غسجّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سَبَقاً سياسياً بسرعة تحركه بإتجاه الدول الشقيقة والصديقة للبنان، بفتح ابواب العالم امام حكومته من خلال زيارة باريس ومن ثم لندن، والتي تمخضت عنها خريطة طريق قديمة - جديدة سهلة القراءة لكنها لا تحتمل التأخير في تنفيذ مساراتها حتى لا تتحول الى فرصة ضائعة اخرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع اللبناني المتهاوي، لا سيما في القطاعات الحيوية والانتاجية كالكهرباء والمحروقات وتحفيز الاستثمارات وتحقيق الاصلاحات المطلوبة.
وزيارة فرنسا على اهميتها، لا تحجب اهمية زيارة بريطانيا يوم السبت، ولقاء رئيس الحكومة مع وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط وشمال أفريقيا جيمس كلفرلي، الذي – حسب معلومات «اللواء»- كان هو من طلب لقاء ميقاتي ، لتأكيد دعم بريطانيا لحكومته ومواكبتها لها في كل إجراءاتها، واستعدادها لمساعدة لبنان في تحقيق خطة التعافي الاقتصادي التي بدأ العمل عليها.علما ان توقف ميقاتي في لندن كان مقرراً لساعات في طريق عودته من باريس الى بيروت التي تأجلت الى يوم امس.
لذلك زيارة لندن لم تكن معلنة، ولكن اهميتها تكمن في ان بريطانيا هي الوجه الآخر للسياسة الاميركية في المنطقة، وما تسمعه لندن من لبنان وعنه تنقله الى واشنطن، فيكون القرار او التوجه مشتركاً بين البلدين، وعلى هذا يمكن اعتبار زيارة ميقاتي للندن محطة اخرى مهمة على طريق فتح ابواب العالم أمام لبنان، من دون ان ننسى ان ثمة زيارت مرتقبة له الى الكويت وقطر ومصر وتركيا وربما توضع دول اخرى على اجندة الزيارات الخارجية.
المهم في الحركة الخارجية ان خريطة الطريق الجديدة – القديمة هذه اُعيد إحياؤها، بتأكيد بعض عناصر المبادرة الفرنسية التي طرحها في آب من العام الماضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما زار بيروت إثر كارثة إنفجار المرفأ ولقاءاته مع كبار الشخصيات السياسية والرسمية اللبنانية، حيث اُعيد التركيز على بنود الاصلاحات ومكافحة الفساد والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتصحيح وضع الكهرباء والقطاع المصرفي واعادة بناء مرفأ بيروت، والاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين لا سيما الاكثر فقراً منهم، وهي عناوين طرحت في حكومة الرئيس حسان دياب لكن جمّدتها الخلافات السياسية والتفاوت في النظرة الى كيفية مقاربة هذه الملفات، ومن ثم استقالة حكومة دياب، وإطالة امد تكليف الرئيس سعد الحريري حتى إعتذاره، فكانت الفرصة الاخيرة الموعودة بتشكيل حكومة ميقاتي «معاً للإنقاذ».
من هذا المنطلق لن يستطيع الرئيس ميقاتي وحده إجتراح الحلول ولو كانت لديه الخطط والتصورات، من دون دعم الرئيسين ميشال عون ونبيه بري والقوى السياسية، المُلقى على عاتقهم تسهيل تنفيذ الحلول لا تعقيدها، لكن التخبّط والارتجال القائمين حتى الآن في مقاربة مواضيع التلاعب بسعر الدولار وازمتي المحروقات والكهرباء مثلاً لا يُبشّران بالخير اذا استمرت المعالجات على هذا المنوال من عدم الاهتمام وعدم البحث الجدي عن معالجتها بالسرعة اللازمة، خاصة ان بندي اصلاح قطاع الكهرباء وقطاع المصارف والتدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان وسواه من مؤسسات، من صلب ورقة العمل الحكومية.
ويُفهمُ من كلام الرئيس الفرنسي بعد لقائه الرئيس ميقاتي ان المجتمع الدولي لن يقدّم قرشاً واحداً للبنان من دون البدء الفوري بالاصلاحات، والتي يُشترط ان يواكبها صندوق النقد الدولي للتأكد من شفافيتها وفعاليتها، ولا فرنسا ستُقدِم على اي خطوة دعم من دون التأكد من سلامة مسار الاصلاحات.
وهنا يقع التحدّي على كاهل ميقاتي في تسريع خطوات الاصلاح المطلوبة لجلب الدعم المطلوب سريعاً.ولعل اولى الخطوات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهي المفاوضات التي ستوضع لها معايير لبنانية ايضا وليس دولية فقط، بحيث تكون نتائجها غير مؤثرة على التماسك الحكومي والسياسي الداخلي، الذي قد يتأثر بوجهات النظر المتضاربة او المختلفة من شروط المفاوضات ومعاييرها. وهذا الامر بمثابة تحدٍّ آخر امام الرئيس ميقاتي إذا تمكن من توحيد الرؤية اللبنانية في ورقة المفاوضات ومتطلباتها، خاصة انه قد تكون للصندوق الدولي شروط صعبة قدلا يحتملها الوضع الداخلي اللبناني لا سيما المعيشي للناس.
هذا الاسبوع يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود خلال جلسة مجلس الوزراء المرتقبة الاربعاء، ولو ان على جدول اعمالها توقيع الوزراء الجدد على مراسيم وموافقات استثنائية وإحالات لمشاريع مراسيم بالمئات من ايام حكومة الرئيس حسان دياب، لكن توجه الجلسة العملية الاولى سيكون بمثابة دليل على مسار الحكومة لاحقاً.