بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيلول 2019 12:00ص دعوا الأساتذة وشأنهم!

حجم الخط
الهيمنة الأقوى والسطوة الاقسى في مجتمعنا خصوصاً هي لثلاثة سلاطين هم: المال والجمال وأمر واقع يفرض نفسه من الداخل والخارج على السواء. فهم الحكام المستبدون الذين لا مردّ لأمرهم والذين يتحكمون في تصرفات النّاس وأمورهم، كبيرهم وصغيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، فقيرهم وغنيهم، جاهلهم وعالمهم، مؤمنهم وملحدهم، ولا يكاد أحد يفلت من بطشهم وسطوتهم. لنتوقف هنا عند المال!

يسعى اغنياؤنا قبل فقرائنا إلى المال، يدأبون ليل نهار في سبيل جمعه، يركضون ويلهثون وراءه، يخدعون ويغشون، يخونون الصديق ويغدرون بالقريب في سبيل الحصول عليه، يسرقون، يحتالون، يهرّبون المخدرات ولو كان الضحية مواطنيهم، يتاجرون بالاسلحة ولو فنيت الشعوب، يزحفون وراءه مطأطئي الرؤوس والهامات كأنه إله وثني يضحون من أجله بكل شيء، بالمبادئ والكرامة والوطنية والناس كافة. ولا ينجو من بطش هذا الحاكم الطاغية لا ذوو القربى ولا ذوو الأرحام، فهذا يقتل جدته ليستولي على مالها وذاك يسمّم أباه ليرث ثروته، وهذه تطرد اباها بعد ان تستولي على ماله وتلك تتآمر على حياة أمها لتلتهم ذهبها ونفائسها وإذا اردت المزيد من الأمثلة عليك بالصحف والمجلات فهي مملوءة بمثل هذه القصص والمآسي.

والساهرون على العدل والقانون ليسوا في منجى من جبروته أيضاً. فكم من محامٍ باع الحق حين رأى بريق الذهب وكم من قاضٍ حكم بالباطل في سبيل حفنة من المال مطبقين المثل القائل: تغرق الحقيقة حين يعوم الذهب. وكم من رجل دين اعرض عن إله السماء وحالف سلطان الأرض الأوّل وهو المال!

قلة هم في العالم من لم يستطع المال ان يفتنهم، فالفيلسوف سبينوزا وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم من الذين لهم رصيد كبير من المثل والاخلاق هم نادرون والندرة لا يقاس عليها.

كيف يعقل ان يغدو هدف إنسان فرد وقبلته وخصوصاً في صفوف «الكبار»، المال والمال وحده؟ فالثراء لا يمنح سعادة ولا خلوداً. فالتاريخ يخلد الشهداء والعظماء ورجال الفكر فقط، والسعادة ليست باكتناز المال فقد يكون الفقير بقناعته أسعد من الغني بجشعه والمتعبد في تقواه قد يكون اوفر سعادة من الغني بمجونه وصاحب الكوخ أكثر رضى من الغني بقصره والراهبة في ديرها وعفتها وتضحياتها هي أكثر سعادة من الغنية بانانيتها واستهتارها فالسعادة نسبية تختلف من فرد إلى آخر وهي تكمن في التوفيق بينها وبين الفضيلة.

ليست الحياة الفعلية تبادل ماديات شبه متساوية القيمة أو القدر، وإنما هي على الخصوص عمل صامت متجرّد نزيه واندفاع في ميدان الواجب في رغبة صادقة واخلاص موصول. والعمل المخلص الصامت هو أساس المجتمع وتطويره وهو لا يُقابل بقدْر. والأستاذ الجامعي الذي من المفترض انه أساس كل مجتمع واساس تطوره لا يبادل بالانتقاص من حقوقه الأوّلية. انه باني الأسرة وخالق الوطن وموجِد ابطاله ومشجع رجاله وحارس الفضيلة لأنه مدخل أساسي إلى مدارس الحياة، فمن عصير فكره تستمد الأجيال عناصر النمو وتستجلي صور الطهارة ومن بين شفتيه تلتقط نغمات الرقة وآيات الصدق والإباء وعلى ساعده تتلقى مبادئ التربية المدنية والاخلاقية وتتزوّد وسائل الفوز وأسباب النجاح.

الأستاذ الجامعي، ومعه معلمو المدارس، شأنه ان يجنبّنا الفساد والافساد والأزمات الاقتصادية والسياسية، فلندعه أقله وشأنه، ولنستهدف بالحري الفاسدين والمفسدين الحقيقيين.