بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيار 2020 08:05ص «حزب الله» يقود قطار الحكم والحكومة.. وجنوح دياب - باسيل يرميه في المأزق!

تقاطعات بين الحليفين عون - نصر الله تهدد توازنات الطائف... ورسالة من جنبلاط لحارة حريك

حجم الخط
يتماهى رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس التيار الوطني جبران باسيل إلى حد التطابق الكلي. الثاني يُحرّك الأول الذي كان يحلم بأن يصبح يوماً في «نادي رؤساء الحكومات». يُقال إن هذه الفكرة بدأت تراوده منذ انقلاب «الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر» على «اتفاق الدوحة» والإطاحة بسعد الحريري عام 2011 وقبول نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة التي ضمّت في طياتها دياب وزيراً للتربية. دارت الأيام دورتها، فكان أن حقق دياب حلمه مع الانقلاب الثاني على الحريري بعد التسوية الرئاسية التي عاد بموجبها إلى رئاسة الحكومة مقابل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ذلك أن التمسّك بمعادلة الحريري - جبران بديلاً عن الحريري - عون كانت كافية لقطع الطريق على زعيم الكتلة السنية الأكبر لتأليف الحكومة مطلق اليدين متحرراً من ثقل رئيس الوطني الحر الذي حرقت «ثورة 17 تشرين» مجاديف مركبه الشعبي.

يتآلف دياب الآتي من غياهب العدم السياسي مع باسيل، وكأنه يريد أن يقول إنهما توأمان، متفقان ومنسجمان. لا مشكلة بأن يرتمي بأحضان «الصهر» ضمانة «العم»، والوريث الرئاسي إذا جرت الرياح بما تشتهي سفن التيار البرتقالي. حاضر بأن يحرق مراكب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية. يكفي أن يشن هجوماً من خارج المألوف كرئيس حكومة على الحاكم، ويخاطبه بنبرة «الديكتاتور» الذي لن يرحم المُرتكب والمُقصّر، يُطلق العنان لأرقام خسرها المصرف، ويطالبه بأن يخرج إلى الناس ويصارحهم. كان الهدف إحراج سلامه، فإذا بالمؤتمر الصحافي يشكل جسر عبور إلى موقع أكثر تحصيناً من ذي قبل، بغض النظر عن دقة الجردة الحسابية.

ثمّة من يُؤمن بأن دياب ما كان ليشن هجومه على سلامة لولا ضوء أخضر من «حزب الله». ومن هم على ضفة «الحزب» يُبرّئونه من دم خطأ دياب السياسي، ويرون أنه ارتدّ على رئيس الحكومة ما استدعى تراجعاً عن اندفاعته وتحميلها لمستشاريه. ويعتبرون أن ما جرى خفّة لا تعبّر عن حرفية «حزب الله» في إدارة هكذا ملفات. فدياب ذهب أبعد مما كان مرسوماً، مستفيداً من هجوم الأمين العام لـ«حزب الله» على المصارف، ومن هجمة «المنتفضين» الذين يدورون في فلكه على المصرف المركزي تحت شعار «فليسقط حكم المصرف»، ذلك أن «الحزب» كان يريد عملية استكشاف واستمزاج لحجم قدرات الدفاع أميركياً عن الواقع المصرفي. مُررت كلمة سر محبوكة بدقة، ولكن على طريق التنفيذ حصل تفلّت من سياقها نظراً لقلة الخبرة السياسية لمن هو في السراي الحكومي.

دياب يحقق حلمه مع الانقلاب الثاني على الحريري بعد التسوية الرئاسية

في المحصلة، يُحتسب ما يفعله رئيس الحكومة ومن خلفه باسيل في خانة «حزب الله». فهو من يقود من خلف الستار قطار الحكم والحكومة ويقدم أمينه العام مرشداً للجمهورية. هو من يرفع البطاقة الحمراء أو الصفراء أو الخضراء من موقع إمساكه بالمفاصل الأساسية في البلاد، أو تصوير نفسه للآخرين أنه كذلك. يروق له كثيراً أن يتم وصفه بأنه من يدير التوازنات السياسية في البلاد ومن يرأب الصدع بين حلفائه وبين من يحل المعضلات بين حلفائه وخصومه. لكن هذه الصفة العزيزة على قلبه ما كانت لتكون لولا أنه صاحب القوة أو هكذا يُنظر إليه.

يُحسب الخطأ على «حزب الله»، وهذا ما فعله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في ضوء لعبة تصفية الحسابات والاستهداف السياسي الذي يتولاه باسيل برداء دياب. لم يُحيّد وليد جنبلاط في هجومه الأخير «حزب الله». وجّه سهامه نحوه «الحزب»، حين تحدث عن لبنان فاقد السيادة الذي لا يسيطر على حدوده ومرفأه ومطاره، وعن الأمن بالتراضي، وعن الاستراتيجية الدفاعية، وحين قال: «لن نقبل أن نُحاسب نحن وغيرنا لا يُحاسب. فإما القانون على جميع القوى، بمن فيها التيار الوطني الحر وحليفه المركزي حزب الله، أو علينا أن نختار طريقة أخرى بالتراضي بكيفية معالجة الأمور».

وصلت الرسالة إلى «حزب الله». ففتحت قنوات التواصل من جانب «الحزب» مع الاشتراكي للاستفسار عن مضامين موقف جنبلاط، وما إذا كان ثمة خروج عن المعادلة التي تحكم المرحلة الراهنة. سمع «الحزب» تكراراً لموقف «الاشتراكي» الذي سبق أن نقله ممثله إلى حارة حريك. وفي فحواه، أن «حزب الله» لا يستطيع أن يسحب يده من حليفه العوني الذي يتلطى وراءه في حملة الاستهداف الممنهج ضده، وأن سردية أن لا علاقة لـ«حزب الله» بأداء التيار الوطني الحر ما عاد يمكن تقبّلها. وبالتالي، فإن الاشتراكي لن يسكت وسيواجه، إذا لم تتم إعادة ضبط الأمور. كان رد ممثل «حزب الله» أنه سيعود إلى التقدمي بالجواب.

لا يبدو الواقع مختلفاً مع الحريري الذي يتلقى سهام باسيل بيد رئيس الحكومة، لكن الفارق أن زعيم «المستقبل» يبدي حرصه الشديد على تحييد «حزب الله» عن المقعد الأمامي والخلفي في آن، إذ يعتبر أن مكمن الأزمة هي في صهر العهد الذي أضحى من الصعب التعايش معه، والذي في حسابات الحزب الاستراتيجية يتقدم عليه.

لكن المسألة تتجاوز زعيم المستقبل إلى موقع رئاسة الحكومة، حيث دعا بيان رؤساء الحكومات الأربعة بالأمس رئيس الجمهورية والحكومة «إلى التوقف عن محاولات تحويل النظام اللبناني من نظام ديموقراطي برلماني إلى نظام رئاسي، كما التوقف عن ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة، والعودة إلى الالتزام بمبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها». وهذا أمر ليس ممكناً التمادي به لولا أن ثمة تقاطعات بين عون و«الحزب» غير المؤمنين بـ«اتفاق الطائف» وما أرساه من توازنات في النظام اللبناني، لا يبدو الطرفان بعيدين عن محاولات تعديلها في النصوص أو من خلال خلق أعراف في الممارسة، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة مستقبلية عن ثمن العودة إلى الشرعية اللبنانية والتي لا يمكن أن تكون منفصلة عن قرار العودة إلى الشرعيتين العربية والدولية. أثمان سيكون «حزب الله» في صلبها.