بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 حزيران 2020 07:25ص دم ودموع وحوارات من بيروت إلى سويسرا

الحوار اللبناني ــــ اللبناني 1943ــــ 2020 :وطن على حد الأزمات (2/4)

من الحوار في سويسرا عام 1983 من الحوار في سويسرا عام 1983
حجم الخط
كما كانت حوارات اللبنانيين تنتج في أحيان أزمات شكلت مدخلا لانقسامات وازمات  كبرى ..وحتى لحروب ،كانت تنتج في أحيان أخرى مدخلا لحلول او سلام .

وفي كل الحالات ،ثمة حقيقة لا بد من الاعتراف بها ، وهي ان الحديث الدائم والتشديد باستمرار على العمل من اجل الوفاق والحوار له معنى واحد هو ان هناك ازمة يجب العمل على توفير الحلول لها .

واللبنانيون في كثير من «عمليات» حواراتهم في مختلف الأزمنة ، كانت تتم برعاية اجنبية ،كما كان الحال في زمن القائمقاميتين او زمن المتصرفية  .  

مع وصول الرئيس سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية في العام 1970، بدت الأمور وكأنها تؤذن بولادة مرحلة جديدة وواعدة، لكن التطورات الدراماتيكية حالت دون ذلك، حيث كانت المؤشرات تدل على أن لبنان والمنطقة يدخلان مرحلة جديدة من التأزم مع حصول سلسلة من التطورات السلبية كان أبرزها: - إندلاع الأزمة الفلسطينية - الأردنية الدامية عام 1970، ثم إنهاء الوجود العسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية في الأردن عام 1971 وانتقال عمل المقاومة بثقله السياسي والعسكري الى لبنان، ثم كان العدوان الاسرائيلي الواسع النطاق على العرقوب عام 1972. - وفاة الزعيم العربي جمال عبد الناصر في أيلول 1970، مما أفقد لبنان صديقاً عربياً كبيراً، كان الزعيم العربي الوحيد القادر على ضبط الأوضاع، لتبقى الأوضاع على وتيرتها التصاعدية المتميّزة بحدة الانقسام الداخلي والتي كانت تترافق باعتداءات اسرائيلية تُرجمت في 10 نيسان 1973 باغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة أبو يوسف النجار، كمال عدوان، وكمال ناصر، فكان أن استقالت حكومة الرئيس صائب سلام، التي أعقبها اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية في ضواحي بيروت ليزداد الأمر تعقيداً، مع تطور هذه الاشتباكات الى أزمة حكم، بعد تكليف الرئيس فرنجية النائب أمين الحافظ بتشكيل حكومة جديدة لم تدم سوى أيام قليلة جداً.

بدء سياسة العزل والفيتو

في 25 تموز 1973، شكّل الرئيس تقي الدين الصلح حكومته الجديدة من 22 وزيراً وكانت الأكبر في تاريخ لبنان، لأنه أرادها أن تكون ممثلة لأكبر قدر من الاتجاهات السياسية في لبنان، ولهذا أطلق عليها حكومة كل لبنان. غير أن هذه الحكومة ولدت بعد أخذ ورد طويلين وفيتوات متبادلة، كان أبرزها وضع فيتو على تسلّم كمال جنبلاط وزارة الداخلية، فكان الحل الوسط بتولي مسؤولية هذه الوزارة من قبل النائب بهيج تقي الدين، الذي كان قد تصالح مع كمال جنبلاط قبل انتخابات العام 1972، إثر الخلاف الذي وقع بين الاثنين بعد انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1970 حيث أيّد تقي الدين المرشح للرئاسة الياس سركيس خلافاً لرغبة جنبلاط بتأييد الرئيس فرنجية. 

ظلّت الأمور على وتيرة مرتفعة من التصعيد بحيث صارت الساحة مهيّأة للانفجار، وكانت بداية فتيلها في شهر كانون الثاني 1975 بالعدوان الاسرائيلي الواسع على الجنوب، ثم اغتيال المناضل الوطني معروف سعد في شهر شباط، وفي 13 نيسان انفتح ميدان الحرب إثر شرارة بوسطة عين الرمانة، التي حاول الرئيس فرنجية معالجتها بتأليف حكومة عسكرية برئاسة العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي في 23 نيسان، لكنها انهارت بعد ثلاثة أيام فقط، لتبقى الأزمة الدموية في سباق مع الرعب والموت الذي يحصد الناس.. والوقت أيضاً. 

