بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 حزيران 2018 12:52ص حكايا التزوير والانتخابات.. من لبنان الصغير إلى 2018 (4/6)

العهد الاستقلالي الثاني زوَّر انتخابات 1957 فكانت أحداث 1958

حجم الخط
إذا كان العهد الاستقلالي الأول برئاسة بشارة الخوري قد انتج انتخابات 1957 فإن في العهد الاستقلالي الثاني برئاسة كميل شمعون يسجل أن الانتخابات التي أنتجت في عام 1953 وفق قانون جديد يقوم على الدائرة الفردية، فأحدث هذا القانون الشق الأول الذي تسربت منه كل أسباب تصديع الميثاق الوطني؛ ذلك أن تقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية كبيرة على أساس المحافظات المتعددة الطوائف.. كان من شأنه إجبار المرشحين على التزام سياسة وطنية معتدلة بعيدة عن مبدأ التعصب الطائفي، سعياً وراء كسب أصوات الطوائف التي لا ينتمي إليها أو يمثلها المرشحون، وهكذا كان يتم التآلف الوطني على مستوى الانتخابات النيابية قبل أن يتجسد في مجلس النواب، أما عندما قسم لبنان إلى دوائر انتخابية فردية، وخفض عدد النواب.. فإن المرشحين أصبحوا غير ملزمين باتباع تلك السياسة، فضعف الولاء الوطني، واستفاقت الغرائز والمصالح الطائفية والمذهبية والعائلية والمالية.
وبتخفيض عدد النواب.. أصبحت الحكومات تعمل بلا مراقبة من مجلس النواب، لأن جعل عدد النواب 44 نائباً جعل الأكثرية النيابية 23 نائباً، وبما أن الحكومة كانت تتألف من عشرة وزراء من أعضاء المجلس النيابي، فإنها بالتالي لم تكن بحاجة إلى أكثر من 13 نائباً  للبقاء في الحكم، ونظراً لعدم اقتصار الحياة السياسية في لبنان على الأحزاب المنظمة، كما هي الحال في أوروبا الغربية أصبح أي رجل أعمال أو زعيم عشيرة أو عائلة بإمكانه ترشيح نفسه والحصول على ألفي صوت ليصبح نائباً.
وقد أدى ذلك فعلاً.. إلى انخفاض مستوى نوعية النواب، والى دخول عدد أكبر من الإقطاعيين إلى المجلس النيابي، كما اختفت الكتل النيابية من اللعبة البرلمانية.
ويمكن القول: أن الرئيس كميل شمعون تخلص في تقسيمة الدوائر الانتخابية على هذا النحو من كتلتين نيابيتين كبيرتين، طبعت الحياة السياسية اللبنانية بطابعها منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وعنيت بهما الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية؛ ذلك لأنه في ظل الدائرة الانتخابية الكبرى القائمة على أساس المحافظة.. كانت كل من الكتلتين تضم نواباً من مختلف الطوائف، ولكن القانون الانتخابي الجديد آنذاك.. وضع حداً لهذا التآلف الوطني الذي كان سائداً.
بأي حال.. ففي عهد الرئيس كميل شمعون ألغي نظام اللائحة الكبرى، وحل محله نظام الدائرة الفردية.
وأدى هذا القانون الجديد إلى نتائج سلبية.. كانبعاث التعصب الطائفي والنزاعات الإقليمية والطائفية والمذهبية.
ويعتبر البعض: أن تغيير قانون الانتخابات عام 1953 كان أول خطوة في عملية التفكيك السياسي والوطني والمذهبي على مستوى التمثيل الشعبي في لبنان،وشكل طعنة لروح الميثاق الوطني.
في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر آب 1957 حاول الرئيس كميل شمعون، في ظل التطورات التي كان يمر بها لبنان والمنطقة، وفي ظل المعارضة المتنامية لعهده، أن يجمل بعض الشيء من قانونه الانتخابي الذي وضعه عام 1953، فرفع عدد النواب من 44 نائباً إلى 66 نائباً، وأجرى تعديلات على الدوائر الانتخابية.. فعدل في تقسيم الدوائر الانتخابية، واعتمد القضاء باستثناء جبل لبنان.
وقد تميزت هذه الانتخابات: بتدخل خارجي واسع، وبتزوير وضغوطات لم تألفها الحياة السياسية في لبنان.
بشكل عام.. فقد جسدت الانتخابات في هذا العهد انهيار الكتل النيابية الكبيرة، وسيطرة «الأنا» في هذه المرحلة، ونورد على سبيل المثال.. ما جاء في صحيفة «لوريان» في 10 حزيران 1953، حيث أدلى أحد المرشحين للانتخابات التشريعية لعام 1953 بالتوضيح التالي: إلى صحيفة بيروتية كبرى قدمته لقرائها على أنه من المرشحين الذين يخوضون حملتهم تحت علم حزب الدستور فيقول: «بترشيحي في منطقة الفتوح.. فإني لا أجد لزاماً علي أن أعلن انتمائي إلى حزب سياسي، فأنا أسعى إلى الحصول على مقعد كان شغله والدي طوال 42 عاماً -من 1911 إلى 1953- وبهذه الصفة وكممثل لأسرتي  آمل أن أحصل على الأصوات التي تنصب تقليداً على اسمي».
ويسجل في انتخابات 1957، أن الطابع التي طبعت به هو التزوير، واستعمال المال الانتخابي والسياسي بشكل واسع النطاق، حتى أن مايلز كوبلاند في كتابه «لعبة الأمم» يتحدث عن المبالغ المالية الكبرى التي أغدقتها السفارة الأميركية في بيروت؛ من جهة ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من جهة ثانية على المرشحين المحسوبين على واشنطن، وبدون تنسيق بين الاثنين من أجل إنجاح مرشحيهم.
وقد تمكن كميل شمعون في تلك الانتخابات من إسقاط كل رموز المعارضة كصائب سلام، وعبد الله اليافي وكمال جنبلاط وأحمد الأسعد، لكنه عجز عن إسقاط صبري حمادة ورشيد كرامي ومعروف سعد، الذين تنبهوا للخطة الشمعونية فحضروا جيدوا لتفويت هذه الفرصة على العهد الشمعوني، بما فيها مسألة الإنارة في مراكز القيد، حيث حضرا الإنارة البديلة بواسطة مصابيح الكاز القوية «لوكس»، بحيث ما أن حصل ما توقعوه.. حتى كانت الإنارة البديلة جاهزة للتو.
لقد انتج العهد الاستقلالي الثاني تفسخ الحياة السياسية اللبنانية بقانون الدائرة الفردية عام 1953، وتوجها بتزوير انتخابات 1957، مما انتج مرجلة خطيرة على البلد في ظل التطورات العاصفة التي كانت تشهدها المنطقة، وعليه كانت أحداث 1958 الدامية، التي انتهت بانتخاب قائد الجيش اللبناني حينها فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية ليكون لبنان أمام مرحلة جديدة.

الحلقة المقبلة
قوانين لا تساوي بين اللبنانيين