بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2019 12:00ص خارطة طريق نحو الدولة المدنية

حجم الخط
اختيار عنوان هذا اللقاء للحراك أو الانتفاضة أو الثورة بعد مرور 50 يوماً، وبعد الإضاءة الفكرية والتنفيذية الرائعة التي تتم في الساحات هو عنوان موفّق، لأنّه موجّه نحو العلمية التي من خلالها نصل الى ما يمكن ان يشفي الناس من آلآامها، وأوجاعها، ومنع إبادتها الفكرية والاقتصادية والمالية والجسدية.

هذا العنوان يشير إلى خارطة طريق يقتضي رسمها، فتدلنا على كل المحطات الواجب انشاؤها للوصول الى الهدف المنشود، والذي هو الدولة، وليس اي دولة بل الدولة المدنية، وهذه المرة ليست بالتنظير والتوصيف سنصل اليها بل بالوقائع والشواهد والمستندات، وليس في الغرف والقاعات المغلقة بل في ساحات لم تشهد مثيلها في العالم.

فما هي المبادئ الاساسية التي يمكن اعتمادها لتكن الخارطة صالحة للبناء.

أولاً- الايمان بالسلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات.

ثانياً- الايمان بأن هناك سلطة عليا غير سلطة القبيلة والعشيرة والطائفية والمذهبية والمافيوية والعصابات وما يسمى «بزعماء» مما يمنع انتهاك حقوق الافراد التي أقرّتها الاديان والمواثيق الدولية والدساتير هذه السلطة هي سلطة الدولة، الدولة التي نريدها.

ثالثاً- الايمان بمبدأ المواطنة، اي ايمان وولاء المواطن لوطنه وخدمته اوقات السلم والحرب والتعاون بين افراد المجتمع عن طريق العمل المؤسساتي والرسمي والتطوعي لتحقيق الاهداف التي يريد الجميع الوصول اليها، ومن اجلها توحد الجهود، وترسم، وتوضع الموازنات التي تعود بالنفع على كل فرد من افراد الشعب، وليس لشخص او فئة او منطقة او طائفة او مذهب، مع الادراك الكلي بأن المواطنة التي نريدها في بلادنا هي التي لها خصوصية تختلف عنها في باقي الامم حتى لا يصيبنا ما اصابنا من سايكس بيكو ووعد بلفور، بحيث يقتضي ان يشمل مفهوم المواطنة في بلادنا حق النضال من اجل تحرير الامة من المغتصب الصهيوني لإرضنا في فلسطين ويكون ذلك في تعميم ثقافة المقاومة واعتبارها جزء لا يتجزأ من مفهوم المواطنة.

وفي هذا السبيل لا بد من التصدّي لأي اجنبي يتدخل في شؤوننا، والوقوف صفاً واحداً بوجه «القاتل الاقتصادي» الذي تصدره المخابرات الاميركية والصهيونية العالمية الى الدول والشركات في العالم التي ليس عليها اي مديونية والذي مهمته اغراقنا في الديون ووضع اليد على ثروتنا من البترول والغاز، والعمل على سرقتنا.

لقد أنتجت ثقافة المواطنة الدساتير والمواثيق والمعاهدات الدولية التي اصبحت في هذا العصر نصوصها ملزمة ادبياً واخلاقياً وقانونياً لجميع المجتمعات والدول من حيث المبدأ، لكن التطبيق كله او بعضه والمحاسبة والمساءلة تبقى هي الطريق نحو السمو بالمواطنة الى مراتبها العليا.

هذا، وإنّ تمتين ركائز المواطنة بالديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ينعكس ايجاباً على المواطن ليقدم جهوداً في تطوير بيئته، ومناحي الحياة في وطنه، وفي الدفاع عنه بوجه الطامعين بأرضه وثرواته، كي لا يعتبر المواطن نفسه في بيئة منفصلة عن محيطه العربي.

وإنّ ثقافة المواطنة تعزز الانتماء للهوية، والولاء للوطن، والالتزام بالحقوق والواجبات والمشاركة في المسؤوليات وفي الشأن العام للامة، وتحويل منحى الاختلاف والاشتباك الى الحوار، وتوفير الامان، وتحقيق الذات، وبناء القيادات، وتستدعي من المؤسسات السياسية والتربوية في الدولة ان تهتم بها مما يؤمن للدولة موقعاً متقدماً بين الامم، على الرغم من تمسك الدول الكبرى بحق القوة بدلاً من قوة الحق، وان المؤسسة التربوية في الدولة يقتضي تطويرها بناءً صحيحاً من الحضانة الى التخرج الجامعي.