وفي 28 أيار كلّف الرئيس رشيد كرامي بتشكيل الحكومة الجديدة، فأصرّ كمال جنبلاط والقوى الوطنية والتقدمية على إبعاد حزب الكتائب عن الحكومة، فيما أصرّ حزبا الكتائب والوطنيين الأحرار على المشاركة، وفي النهاية شكّلت حكومة جديدة استبعد عنها أي ممثل لجنبلاط أو للكتائب. 

لم يحل قيام الحكومة دون تطور الاشتباكات وتعددت الأصوات المطالبة بالحوار الوطني، فكان أن أعلن الرئيس كرامي عن تشكيل هيئة الحوار الوطني في 24 أيلول وتألفت من شخصيات تمثل مختلف القوى والتوجهات السياسية والاجتماعية في البلاد، بغية الوصول الى اتفاق علّه يشكّل مدخلاً صالحاً لحل الأزمة المتفاقمة. 

وعقدت هذه الهيئة أول اجتماع لها في 25 أيلول وأجمع الأعضاء على ضرورة إعادة الأمن والحياة الطبيعية الى لبنان والتمسك بصيغة التعايش ووحدة الشعب والأرض وطناً للجميع، كما شكّلت لجان مختلفة لوضع تصوّر لإصلاح سياسي ودستوري في البلاد، كان أبرزها لجنة الاصلاح السياسي، لكن كل ذلك لم يحل دون مزيد من تدهور الأوضاع حيث مورست أبشع أنواع عمليات الخطف والقتل والدمار. وبعد عدة لقاءات واجتماعات سواء لهيئة الحوار أو للجان المختلفة، عقدت هيئة الحوار الوطني اجتماعاً في 24 تشرين الثاني فتغيّب عنه كميل شمعون وكمال جنبلاط، مما دفع الرئيس صائب سلام والعميد ريمون إده للانسحاب منه، فانفرط عقد الهيئة نهائياً دون أن تتمكّن من التوصل الى أي نتيجة. 

يُذكر أنه في الرابع من تشرين الأول من عام 1975 كانت قد عُقدت قمة إسلامية - مسيحية في بكركي ثم في دار الفتوى، وكان الجو رائعاً، كما خرجت بتوصيات إجماعية تؤكد التمسّك بصيغة العيش المشترك والسيادة الوطنية ورفض التقسيم، كما دعت الدولة الى استعجال الاصلاح واستعمال أقصى ما يخوّلها إياه القانون، لكن كل ذلك لم يؤدِ الى التهدئة، فاستمرت الأوضاع على تدهورها. 

جبهات.. وتحالفات 

خلال ذلك استمرت ولادة الجبهات السياسية المختلفة، ففي 13 كانون الثاني 1976 أُعلنت ولادة جبهة الحرية والإنسان في الكسليك، بعد أن كانت الحركة الوطنية اللبنانية قد أعلنت في السابق قيام صيغة ائتلافية للقوى والأحزاب والحركات الوطنية والتقدمية اللبنانية تحت اسم المجلس السياسي المركزي، وفي ما بعد تحوّلت جبهة الحرية والإنسان الى الجبهة اللبنانية، وفي 11 تموز 1976 أُعلن عن ولادة جبهة الاتحاد الوطني التي ضمّت الرؤساء: رشيد كرامي، صائب سلام، أحمد الداعوق ورشيد الصلح، النائب مخايل الضاهر، النائب ألبير منصور، أمين بيهم، الدكتور نجيب قرانوح وغيرهم من الشخصيات، ولاحقاً ولدت الجبهة القومية في مواجهة المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية برئاسة كمال شاتيلا. وبالرغم من أن سنة 1976 حفلت بعدة تطورات من أبرزها إعلان الرئيس سليمان فرنجية للوثيقة الدستورية في شهر شباط وانقلاب عزيز الأحدب في آذار، والمطالبة بتقصير ولاية الرئيس فرنجية بواسطة عريضة وقعها 66 نائباً، ثم انتخاب الرئيس الياس سركيس لرئاسة الجمهورية الذي كان قد سُبق بحرب الثكنات وانقسام الجيش اللبناني، لكن الأوضاع الدامية استمرت على تدهورها ولم تفلح كل محاولات الحوار التي سعي إليها على المستوى الداخلي أم على المستوى العربي والدولي، فشهدت هذه المرحلة مزيداً من اتساع الحرب ولم تنجح مساعي التسوية، وتمّت حركة تهجير واسعة من كل المناطق بالرغم من كل التدخلات. 

