بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيلول 2020 07:37ص حكومة تصريف الأعمال «حل نموذجي» حتى الانتخابات الأميركية

المبادرة الفرنسية في مهبّ الريح بعد العقوبات.. والرئيس المُكلّف قد لا يُشكّل ولا يعتذر!

حجم الخط
يأتي حريق مرفأ بيروت ليؤكد الانهيار المتمادي الذي يُصيب الدولة ومؤسساتها. سرعة التهاوي إلى القعر ما عاد من الممكن فرملتها. كان يمكن للرابع من آب أن يُشكّل نقطة تحوّل أمام هول الكارثة، لكن الوقائع المتلاحقة تؤشّر إلى استحالة ذلك. فضيحة هبة الشاي السريلانكي نموذج فاقع على الانهيار الأخلاقي عند رأس الدولة، فما بعدها لن يكون أكثر سوءاً.

تكالبت المنظومة الحاكمة على تعزيز موقعها بعدما اعتبرت انفجار بيروت فرصة أعادت فتح أبواب المجتمع الدولي الموصدة أمامها. التقطت أنفاسها على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي فكّ عزلتها وأطلق مبادرته. تراجعت خطوة لضرورات اللحظة، فكانت استقالة حكومة حسّان دياب، وتحديد رئيس الجمهوريةموعدٍ الاستشارات النيابية، وترشيح رؤساء الحكومات الأربعة لمصطفى أديب مُؤمّنين له غطاءً سنيّاً.

جرى كل ذلك على وهج الفاجعة التي أمَّن ماكرون سريعاً ظروف احتوائها عبر مؤتمر الدعم الإنساني، واتّكأ عليها علّه ينفذ منها إلى إحداث تغيير داخلي من بوابة الإصلاحات، يُعزّز دور بلاده في هذه البقعة على شرق المتوسط حيث تقوى المواجهة على لعبة النفوذ مع تركيا، وحيث يحجزُ له مكاناً حين يأتي وقت ترتيب أوراق المنطقة الغارقة في الصراع الأميركي- الإيراني. ما كان للرئيس الفرنسي أن يذهب بحركته السياسية من دون الممر الإيراني. أعطته بركتها، فمحض ذراعها العسكري اللبناني المتمثل بـ«حزب الله» غطاء الشرعية المفقودة دولياً، متلطياً خلف صناديق الانتخاب التي أتت به إلى البرلمان والحكومة، ملقياً باللائمة على خيارات اللبنانيين، متجاهلاً حقيقة أن السلاح وفائض قوته لا يتواءمان مع الديموقراطية وحرية الانتخاب قانوناً وترشحاً واقتراعاً.

الانهيارات في مؤسسات الدولة تتوالى وفرملة التهاوي إلى القعر أضحت صعبة

لم يجفّحبر مبادرة ماكرون حتى بدأت محاولات الانقلاب عليها.قد تقف المبادرة عند حدود تسمية الرئيس المكلّف الذي لن يستطيع أن يُشكّل، وليس المطلوب منه أن يعتذر الآن. في الأساس، كانت القراءة أنّ الحركة الفرنسية من شأنها على الأقل أن توفّر «الأوكسجين» المطلوب لتمرير الوقت إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، من دون انقلاب جوهري في الوضع السياسي الراهن. كان على «حزب الله» أن يُضحّي بحكومة دياب التي لم تعد قادرة أصلاً على الاستمرار بفعل حجم تناقضات حلفائه داخلها، وعرَّاها انفجار المرفأ، وقد أدت قسطها للعلى في زعزعة بنيان النظام الاقتصادي- المالي للبلاد. في حساباته، أن استقالة الحكومة تخفف الضغوط عنه بوصفها حكومته وتقع مسؤولية أدائها عليه.أما في حسابات المناوئين داخلياً وخارجياً، فإن تحوُّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال يضع حداً للسياسيات والقرارات التي كانت تسير بها نحو التغيير الكلي لوجه لبنان وتدميره.

