عمار نعمة
هي المعركة الانتخابية الأهم بالنسبة الى مجموعات وشخصيات الحراك والمعارضة عامة، تلك التي ستدور رحاها في دائرة بيروت الاولى اذا كان مقدرا للانتخابات ان تحصل في شهر ايار من العام المقبل.
إنها الدائرة حيث الثقل المسيحي الكبير والرمزية المُعبرة، والتي تتمثل في مجلس النواب بثمانية مقاعد يشكل الأرمن نصفهم ويتوزعون على الشكل الآتي: 3 مقاعد للأرمن الأرثوذكس، مقعد للأرمن الكاثوليك، مقعد أرثوذكسي، مقعد ماروني، مقعد كاثوليكي ومقعد للأقليات.
تضم هذه الدائرة مناطق الأشرفية والمدور والصيفي والرميل، ذات الغالبية المسيحية مع وجود أقلية سنية كبيرة وأخرى شيعية أقل وزنا. لكن لن يكون من المفيد استذكار توزيع تلك المقاعد على القوى السياسية في المجلس النيابي الحالي، ذلك ان تغييرات هائلة طرأت على المشهد الانتخابي قوامها الأساس حدث 17 تشرين 2019 وطبعا الأزمة الاقتصادية الهائلة التي ألمّت باللبنانيين عاكسة فشل أهل الحكم.
والحال ان مشهد الاحزاب عامة، وخاصة قوى الحكم، هو في تراجع في هذه الدائرة التي ستدور فيها معركة طاحنة بين قوى كـ»التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» و»الكتائب». لكن يسجل تقدم كبير لقوى المجتمع المدني او قوى التغيير حسب ما يحب كثيرون اطلاق اسم الحراكيين عليه.
ومن بين هؤلاء في مجموعات 17 تشرين، بدأت النائبة المستقيلة عن مقعد الأرمن الأرثوذكس بولا يعقوبيان العمل باكرا منذ نحو أربعة أشهر وتحركت عبر مسؤول ماكينتها الانتخابية روجيه حداد، وهي التي حققت الخرق الوحيد في الانتخابات الماضية وكادت جمانة حداد ترافقها الى الندوة النيابية حتى اللحظات الاخيرة التي شهدت سقوط الاخيرة في ما يصفه انصار المجتمع المدني بالتزوير الفاضح.
في كل الاحوال يؤكد الحراكيون ان يعقوبيان تتصدر استطلاعات الرأي وهي لن تكتفي بعودتها الى الندوة النيابية بل ان العمل جار للظفر بحاصلين آخرين وثمة تفاؤل كبير في الحصول على مقعد الأقليات وربما مقعد آخر، حسب اجواء الحراكيين.
وهؤلاء ينشطون ضمن مجموعة «تحالف وطني» التي تنضوي في اطار الجبهة التي اطلقها الحراكيون تحت عنوان «نداء 13 نيسان» في مقر «حزب الكتلة الوطنية». لكن لا يزال لكل مجموعة في هذا النداء عملها الخاص والوقت لم يحن لكي يجمع هؤلاء مجهودهم او لكي يوحدوا خلاصة هذا العمل الانتخابي، فلكل مجموعة تقديرها اليوم لكيفية تحقيق رؤيتها وسيحين الوقت لرفعها خلاصاتها للاتفاق على مشروع موحد.
وفي موازاتهم، وربما في مواجهتهم، يعمل الكتائبيون ضمن جبهتهم المدنية كونهم يعتبرون أنهم ضمن قوى الانتفاضة وسيكون النائب نديم الجميل الاسم الابرز لمقعدهم الماروني بعد تردد اسم شقيقته يمنى..
ويشير كثيرون الى ان العمل لهذا الاستحقاق قد بدأ لدى المجتمع المدني قبل الاحزاب وشخصيات المنطقة الذين شرعوا في العمل الانتخابي مؤخرا ومنهم «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» وشخصيات لها وقعها في الدائرة مثل ميشال فرعون وغيره..
وتتقاطع التقديرات خاصة على تراجع ملحوظ لدى «التيار الحر» الذي كان حصل على مقعدين عن الدائرة وحصل حليفه حزب «الطاشناك» الأرمني على مقعدين موازيين. وبينما يُقر الحراكيون وهم اخصام للتيار على احتفاظه بحاصل انتخابي، يشيرون الى انه قد يكون عاجزا عن الظفر بالمقعد الثاني وهو كان حصل عليه ومعقودا باسم الأقليات، حاله حال حليفه الأرمني الذي تراجع كونه حليف للعهد وكان حصل على مقعدين للأرمن الأرثوذكس.
تراجع «التيار» وتبديل «قواتي»
ولعل تراجع التيار هو الاكبر قياسا الى ما كان قائما سابقا، ويأتي القواتيون من بعده في التراجع ويليهم الكتائبيون في شكل طفيف، ومرد ذلك الى ان هذين الاخيرين شكلا في الماضي جزءا من المنظومة التي ثار كثيرون عليها في 17 تشرين، كما ان للقواتيين على سبيل المثال أداءهم المثير للجدل عبر اصطفافات السلطة وفي التقارب من حيث الخطاب مع اركان عريقة في المنظومة وحتى عبر عقد تحالفات سرّية معها. ولذلك يرجح لدى القواتيين اجراء تبديل في تمثيلهم في المنطقة ويتردد هنا اسم النائب السابق لرئيس الحكومة غسان حاصباني كوجه مقبول للمقعد الأرثوذكسي على حساب عماد واكيم. وعلى صعيد نواب الدائرة يتردد استمرار دعم انطوان صحناوي لجان تالوزيان، لكن من المفيد التأكيد انه سيكون من المبكر تناول الأسماء اليوم وخاصة التحالفات قبل نحو ثمانية أشهر من استحقاق الانتخابات.
يؤكد الحراكيون أنهم يعملون «على الارض» وليس فقط عبر تجهيز الماكينات كما حال احزاب المنظومة التي تنبهت لذلك في اللحظات الاخيرة وبعد ورود معلومات لديها بأن الانتخابات قائمة، وستشهد الفترة المقبلة تبلورا اكبر للاستعدادات، ولدى الحراكيين قناعة أيضا سبقت بها المنظومة، قد تكون بناء على رغبات وحتى آمال، بأن لا إرجاء للانتخابات وبضغط دولي يجبر المنظومة الحاكمة على اجراء هذا الاستحقاق الذي لا ترغب به.