ومن التحديات الايجابية للمواطنة تعميم السلام، حيث إنّ السلم الاهلي يعني في ما يعني المحبة، والاتفاق، والتضامن، والتكافل، والتعاون بين افراد الشعب الواحد، وبين الشعوب في العالم، مما يحد من الحروب والتآمر والطغيان ويساعد في البناء الانساني، وبذلك تتحقق النتيجة التي نصبو اليها في الدولة بكل مناحي الحياة فيها مما يضعها في مصاف الدول المتقدمة.

ونقول أيضاً أنّه في تعميم ثقافة المواطنة مما يعزز الحوار المؤدي الى تقوية التضامن الاجتماعي، ويعزز تعلق المواطن بوطنه ودولته، ويحد من الفتن، ونستطيع ان نحرر ارضنا ونبني انساننا العربي بعيداً عن الجهل والفقر والبطالة والفردية والفساد والتعصب.

إنّ التربية على المواطنة امر مهم جداً وذلك للتداعيات الايجابية بوجودها وللتداعيات السلبية بغيابها، كما ذكرناها آنفاً، خاصة وانها تؤمّن التوازن بين ما هو وطني وما هو عالمي، وتؤكد على الخصوصية الثقافية للوطن، وبها يؤكد الانتماء الشخصي والحضاري للمواطن كي لا يتحول الوطن الى حقيبة والمواطن الى مسافر، وعلينا دائماً واجب المشاركة في وضع المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعنى بحقوق الوطن والدولة، والتحرك بعدها للمصادقة عليها من الجهات الرسمية المعنية بالدولة، والضغط الدائم للعمل بموجبها على الصعيد الوطني والاممي.

رابعاً- بناء الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة ويطلق عليها الثقافة المدنية وهي ثقافة مبنية على وجود حد ادنى من القواعد لا ينبغي تجاوزها.

خامساً- عدم الخلط بين الدين والسياسة وعدم معادات الدين او رفضه.

سادساً- تبنّي مبدأ الديمقراطية الذي يمنع ان تؤخذ الدولة بالقوة او بالمال من خلال فرد او نخبة او عائلة او نزعة إيديولوجية.

بناء لما تقدّم نكون بذلك حققنا القواعد الاساسية للانقاذ وعدم القضاء علينا بجرائم الابادة اليومية التي ترتكب بحقنا، وهذه هي المبادئ الرئيسية للدولة المدنية المطلوبة البعيدة عن الدينية.

لقد كتبنا وصرّحنا وأكدنا منذ اليوم الرابع للثورة بأنّ المطلوب هو الاصرار على :

1- استقالة الحكومة.

2- البدء بالاستشارات فوراً اي في اليوم التالي وذلك لتكليف رئيس للحكومة الجديدة.

3- البدء بالاستشارات في اليوم الذي يليه لتشكيل الحكومة.

4- إعطاء الحكومة الثقة الشعبية قبل النيابية مع صلاحيات استثنائية (اي اصدار مراسيم اشتراعية) لمدة ستة اشهر تكون في الاولوية منها:

أ‌- إصدار قانون استقلال السلطة القضائية الذي بصدوره تجري المحاسبة والمساءلة لكل الفاسدين ويتوقف الهدر ويتم استرجاع الاموال المنهوبة وتحقيق العدالة وذلك حيث من نتائج اصداره ابعاد السياسة نصاً وروحاً عن تعيين القضاة، واجراء مناقلاتهم وتحديد رواتبهم...

ب‌- إصدار قانون انتخاب نيابي على اساس لبنان دائرة واحدة مع اعتماد النسبية- وكل ما يتعلق بمجلس الشيوخ واجراء الانتخابات في مدة اقصاها ستة اشهر من نشر قانون الانتخاب (للمجلس النيابي ولمجلس الشيوخ).

ج- اصدار المراسيم الاشتراعية المتعلقة بنواحي الحياة للمواطنين والاولوية لضمان الشيخوخة والتعليم والاستشفاء المجانيين.

د- اصدار المراسيم المتعلقة بتنفيذ القوانين.

وفي الختام، على كل قيادات الثورة الانتباه الشديد لتحصينها وحمايتها من تنفيذ اي اجندة داخلية او خارجية لمنعنا من بناء دولة المؤسسات وسيادة حكم القانون، وخاصة اصحابها يعملون ليل نهار للاستيلاء على مكتسباتها الحالية والمستقبلية، والوقوف مع الجيش الوطني والقوى الامنية التي ادت مهماتها حتى هذه اللحظة بأعلى درجات من الوطنية الخالصة والاحترافية العسكرية في الحفاظ على الثورة والشعب.

ولتكن مهمّة الثورة ايضاً العمل سلمياً بكل ما من شأنه وضع كل الخطط الآيلة الى استسلام المغتصبين للسلطة كي نصل الى الدولة المدنية المنشودة وبعناصر وطنية مشهودٌ لها بعلمها ووطنيتها وايمانها بكل مبادئ الدولة المدنية.



* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب