بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 حزيران 2022 07:14ص حين كاد الشيخ محمد الجسر أن يُنتخب رئيساً للجمهورية!

الشيخ محمد الجسر الشيخ محمد الجسر
حجم الخط
 في عام 1931، بدا مع الولاية المجددة لأول رئيس جمهورية شارل دباس (كانت الولاية لمدة 3 سنوات) تقترب من نهايتها، وكان واضحا ان المنافسة هي: بين بشارة الخوري واميل اده (حقائق لبنانية – ج 1 – بشارة الخوري)، وعندما اقتربت ولاية دباس من نهايتها بدأ الصراع لانتخاب لانتخاب خلف له، واحتدمت المعركة بين بشارة الخوري واميل اده، ولكل منهما في المجلس النيابي وفي البلاد وبين رجال الانتداب انصار ومؤيدون، وكل منهما يطمح الى الرئاسة، فان لم يرافقه الحظ فلا بد من الأمل للحؤول دون فوز خصمه (50 سنة مع الناس – يوسف سالم -دار النهار). 
ويؤكد يوسف سالم ان الشيخ بشارة الخوري رشح نفسه بموافقة دوائر الانتداب وفي مقدمها هنري بونسو المفوض السامي نفسه (50 سنة مع الناس - دار النهار)، وصارت المناورات الساسية جزءا من الوصول الى الحكم أو لابعاد المنافسين، وهنا كاد المسلم السني الشيخ محمد الجسر ان يصبح رئيسا للجمهورية خلفا للارثوذكسي شارل دباس، وفي التفاصيل كما يرويها يوسف سالم: «ادرك اميل اده ان لا امل له بالرئاسة، فهمس الى الشيخ الجسر رئيس مجلس النواب ان يرشح نفسه لها، ووعده بدعم ترشيحه واعطائه صوته وأصوات الذين يماشونه في المجلس، وكانت تلك المرة الأولى التي يترشح فيها مسلم لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ومن المفارقات اللبنانية التي تبدو غريبة لمن يجهل تعاريج السياسة اللبنانية الداخلية، وتصارع الأحزاب أن كثيرين من النواب المسيحيين وفي مقدمهم اميل اده كانوا يؤيدون الشيخ الجسر، وأن كثيرين من النواب المسلمين دعموا ترشيح الشيخ بشارة، وبعد أن أدركت المفوضية الفرنسية العليا ان ترشيح الشيخ محمد الجسر، لم يكن مناورة سياسية منه أو من اميل اده، بل قضية جدية، بدأت تضغط على النواب لتأييد بشارة الخوري» (50 سنة مع الناس).
ويبدو أن الشيخ الجسر حاول أن يجس نبض الانتداب من مسألة ترشيحه، فيؤكد الرئيس صبري حمادة: «ان الشيخ محمد» كلفني استمزاج رأي المفوض السامي.الذي قال لي بالحرف الواحد: 
« mon ami , la france n,est pas ici pour fai la volonte de cheikh Mohamed , dites-lui de nous ficher la paix»
أي «يا صديقي، ليست فرنسا هنا لتمتثل لارادة الشيخ محمد، قل له أن يدعنا وشأننا..» (الأسبوع العربي 26 / 10 / 1967).
لم يستسلم الشيخ محمد الجسر، بل مضى في عزمه، على الرغم من الضغوط التي مارسها الانتداب الفرنسي ليحمله على الانسحاب، خصوصا بعد أن صار النواب المسلمون يشاهدون الحماسة لدى الجماهير الإسلامية لهذا الترشيح، وبالتالي صار الشيخ محمد الجسر مقتنعا بأن النواب المسلمين لا يملكون من أمرهم الا تاييده، لا سيما بعد ان لمس جديا مدى تأييد اميل اده وأكثرية النواب المسيحيين له «(50 سنة مع الناس – مصدر سبق ذكره)  . 
بدوره، الرئيس شارل دباس حاول ان يوفق بينه وبين الشيخ الجسر، فلم يفلح، حيث قال الشيخ انه أقسم لمن يسانده من المسلمين وفي مقدمهم رياض الصلح ان لا يرجع عن ترشيحه ابدا، ومما قاله: « أن المفوض السامي رجل ضعيف، يمانع اليوم في ترشيحي ولكن إن نجحت أبرق الى حكومته مبررا موقفه ومبينا محاسن انتخابي» (50 سنة مع الناس).
الى ذلك، حاول النواب الموارنة: يوسف الخازن، سامي كنعان، وروكز أبو ناضر اقناع المفوض بونسو بتأييد ترشيح الشيخ محمد الجسر الذي لا يرون فيه انتقاصا من حق الموارنة، لكنهم لم يفلحوا. 
ويؤكد يوسف سالم بقوله: «حميت المعركة، وكثرت التكهنات، وشغلت الأندية السياسية والسرايات والصالونات والناس، بتقدير عدد الأصوات المؤيدة لكل من المرشحين بشارة الخوري والشيخ الجسر.. « وكان عمل المفوض الأكول النهم ومستشاروه ينقلون له «أخبار المعركة ساعة فساعة، ويقولون له ان الكفة متعادلة بين المرشحين، وأن حظ الشيخ المسلم برئاسة الجمهورية كبير وقد يتوقف على صوت أو صوتين» (50سنة مع الناس).
وتبعا للنص الدستوري كان يفترض برئيس المجلس النيابي أن يدعو لانتخاب رئيس جديد في مهلة شهرين ابتداء من 27 آذار 1932، لكن الشيخ محمد الجسر كما يقول بشارة الخوري أخذ يتأخر في دعوة المجلس من يوم الى آخر ويتمارض ويستقبل النواب واحدا تلو الآخر على أمل ان توافق المفوضية العليا على ترشيحه (حقائق لبنانية – بشارة الخوري – ج 1).
وهنا لعب الرئيس شارل دباس الذي أشرفت مدة رئاسته على الانتهاء لعبة لم تعرف كثيرا، ولم يعرفها سوى المطلعين على أسرار الصراع السياسي الداخلي في لبنان. ويقول يوسف سالم: «كان شارل دباس يكره اميل اده، ولا يحب في الوقت عينه ان يفوز بشارة الخوري، وكان يعرف أن الأكثرية الى جانب بشارة الخوري على رغم جميع المظاهر، كما كان يعرف ضعف المفوض السامي الفرنسي بونسو، وخور عزيمته وخوفه على منصبه، فألقى في روعه ان الشيخ الجسر فائز لا محالة، وانه اذا فاز مسلم في الرئاسة الأولى في لبنان غضبت باريس على ممثلها فيه، فيحل به ما حل بالجنرال سارايل، ويفقد مركزه، وأن رئاسة الجمهورية في لبنان ترمز هوية البلد قبل كل شيء، فخاف بونسو خوفا شديدا» (50 سنة مع الناس).
يذكر ان الشيخ الجسر ونائب كسروان يوسف الخازن كانا قد طلبا قبل ظهر الرابع من أيار موعدا لمقابلة المفوض السامي الذي ما ان اطلا عليه حتى بادرهم بصوت عال جدا: «ماذا تريدون أن أقول للكيه دورسيه (وزارة الخارجية الفرنسية)، ان باريس غير مستعدة لقبول الاحتجاجات والانتقادات والشكايات من انتخاب رئيس جمهورية مسلم في لبنان.. ان لا اقدر.. لا هذا مستحيل».
واكد المفوض السامي انه يقدر للشيخ الجسر مزاياه واخلاصه لوطنه وصداقته لفرنسا، لكنه يجد نفسه مكرها على ان يطلب منه سحب ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لأن سياسة فرنسا ووضعها الدولي يحتمان عليها ان لا تسمح بأن يتولى الرئاسة الأولى في لبنان مسلم.
وهنا يرد الشيخ الجسر معتذرا عن عدم تحقيق رغبة المفوض السامي، معلنا إصراره على المضي في ترشيح نفسه، ما دامت الأكثرية تؤيده. 
ومساء الأحد الثامن من أيار 1932 ذهب بونسو بسيارة عادية الى بكركي، منعا للفت الأنظار، وهمس في اذن البطريرك عريضة انه سيحل المجلس النيابي ويقيل الحكومة ويوقف الحياة النيابية (50سنة مع الناس – مصدر سبق ذكره).
في صباح التاسع من أيار، اصدر المفوض السامي قرارا حمل الرقم ل/56، كلف بموجبه شارل دباس بصفته الحالية، بوظائف رئيس الحكومة، وبتكليف المديرين اللبنانيين مهمة انجاز الأمور تحت سلطة رئيس الحكومة مباشرة واعتبار مهمة الوزراء الحاليين منتهية، وبوقف جلسات المجلس النيابي. وبشكل أدق علق بونسو الحياة الدستورية في البلد.التي استمرت حتى 21 كانون الثاني 1934.