بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الأول 2021 12:02ص دراسة قانونية لقرارات المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت (2/2)

حجم الخط
... تقدم مؤخراً الوزير المشنوق بدعوى رد المحقق العدلي بيطار للإرتياب المشروع... مع التنويه أنه فور إبلاغ المحقق العدلي بهذه الدعوى تكفّ يده عن التحقيقات لحين الفصل بدعوى الرد.

- الإستنسابية في تطبيق القانون:

لوحظ أن المحقق العدلي بيطار قد طبق قانون القضاء العدلي لجهة أصول ملاحقة القضاة المرتكبين، إذ أرسل الملف المتعلق بالقضاة المشتبه بهم إلى النائب العام التمييزي لملاحقتهم على حدة، وحتى أنه لم يتم التشهير إعلامياً بهؤلاء القضاة.

في حين أن القاضي بيطار قد خالف الدستور وقانون أصول محاكمة الرؤساء والوزراء لجهة إصراره على الإدعاء والملاحقة بوجه رئيس حكومة ووزراء سابقين مع التشهير الإعلامي بهم.

رابعاً: في إفشاء سرية التحقيقات:

دأبت وسائل الإعلام المرئية ومواقع التواصل الإجتماعي على نشر تفاصيل التحقيقات التي يقوم بها المحقق العدلي بيطار وأسماء المدعى عليهم والجرائم المنسوبة إليهم وكل ذلك نقلاً عن مصادر «مقربة من المحقق العدلي» الذي لم يصدر أي نفي لذلك.

حتى أن أحد المدعى عليهم قال «عرفت بالإدعاء ضدي من خلال وسائل الإعلام ...».

وكل ذلك مخالف لنص المادة /53/ أصول محاكمات جزائية التي تمنع نشر أي شيء يختص بالتحقيقات ما عدا القرار الظني الذي يصدره قاضي التحقيق بعد إختتام تحقيقاته.

مؤخراً تسرّب خبر تواصل المحقق العدلي المذكور مع مسؤول كبير في أحد الأحزاب.

خامساً: مخالفة أصول التحقيق الإستنطاقي:

من البديهي في التحقيقات الأولية والإستنطاقية أن يحدد أولاً ماهية الإنفجار (نوع المواد المتفجرة ووزنها) ومسرح الجريمة والأضرار الناتجة عن الإنفجار وتحديد سبب الإنفجار ومسبباته ثم تحديد المشتبه به أو بهم بالإنفجار وبعدها تحديد مسؤوليات الوزراء والضباط والموظفين كمهملين لمهامهم في تفادي حصول هذا الإنفجار.

على أن يوضح للرأي العام (نظراً لهول الإنفجار وفداحة الخسائر) على الأقل بأنه توصل إلى معرفة سبب الإنفجار والمشتبه بهم في تفجيره (كما يسرب للإعلام تفاصيل أخرى تتعلق بالوزراء).

إلا أن المحقق العدلي بيطار إختار الشعبوية وبدأ يسرب لوسائل الإعلام بأنه إدعى على رئيس الحكومة والوزراء وكبار الضباط ... ليكسب شعبية خاصة من قبل أهالي ضحايا الإنفجار.

وكذلك خالف المحقق العدلي الأصول عندما اجتمع علناً مع وفد يمثل أهالي الضحايا (الجهة المدعية) دون وجود لأي من المدعى عليهم أو إبلاغهم عن هذا الإجتماع.

أكثر من ذلك، فإن الجرائم التي يمكن أن يلاحق بها الوزراء وكبار الضباط هي جرائم إهمال لوظيفتهم وتتصف بالجرائم غير القصدية وهي الإهمال الوظيفي والتسبب بالوفاة والإيذاء بسبب الخطأ وهو عدم إتخاذ إجراءات لمنع حصول الإنفجار، الجرائم المنصوص عنها في المواد /564/ و/565/ عقوبات.

إلا أن المحقق العدلي قد تشدد في ملاحقتهم بأن أسند إليهم جريمة القتل قصداً وفقاً للقصد الإحتمالي المنصوص عنه في المادة /189/ عقوبات أي أنهم تراءت لهم النتيجة بأنه سوف يقع الإنفجار وقبلوا بهذه النتيجة إن حصلت، وبالرغم من ذلك إمتنعوا عن إتخاذ الإحتياطات لمنع وقوعه.

وهنا لا بد من التمييز بين الجرم غير القصدي (عقوبة أخف) والجرم القصدي وفقاً للقصد الإحتمالي.

القصد الإحتمالي:

تنص المادة /189/ عقوبات:

«تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة».

هنا أراد المشترع التشدد في العقاب عندما اعتبر الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة.

ونظراً لدقة مفهوم القصد الإحتمالي وما تترتب عليه من نتائج خطيرة، منها أن يجرم الفاعل بجرم قصدي بالرغم من كون فعله يشكل فقط إهمالاً ولكنه إهمال مقرون بتوقع نتائجه والقبول بها إذا حصلت.

لذلك، يقتضي أن ينصب الإثبات على أن الفاعل توقع نتائج فعله أو عدم فعله فقبل بها إذا حصلت.

(القانون الجنائي العام، جزء أول، النظرية العامة للجريمة، مصطفى العوجي، ص610).

هنا يصعب التمييز بين القصد الإحتمالي الذي يمكن أن يحول الإهمال أو عدم التصرف إلى فعل قصدي وبين الجريمة غير المقصودة:

فالمادة /191/ عقوبات تنص:

«تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها».

