جاء إضراب المصارف لثلاثة أيام تنتهي غداً
لتستأنف عملها (افتراضياً) الخميس، لكي يطفىء مؤقتا نار الهجوم عليها من قبل
المودعين وأنصارهم، لكنه على ما يبدو ليس سوى هدوء ما قبل العاصفة التي ستتصاعد
كما يؤكد مودعون عدة لـ"اللواء".
وحسب مجريات الأمور توسعت رقعة اقتحامات المصارف
("اللواء" 13 آب 2022) التي تنذر بما هو أكبر كما يؤكد المودعون الذين
يقولون إنهم أُجبروا على اتباع هذا النهج العنفي ما يستوجب تدارك الأمور سريعاً.
والحل ليس أمنيا هنا، حتى لو اتخذت السلطة صفة
الجديّة فيه وتوافر القرار السياسي له. ووسط الفراغ على جميع الصعد الواقع فيه
البلد، فإن تقطيع الوقت حتى بروز التسوية الخارجية يستدعي حواراً جادّاً بين
المودعين والسلطة بفروعها المعنيين كافة لتمرير المرحلة الصعبة الحالية.
سبق للمودعين ان دعوا الى تشكيل الحكومة، ولو
كانت لتصريف الاعمال، لخلية أزمة لمقاربة كارثة اجتماعية من هذا النوع، كما في كل
البلدان التي تعايش أزمات كهذه، قبل انتظار فرج خطة التعافي والمساعدات الخارجية
المشكوك بحصولها والمشكوك أكثر باجتراحها الحل للأزمة المالية والاقتصادية الراهنة
وقبل تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر.
وبينما ينشغل سياسيون بموازنة ضرائبية ودولار
جمركي مرفوض من قبل المودعين المجمدة اموالهم في الوقت الذي بلغت البطالة فيه نحو
40 في المئة وتضاءلت الرواتب بالليرة اللبنانية الى حدود دنيا وبات البلد مدولراً،
يطالب المودعون بطاولة حوار سريعة تجمعهم مع
ممثلين عن الحكومة ومجلس نواب ومصرف لبنان وجمعية المصارف لإطلاق مبادرة عاجلة تنظر
بهذا الوضع بما يضع حدا لعمليات اقتحام المصارف التي قد تتطور لتصبح يومية وبالعشرات.
على ان البعض يخشى انه حتى في حال حصول هذا
الاجتماع بين المعنيين ان تمارس السلطة عادتها في شراء الوقت بينما لا تريد الدولة
تحمل مسؤولياتها بما حصل لترمي الكرة بين المصارف والمودعين وهو الذي تريد البنوك
تجنبه، بينما باتت كبالع الموسى في وجه الناس من ناحية، وعاجزة عن وقف عملها والاضراب
المفتوح كونه سيدمرها ويشل البلاد وهو أصلا في حاجة الى قرار سياسي ليس متوافراً
كما انه ليس قانونيا وممكن أن يُنقض لتُجبر على فتح أبوابها كونها جزءا من قطاع
خاص يخدم الشأن العام مثل المستشفيات الخاصة على سبيل المثال لا الحصر.
على ان المصارف باتت في موقف الدفاع وقد جاء
إضرابها غير كامل أصلاً وشهد خروقات، وحتى لو جرى هذا الحوار الصعب فإنه المودعين
سيثقلون محاوريهم بالضغط الشارعي. وهناك من يلفت الى ان الاقفال جاء في الاقع
لصالح المصارف للضغط على الدولة والتقاط الانفاس.
رهان على مرحلة ما
بعد عون
تشير رؤية "وسطية" الى ضرورة قيام
الدولة بالمبادرة عبر تشريعات سريعة وإجراءات تطمينية للبلاد ككل وليس فقط
للمودعين، وعلى سبيل المثال تشكيل لجنة طوارىء أو ان يلجأ مصرف لبنان الى التدخل
بتعاميم معيّنة لرفع سقف السحوبات.. لكن كل ذلك يأتي ضمن الأفكار النظرية ويشير
بعض المتابعين الرسميين الى انها مسألة وقت قبل بدء الانفراج، في مرحلة ما بعد
انتهاء العهد الحالي مشيرين الى جهود تشكيل حكومة جديدة تأتي كرسالة تطمينية
للخارج.
بالفعل ثمة نية لدى أخصام العهد لبذل الجهود على
الصعد الحياتية مثل قضية المودعين والكهرباء وغيرهما، وهو ما يفسر الاستفاقة
المتأخرة جداً من قبل الأقطاب السياسيين لبحث سبل الحل.
لكن إذا أردنا الحديث الواقعي حول الأحداث
اليومية، فإن ساعات تفصل المودعين عن إعادة اطلاق المصارف لعملها، ويطالب المودعون
بضخ الدولار ووقف منصة صيرفة التي تؤدي الى هدر 30 مليون دولار يوميا من اموال
المودعين، الذين يؤكدون استفادة الاحزاب السياسية ومناصريها من تجار وموظفين في
الدولة، منها. وبدل ذلك صرفت السلطة 20 مليار دولار على الدعم لصالح التهريب وأدى
كل ذلك في ما أدى إليه الى ملامسة سعر صرف الدولار الأربعين ألفا.
تبدو الفترة المقبلة مفتوحة على احتمالات شتى
تتصدرها المخاوف الأمنية، ويشير بعض اقطاب السلطة الى تورط جهات معيّنة بتحركات
المودعين الذين يدافعون عن انفسهم بالحديث عن تقرير لفرع المعلومات قُدم الى وزير
الداخلية ولم ير أية خيوط مشتركة بين عمليات الاقتحام.
ويستبعد الناشطون في الشارع انخراط القوى
السياسية في التحركات في هذه اللحظات، ويتحدث البعض عن اقتحامات مقبلة ستتوسع
لتطال مؤسسات أخرى غير البنوك والمزيد من قطع الطرقات وصولا ربما الى فلتان
اجتماعي قد يكون صادرا عن المودعين للتخويف في سبيل قضيتهم.
في هذه الاثناء تبدو السلطة مطالبة بتحرير
الموقوفين لديها في تلك الأعمال، بينما انخرط مودعون في مفاوضات صعبة ما زالت في
بدايتها مع أقطاب سياسيين لإطلاق الحوار الذي ينشدونه.. ويستعدون مع ذلك لاستئناف
عملياتهم.