فبقاء «الستاتيكو» الراهن على ما هو عليه، حتى الثالث من تشرين الثاني موعد الانتخابات الأميركية، ربما يكون نموذجياً لـ«حزب الله»، ومعه العهد وحتى القوى السياسية الرئيسية المعارضة: حكومة تصريف أعمال تُسيّر شؤون البلاد بالحد الأدنى، فيما المجتمع الدولي يتولى الشأن الإنساني والإغاثي ورفد اللبنانيين بقليل من المساعدات. كل ما تبقّى هو 50 يوماً حتى يظهر الخيط الأبيض من الأسود، وما إذا كان سيُعاد انتخاب دونالد ترامب أم سيأتي جو بايدن الذي على زمن رئيسه الديموقراطي باراك أوباما انتعش المحور الإيراني وتمدّد في المنطقة، ووُقّع الاتفاق النووي الذي نقضه الرئيس الجمهوري الحالي وأعاد العقوبات على طهران ويعمل على تقليم أظافرها.

لم يكن أمراً عابراً أن يأتي رئيسالمكتب السياسي لـ حركة «حماس» إسماعيل هنية إلى بيروت في هذا التوقيت. انعقاد مؤتمر الأمناء العامينللفصائل الفلسطينية في بيروت لم يكن مُوافَـقـاً عليه. تدخّل المدير العام للأمن العام لدى رئيس الجمهورية بطلبٍ من «حزب الله» فحصلما يُريده «الحزب» الذي أمعن في غيّه. ذهب هنيّة إلى مخيم عين الحلوة في عراضة مسلحة وكلام عن الصواريخ ومداها إلى ما بعد بعد تل أبيب. أراد «حزب الله» أن يَردَّ على الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي من بيروت باسم «المحور»، وكأنه يُجدّد القول إن بيروت ومخيماتها وغزة وسلطتها جزء في استمرار المواجهة. قفز «حزب الله» فوق ما يمكن أن تحمله عراضة هنيّة من تداعيات على المبادرة الفرنسية. اليوم يشعر أن لديه قدرة أكبر على المناورة بعد العقوبات الأميركية الجديدة التي طالت حليفه الشيعي عبر المعاون السياسي لبري وزير الصحة والمال السابق علي حسن خليل، وأحد حليفيه المسيحيين المتمثل بتيار المردة عبر وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس.وهو يعلم أن سلسة جديدة من العقوبات ستأتي وستطال حلفاء آخرين له، في معرض الضغط عليه وعليهم، من أجل الابتعاد عنه ورفع الغطاء الذي يوفّرونه له، ليس فقط سياسياً إنما مادياً من خلال موقعهم في السلطة وانخراطهم في الفساد.

شكّل استهداف معاون بري نوعاً من المفاجأة لبعض المتابعين، على خلاف فنيانوس الذي كان متوقعاً إدراج اسمه على لائحة العقوبات، وإن كانت المفاجأة أنها ربطت العقوبات على فنيانوس بالدور الذي لعبه في وصول «حزب الله» إلى الوثائق القانونية الحسّاسة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان. للمرة الأولى تربط واشنطن العقوبات على مسؤولين بالفساد. هي فاتحة لسلسلة طويلة من الأسماء ستتوالى لسياسيين أمّنوا بتحالفهم مع سلاح «حزب الله» غطاء لانغماسهم في الفساد إلى حد الدفع بالبلاد إلى الإفلاس الفعلي والعزلتين العربية والدولية، وإخضاع شعبه وجعل غالبيته تحت خط الفقر، والحبل على الجرار.

قد يكون من المبكر الجزم بما ستؤول إليه الأمور في قابل الأيام والأسابيع بانتظار قراءة ما ستكون عليه ردّات الفعل حيال تنامي العقوبات الأميركية وارتفاع منسوبها في حق الطبقة السياسية التي قد لا تكون فقط محصورة بحلفاء «حزب الله» إنما أيضاً برموز يُعرف عنها الفساد في مقلب حلفائها. ما هو أكيد أن حلقات الانهيار والفشل لمؤسسات الدولة تتوالى بعد السقوط الشعبي للرموز السياسية في الحكم. قد يُعاود الرئيس الفرنسي ضغطه من جديد، من أجل تأليف الحكومة، لكن وفق المعطيات المتوافرة، فإنه ليس من مناخات سلسة في إطار التأليف. في السيناريوهات أن أديب قد يحمل إلى القصر الجمهوري مسودّة تشكيلة من 14 اسماً ويضعها في عهدة رئيس الجمهورية، إنما من غير المعروف ماذا سيكون عليه موقف القوى السياسية التي أضحت تنتظر سيف العقوبات الآتية.