وفي مطلع شهر أيلول عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً قرروا بموجبه عقد قمة خاصة بالأزمة اللبنانية في النصف الثاني من شهر تشرين الأول، فعقدت في القاهرة، ثم تحوّلت هذه القمة الى قمة سداسية عُقدت في الرياض في 18 تشرين الأول وضمّت كلاً من: مصر، سوريا، فلسطين، الكويت، المملكة العربية السعودية، ولبنان، فتقرر في هذه القمة حلّ الأزمة اللبنانية، وتقرر إنشاء قوات الردع العربية، ووقف القتال في صورة نهائية والالتزام به التزاماً كاملاً من جميع الأطراف، وفتح جميع الطرقات والمعابر، كما قرر المؤتمر الالتزام بإزالة آثار النزاع والأضرار التي حلّت بالشعبين اللبناني والفلسطيني، وتنفيذ اتفاق القاهرة وملاحقه. 

.. وانفرط العقد

في مطلع شهر كانون الثاني 1977، توحّد مسلحو الميليشيات المسيحية بقيادة بشير الجميّل تحت اسم «القوات اللبنانية»، وفي الثالث من شباط حدث تطوّر هام في موقف كمال جنبلاط بشأن تأييده الرئيس سركيس، حيث أعلن أن «سركيس يعمل بإخلاص من أجل الانتقال بلبنان بصورة نهائية الى حالته الطبيعية»، لكن هذا الموقف الجنبلاطي لم يتسنَ له أن يتطوّر أكثر لأنه اغتيل في شهر آذار 1977. 

كان سباق الرئيس سركيس لتكريس السلام في لبنان يواجه تحديات خطيرة، بتمسّك كل طرف بموقفه، ولم يستطع الحوار اللبناني - اللبناني أن يتقدم، وفي شهر أيار وقع الصدام الأول بين القوات اللبنانية والجيش السوري في قرية «بلا» بالشمال، لتتصاعد بعده الصدامات تدريجياً والتي كانت تترافق مع تصعيد الاعتداءات الاسرائيلية، على أن المحطة الأخطر كانت في 19 تشرين الثاني 1977 حينما زار الرئيس المصري أنور السادات القدس المحتلة، فكانت هذه الزيارة بالنسبة الى لبنان زلزالاً قلب الكثير من المعادلات، تُوّجت في 14 آذار عام 1978 بعدوان اسرائيلي واسع على الجنوب تحت اسم «عملية الليطاني»، وأعلنت على أثره تل أبيب تنصيب الرائد العميل سعد حداد مسؤولاً عن المنطقة التي احتلتها. لتتصاعد وتيرة الصدامات الداخلية، ففي حزيران 1978 اغتالت «القوات اللبنانية» النائب طوني فرنجية وزوجته وابنته، كما هزّت الطائفة المارونية تجربة ثانية هي عملية الصفرا التي أدت في 7 تموز 1980 الى تصفية التنظيم العسكري لحزب الوطنيين الأحرار. وطوال الحرب الأهلية لم تنفع كل محاولات الحوار، وكانت الخلافات في كل منطقة تصل أحياناً الى الصدام المسلّح، والحوار الذي كان يعقبه هدوء مؤقت لم يكن أبداً من صنع اللبنانيين، بل كان نتيجة تدخلات ومساعٍ عربية. واستمر الوضع على هذا الشكل التراجيدي حتى مطلع حزيران عام 1982، حيث كان العدوان الاسرائيلي الواسع على لبنان والذي تُوّج باجتياح العاصمة بيروت، وكان ذلك إيذاناً بدخول الصراع في لبنان مرحلة جديدة شهدت مزيداً من القتال والنزيف الداخليين، الذي كان دائماً يرافق بحوار وحوار داخل وخارج لبنان، لكنه لم يؤدِ الى نتيجة، فظل السلام بعيداً. 

