بيروت - لبنان

2 شباط 2019 12:12ص حكومة المخاض التسعيّ والسنوات الـ4: الدينامية في مواجهة القوى المتيبّسة

التداعي في الهيكل يستدعي وعيا فائقا.. والتوازنات المتعرّجة سهّلت الحل

حجم الخط

لا تخفي أوساط التيار قلقها من ان تعمد القوى المتيبسة إلى جعل الحكومة الجديدة مساحة لقتال الديوك في السباق الرئاسي المفترض مع تأثيراته على الدينامية المطلوبة

كان من لزوم تمرير الحكومة الجديدة بتوازناتها المتعرّجة، الظاهر منها والخفيّ (ثلثا ضامنا - ملكا)، أن تأتي بلِحاف الـwin-win outcome، حيث الجميع يمنّون النفس بالربح ويظنون أنهم كذلك، فيما الحقيقة أن الطابخ مرّر ما أراد، من دسم ومن بعض السمّ في الدسم، كي تُستولد حكومة المخاض التسعيّ والسنوات الأربع، غير المسمّاة بعد، على أنقاض حكومة دُعيت استعادةً للثقة.
تنتظر الحكومة استحقاقات اقتصادية هائلة التأثير، بامتداداتها السياسية والاستراتيجية. 
بات الجميع على يقين أن ما قبل لا يمكن أن يستمرّ لا بالوتيرة نفسها ولا بالذهنية ذاتها. فالهيكل متداع، وإن كان سقوطه ممنوعا دوليا (ليس تفصيلا أن يقول مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي انه غير متفائل جدا بمستقبل لبنان، وان «لدينا صفر اهداف في التسبّب في أي انهيار مالي في لبنان. فقوة النظام المالي اللبناني اساسية لأمن هذا البلد»، وإن «الاقتصاد اللبناني لا ينهار»، وأنه بتشكيل الحكومة «سنرى عودة الثقة أو سيتم إحراز تقدّم كبير في اثنتين من القضايا الرئيسية»)، في إشارة على الأرجح الى ملفين ضاغطين ماليا على الاقتصاد، أحدهما النزف الكهربائي. 
ويستدعي التداعي في الهيكل وعيا فائقا ومسؤولية لا تتوفر، يا للأسف، في غالبية القوى السياسية، وخصوصا تلك الناشئة، المصنوعة أو المعوّمة، لغرض الاختراق والتحجيم والتقزيم. 
أ- يتطلّب ذلك الوعي النادر إدراكا غير مسبوق ولا رجعة عنه الى وجوب أن تنسلخ قوى سياسية من جلدها المتيبّس، وأن تبادر الى مساحة حديثة من الممارسة السياسية – الوزارية. 
ب- وتتطلب تلك المسؤولية دراية واسعة في إدارة شجون الدولة ومؤسساتها، لكن أيضا قدرة استثنائية على الاستشراف - حيث الحكم حسن التوقع Gouverner c’est prévoir لا مجرّد جوائز واستدرار ولاءات - وعلى وضع الإستراتيجيات الملائمة لمواكبة وربما جبْه التطورات الهائلة التي يشهدها الإقليم. وهذه التطورات في غالبيتها مؤثرة تأثيرا بائنا في بنيان الدولة وقدرتها على احتمال التصدّعات الكثيرة.
الواضح أن قوى عدة، ولا سيما المتيبّسة ذهنا وجِلدا، لا تزال تُبدّي ولائيين على الكفاءة المطلوبة بإلحاح في حال الهيكل المتداعي. وإلا ما معنى، على سبيل المثال، ان يعود وزير الى الحقيبة نفسها التي أبدع فيها فشلا وقصر رؤية، سوى أن زعيمه الذي يفاخر بعناده، لا يزال يتقاضى ثمن تنازل غابر، يقضي باحتفاظه بتلك الحقيبة!
لا يُخفى أن ثمة مزيجاً من الشك والخوف من أن يحدّ هذا التيبّس المستمر في الحكومة الجديدة، فاعلية الدينامية التي يريدها العهد والتيار الوطني الحر، أو حتى أن يُستعاد ما رُمي في درب الحكومة الآفلة من عثرات وعراقيل منعتها، على سبيل المثال، من استكمال تنفيذ ورقة سياسة الكهرباء أو تقديم حلول للقضايا الشائكة اجتماعيا، فيما كانت البديهيات تعلّ حتى ترى النور. 
ولا يُخفى كذلك إمكان أن تبادر القوى المتيبّسة نفسها الى تعمّد إستنساخ النفَس المتهلل التي تعاطت به مع مخاض التشكيل، بحيث تجعل الحكومة الجديدة مساحة لقتال الديوك في السباق الرئاسي المفترض، مع التأثيرات السلبية لهذا القتال على الدينامية المُشتهاة، وهو ما قد يترجم تعطيلا متعمّدا منعا لأن يُحسب على العهد والتيار أي إنجاز يّسجل حكوميا، وخصوصا في المسائل التي تمس مباشرة اللبنانيين، وتعتقد تلك القوى أنه قد يُثمّر في السباق الرئاسي المتخيّل. 
انطلاقا من هذه الوقائع، يُفهم الإصرار التياريّ على حصة وازنة، عددا، سواء كانت ثلثا أم ثلثا مائلا صعودا مساويا وموازيا لتكتل الـ29، أو نوعا من مثل ضمّ وزارة البيئة في اللحظات الأخيرة للتشكيل، ذلك أن حكومة السنوات الأربع، لا تحتمل أيا من ظواهر التعطيل تحت أي من المسميّات، مع الإبقاء على فسحة أن يدرك الشريك أن أي اعتبار آخر غير تحقيق المُراد، لا يستقيم، بما فيه، خصوصا وتحديدا، جوائز الترضية للثمن الرئاسي المستمر استحقاقه!