فالإهمال يعني أن يقف الجاني موقف سلبي فلا يتخذ واجبات الحيطة والحذر التي كان من شأن إتخاذها الحيلولة دون وقوع النتيجة وهو يتمثل في ترك أمر واجب أو الإمتناع عن أمر يجب أن يتم. (تمييز جزائية، موسوعة الإجتهادات الجزائية، سمير عاليه، ص.518).

وللمصداقية فإن ملاحقة المدعى عليهم بتفجير المرفأ بتهمة القتل وفقاً للقصد الإحتمالي يتوقف على معطيات التحقيقات ومضمون الكتب التي كانت تصلهم عن المواد المخزنة في المرفأ وهل ورد فيها:

- ماهية المواد المخزنة؟ طبيعتها؟؟

- إذا لم تنقل هذه المواد أو يصار إلى حل لها سوف يقع إنفجار فيها (أي ذكر تفاصيل تتعلق بحصول الإنفجار إذا لم تتخذ إجراءات معينة مع ذكر هذه الإجراءات)؟؟

- في هذه الحالة فقط يلاحقون قصداً وفقاً للقصد الإحتمالي... 

- وإلا لا يلاحقون إلا لإرتكابهم خطأ الإهمال مما تسبب بوقوع ضحايا وإصابات وهي جرائم غير قصدية سنداً للمادة /191/ عقوبات.

مع يقيننا الأكيد بأن كافة المسؤولين في لبنان لم يكونوا على دراية بطبيعة المواد المخزنة ومخاطر تخزينها وإمكانية إنفجارها... فتكون مسؤوليات رئيس الحكومة والوزراء - في حال لوحقوا أصولاً - مؤلفة لجرم غير قصدي.

وهنا يثبت مرة أخرى المحقق العدلي بيطار عدم حياديته كقاضٍ نزيه حتى في مواد الإدعاء، وبالتالي تتوافر كافة شروط دعوى الرد ضده.

سادساً: أخيراً نبذة عن المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزارء:

صدر القانون 13/90 الذي نظم أصول المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وأهم ما جاء فيه:

- يقدم طلب الإتهام بموجب عريضة يوقع عليها خمس أعضاء المجلس النيابي على الأقل تحمل إسم المتهم والجرم المنسوب إليه وسرداً للوقائع والإثباتات.

- يقرر المجلس النيابي بعد الإستماع إلى مرافعتي الإدعاء والدفاع بالأكثرية المطلقة من أعضائه منع المحاكمة أو إحالة المتهم إلى لجنة نيابية خاصة تدعى لجنة التحقيق تتألف هذه اللجنة من رئيس وعضوين تنتخب من المجلس النيابي وتصدر قرارها.

- بعدها يلتئم المجلس النيابي ويستمع إلى مرافعتي الإدعاء والدفاع وتقرير لجنة التحقيق، ثم يصدر قرار الإتهام ثلثي مجموع أعضائه ثم تحال القضية إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

على المجلس الأعلى البت بالقضية خلال مهلة شهر كامل قابلة للتجديد لمرة واحدة ولا تكون جلساته قانونية إلا إذا حضرها كافة أعضائه الخمسة عشر وتكون المحاكمة علنية ولا يمكن تجريم المتهم إلا بغالبية عشرة أصوات، وباءستثناء خرق الدستور والخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتبة على رئيس الحكومة والوزير يكون المجلس الأعلى مقيداً بالقانون في وصف الجرائم وفي تطبيق العقوبات.

عند تجريم أحد المتمهمين على المجلس أن يصدر قراراً بإقالته من منصبه.

لا تقبل قرارات المجلس الأعلى أي مراجعات سوى إعادة المحاكمة.

خلاصة الدراسة:

قبل ختام هذه الدراسة لا بد أن نؤكد على ضرورة الوقوف إلى جانب القاضي طارق بيطار لأن ذلك يحافظ على ما تبقى من هيبة للدولة ونزاهة القضاء المستقل.

– لقد حاولنا في هذه الدراسة إلقاء الضوء على القرارات التي اتخذها المحقق العدلي بيطار وتفنيدها لمعرفة مدى توافقها مع الدستور والقوانين المرعية الإجراء.

– واعتمدنا في دراستنا على نصوص الدستور والقوانين دون التطرق إلى التحليل السياسي أو الشخصي أو أي إعتبار آخر.

– وبيّنا في هذه الدراسة أن القاضي بيطار قد أصاب في بعض القرارات والإدعاءات، إلا أنه خالف مواد الدستور وقانون أصول محاكمة الرؤساء والوزراء التي أكدت على أن لا إختصاص للقضاء العدلي بملاحقة رئيس الوزراء والوزراء الحاليين أو السابقين طالما أن أعمالهم - المشكو منها - تتعلق بوظائفهم الحكومية.

– إن ما يهمنا كمكتب للمحاماة والإستشارات القانونية أن يعمد المحقق العدلي إلى كشف الحقيقة الكاملة في ملف تفجير المرفأ:

من جلب النيترات إلى مرفأ بيروت، ولمصلحة من تم تخزينها، وسبب إنفجارها، ومن فجرها، أي معرفة المدعى عليهم الحقيقيين لهذا الإنفجار، بالإضافة إلى ملاحقة كل موظف مسؤول عن إهماله مهما علا شأنه ووظيفته شرط أن تتم الملاحقة والمحاسبة وفقاً للدستور والقوانين دون أي كيدية سياسية أو حزبية أو شخصية وعلى مبدأ كشف الحقيقة كاملة بعمل قضائي شفاف وعادل بين كل فرقاء الدعوى.