نحو مرحلة جديدة

مع إطلالة ثمانينيات القرن الماضي كانت بوصلة التطورات اللبنانية تؤشر نحو مزيد من الانقسام والتفرقة وتدهور المؤسسات، وتراجع اي فسحة للحوار، ووصل الامر بعد الاستيلاء على أثير الهواء، بقيام إذاعات خاصة، إلى السيطرة على أقنية الهواء، والانفصال عن الدولة، فكانت محاولة قيام محطة تلفزيونية من قبل «القوات اللبنانية» فتصدى لها رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان على اعتبار أن كل الاقنية هي حق حصري لتلفزيون لبنان، فكان أن خطف لعدة أيام في محاولة للضغط من أجل قيام محطة تلفزيونية خاصة شهدت النور في العام 1986. وفي محاولة سباق بين التصعيد العسكري بين الميليشيات المختلفة من جهة، ومحاولات لوقف التدخل الاسرائيلي الذي اصبح مباشراً في الشؤون الداخلية اللبنانية، جرت محاولات لوقف التدهور كان أبرزها مؤتمر بيت الدين في تموز 1981 والذي عقد برعاية عربية تمثلت بحضور ورعاية عربية سعودية، سورية وكويتية، وقدمت الى المؤتمر وثيقة من الرئيسين الياس سركيس وشفيق الوزان تمثل البرنامج السياسي لحل الازمة اللبنانية وبرنامج زمني لتأهيل الجيش اللبناني، كما تضمنت هذه الوثيقة الإجراءات الضرورية لخلق المناخ الملائم لتنفيذ البرنامج السياسي وبرنامج تأهيل الجيش، لكنها لم تفلح. 

لبنان في الزلزال الإسرائيلي 

ما أن أطل عام 1982، وهو عام الانتخابات الرئاسية، حتى كان لبنان قد اصبح على خط الزلزال، وبدأ طرح الأسماء التي يمكن أن تخلف الرئيس الياس سركيس، والذي ترافق مع تدخل اسرائيلي واسع في الشؤون اللبنانية. وصلت الى حد بدء كبار المسؤولين الاسرائيليين بزيارة لبنان بصورة سرية، ويكشف الوزير السابق بقرادوني عن اجتماع عقد مع وزير الدفاع الاسرائيلي آنئذ في منزل بشير الجميل في الاشرفية، في شهر كانون الثاني   1982، حضره بالإضافة إلى بشير: بيار الجميل، وكميل شمعون وعدد من المساعدين. وفي هذا الاجتماع أبلغ شارون المجتمعين أن ثمة قراراً اسرائيلياً بتدمير البنى التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن البحث يدور داخل الحكومة الإسرائيلية حول عمليتين: واحدة محدودة ذات بعد أمني تقضي على الآلة العسكرية الفلسطينية في جنوب لبنان وتصل الى الليطاني، وثانية كبيرة ذات بعدين أمني وسياسي، تدمر الآلة الفلسطينية في الجنوب وفي بيروت. وفعلاً جاءت محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن شلوموا رغوف في أول حزيران 1982 الشرارة التي تذرعت بها تل ابيب لبدء عملية اجتياحها للبنان في 24 حزيران والتي وصلت اندفاعاتها نحو بيروت. مع الساعات الاولى من بدء الاجتياح الاسرائيلي تحول تلميح بشير الجميل في العام 1981 الى امكانية ترشحه الى رئاسة الجمهورية، إلى حقيقة بإعلانه الترشح علناً، حيث تم انتخابه في المدرسة الحربية في الفياضية في 23 آب 1982. بعد أن جرت محاولات عدة للاتفاق على مرشح اجماع وطني لكنها لم تفلح، وقاطع هذه الجلسة 30 نائباً هم: جميل كبي، رشيد الصلح، زكي مزبودي، صائب سلام، فريد جبران، محمد يوسف بيضون، نجاح واكيم، عبد اللطيف بيضون، علي الخليل، نزيه البزري، ألبير مخيبر، توفيق عساف، ريمون إده، ناظم القادري، زاهر الخطيب، عبد المجيد الرافعي، عبد الله الراسي، هاشم الحسيني، ألبير منصور، خالد الرفاعي، حسن زهمول الميس، حسين الحسيني، عبد المولى أمهز، أحمد إسبر وسليم الداود. وجاء اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل قبل عشرة أيام من تسلمه مهامه الدستورية ليعيد الارتباك الى الاستحقاق الرئاسي، لكن سرعان ما تم الاتفاق على النائب امين الجميل كمرشح بديل فتم انتخابه في 8 أيلول، بعد أن كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي قد اندفعت ليل 14 - 15 أيلول إلى بيروت الغربية وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا. في 28 كانون الاول، وبعد مضي 96 يوماً على تسلم الرئيس امين الجميل مهامه الدستورية وقيامه بتحرك واسع كان ابرزه زيارته الى الولايات المتحدة الاميركية واجتماعه مع الرئيس رونالد ريغن، بدأت المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية برعاية اميركية في خلدة ونتانيا. وبعد 35 جولة من المفاوضات تدخل وزير الخارجية الاميركية جورج شولتز فكان اتفاق «السلام» المزعوم بين لبنان وإسرائيل فأقره مجلس الوزراء اللبناني في 14 أيار 1983 وفي 16 أيار أقره مجلس النواب بأكثرية 80 نائباً ومعارضة النائبين نجاح واكيم وزاهر الخطيب، وفي اليوم نفسه، أقره الكنيست الاسرائيلي بأكثرية 75 صوتاً وامتناع 45 ومعارضة 6 وفي 17 أيار وقع رؤساء الوفود اللبناني والإسرائيلي والاميركي الاتفاق موقعاً باللغات الثلاث: العربية والعبرية والانكليزية. 

