما جرى في مرحلة الغزو الصهيوني للبنان، وارتكاب تلك المجزرة المخيفة، وبذلك يدفع بشبانٍ واقعين تحت تحريضٍ منظّم إلى الاصطدام بالشارع المسيحي، وهنا يشمل الاستهداف أهل السنّة من فلسطينيين ولبنانيين على حدٍ سواء، فالهدف إيقاع الفتنة السنية - المسيحية والاستثمار فيها لحرف الأحداث عن حقيقة الأزمة التي يعاني منها لبنان، ومسؤولية الحزب عن الانهيار الذي وصلنا إليه بالشراكة مع التيار الوطني الحرّ.
مخاطر الاستثمار بالدم الفلسطيني
تنتظر اللبنانيين تحديات كبرى تشمل أيضاً أهلنا الفلسطينيين المقيمين في البلد، تستوجب الوعي واليقظة والانتباه من كلّ ما من شأنه أن يدفع إلى أيّ شكلٍ من أشكال الفتنة الطائفية أو العنصرية، لأنّ كلّ قطرة دم تسقط ستكون شرارة تدمير للجميع، ولن يكسب إلاّ من أشعل الفتنة وأوقد نارها، لأنّ غايته ليست نصرة الفلسطينيين، بل الاستثمار في دمائهم لأخذ الأحداث في البلد إلى منحىً يريده في الأمن والسياسة.
صفحة الحرب انطوت، والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وبقية القوى المسيحية ذات التوجه الوطني قدّمت مراجعات لتلك المرحلة، وسبق للدكتور جعجع أن اعتذر عن ما جرى في تلك المرحلة، من دون سائر قادة الحرب الذين واصلوا نشاطهم بشكل اعتيادي، ولم يتعرّضوا لا للمحاكمة ولا للمساءلة.
المطلوب في هذه المرحلة حوار مفتوح يقطع الطريق على أيّ تحريض أو فتنة، أياً كان مصدرُها، فدماؤنا حرام علينا، ودعوى الجاهلية مذمومة والفتنة نائمة لعن من أيقظها!