مبادرات حوارية... 

ولكن منذ ذلك التاريخ بدأت المتاعب الفعلية واندلعت حرب الجبل التي شهدت اوسع عملية تدمير وتهجير، وعلى الاثر تحركت المبادرات الخارجية لوقف القتال وكان ابرزها المبادرة السعودية التي أوفدت الامير بندر بن سلطان الذي عمل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري من أجل وضع حد لهذا القتال المدمر، فأمكن التوصل الى وقف لإطلاق النار بعد إعلان من دمشق في 12 أيلول. وفي حين كان الامير بندر والرئيس رفيق الحريري يقودان المفاوضات مع دمشق، رفعت حكومة الرئيس الجميل شكوى الى مجلس الامن، وأعلنت واشنطن تعزيز اسطولها في المياه الاقليمية اللبنانية. في 26 أيلول قدم الرئيس شفيق الوزان استقالة حكومته، وفي الوقت الذي أعلن فيه وليد جنبلاط من دمشق نص وقف إطلاق النار في حضور وزير الخارجية عبد الحليم خدام والأمير بندر. في ظل هذه التطورات والحملات الإعلامية بين جبهة الخلاص الوطني وحركة «أمل» ، من جهة وبين الحكم في لبنان من جهة ثانية، وفي ظل تبادل واشنطن ودمشق الاتهامات، وقع في 22 تشرين الاول تفجير مجموعتين انتحاريتين مقر قيادة المارينز الاميركية، ومبنى فرقة المظليين الفرنسي، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى من الجنود الاميركيين والفرنسيين. 

حوار عند بحيرة ليمان 

وهنا اتضح أمام الرئيس الجميل أنه لا مناص من بدء مسيرة الحوار التي دعت إليها السعودية، فاتصل بالرئيس حافظ الأسد وبالملك فهد بن عبد العزيز موجهاً إليهما الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الوطني في جنيف الذي تقرر عقد أول اجتماعاته يوم 31 تشرين الاول بمشاركة: الرئيس امين الجميل، كميل شمعون، سليمان فرنجية، عادل عسيران، صائب سلام، رشيد كرامي، بيار الجميل، نبيه بري، ووليد جنبلاط، وبمراقبة وفد سعودي برئاسة وزير الدولة السعودي محمد ابراهيم مسعود، وقوامه السفير السعودي في بيروت احمد الكحيمي، ووفد سوري قوامه وزير الخارجية عبد الحليم خدام، بالإضافة الى رفيق الحريري. تركز البحث خلال المؤتمر على إلغاء اتفاقية 17 أيار كشرط لإنجاح الحوار اللبناني - اللبناني، لكن الرئيس أمين الجميل رأى أنه لا بديل عن الاتفاق بالنسبة الى لبنان في ظل الاوضاع الاقليمية والدولية السائدة. وبعد ثلاثة أيام أنهى المؤتمر أعماله بالاتفاق على هوية لبنان العربية وبفشل الاتفاق على إلغاء 17 أيار، ودعا البيان الختامي للمؤتمرين إلى الاستمرار في السعي لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي، كما تقرر عقد الجلسة الثانية من الحوار في 14 تشرين الثاني، لكن الحلقة الثانية من هذا الحوار لم تعقد، فاستمرت الاوضاع الداخلية بالتصعيد فحدثت انتفاضة 6 شباط عام 1984 التي اخرجت الجيش من مواقعه في بيروت الغربية والضاحية، وعلى الاثر اعلن الرئيس الاميركي رونالد ريغن سحب وحدات المارينز وانسحبت وراءها الوحدات المتعددة الجنسيات. وفي 5 آذار، عقد مجلس الوزراء جلسة تقرر بموجبها الغاء اتفاق 17 أيار واعتباره باطلاً وكأنه لم يكن، وبهذا الإلغاء أصبح الطريق مفتوحاً أمام جولة جديدة من الحوار الوطني والذي عقدته في 14 آذار 1984 في لوزان، حيث ركز المؤتمرون على وقف إطلاق نار فعلي وثابت وتأليف حكومة اتحاد وطني، وبعد بحث دام اسبوعاً لم يستطع المؤتمرون التوصل الى صيغة للإصلاح السياسي. وكل ما اتفق عليه كان تشكيل لجنة امنية عليا برئاسة رئيس الجمهورية أنيط بها تنفيذ خطة امنية لإقامة بيروت الكبرى وتشكيل هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد. حكومة وحدة وطنية في منتصف شهر نيسان 1984، وبعد زيارة الرئيس امين الجميل الى دمشق اتفق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، فكانت هذه الحكومة برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي وعضوية كل من: كميل شمعون، عادل عسيران، سليم الحص، نبيه بري، وليد جنبلاط، بيار الجميل، جوزف سكاف، عبد الله الراسي، وفيكتور قصير. تعثرت انطلاقة الحكومة منذ بدايتها، ما أضطر الرئيسين الجميل وكرامي الى الاستعانة بدمشق التي وافقت على ان تقوم بدور المرجعية، فمالت الامور نحو الحلحلة، وتقرر في 22 حزيران 1984 تعيين قائد جديد للجيش هو الجنرال ميشال عون، بدلاً من العماد ابراهيم طنوس، كما تقرر فتح مطار بيروت الدولي بعد توقف دام نحو 160 يوماً.

انتفاضات... ودماء 

وفشل الحوارات 

في 14 آب توفي مؤسس حزب الكتائب الوزير بيار الجميل، فانتخب خلفاً له ايلي كرامي في رئاسة الحزب، كما تم تعيين فؤاد ابو ناضر قائداً للقوات اللبنانية بدلاً من فادي افرام، فغدا الرئيس الجميل ممسكاً بكامل ورقة المنطقة الشرقية، وإثر قرار بإزالة حاجز البربارة في العام 1985، بدأ التحضير سرياً لانتفاضة على قيادة القوات اللبنانية، وعند فجر 2 آذار 1985، حصلت هذه الانتفاضة فأقصي ابو ناضر وشكل هيئة طوارئ بقيادة سمير جعجع وايلي حبيقة، وفي 9 أيار انقلب حبيقة على جعجع وتسلم قيادة القوات. في هذه المرحلة، بدأت مرحلة جديدة تجلت في مفاوضات بوشر فيها في دمشق بين «القوات» وحركة «امل» والحزب التقدمي الاشتراكي، وبعد مفاوضات وحوار طويلين امكن التوصل الى «الاتفاق الثلاثي» الذي وقع في أواخر كانون الاول 1985 في دمشق، وسط حضور سياسي لبناني كثيف في عاصمة الامويين، لكن هذا الاتفاق ما لبث أن أطيح به في انقلاب قاده سمير جعجع بالاتفاق مع الرئيس الجميل في 15 كانون الثاني 1986 فسقط الاتفاق الثلاثي وأخرج حبيقة من المنطقة الشرقية. 

يذكر أن سلسلة من التطورات كانت تحدث في غربي العاصمة لعل ابرزها حرب المخيمات التي اندلعت بين الفلسطينيين وحركة «أمل»، في تشرين الثاني 1985، ثم حروب الازقة والزواريب بين الحركة و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه التدهور الاقتصادي، والتراجع المريع في سعر صرف الليرة اللبنانية. وطال الانقسام رأس السلطة في لبنان بحيث لم يطل الشهر الثاني من عام 1986 حتى أعلن الرئيس رشيد كرامي مقاطعته لرئيس الجمهورية، وفي 10 آب وقع تمرد داخل «القوات اللبنانية» استمر يوماً واحداً، وأدى الى ازمة ثقة عميقة بين امين الجميل وسمير جعجع، وفي 27 أيلول فشلت محاولة ايلي حبيقة لاقتحام الشرقية، وفي 28 أيلول وقع الخلاف بين الجيش والقوات، ما ادى الى مقتل ضابطين من القوات، تبعه اغتيال قائد اللواء الخامس في الجيش اللبناني العقيد خليل كنعان فكان أن نشأت حالة من الشك بين العماد عون وجعجع. وجاء العام 1987، وكل أبواب الحوار كانت مغلقة، في ظل مزيد من الانقسامات. ومن الصراعات الداخلية خصوصاً بين حركة «أمل» و«الأحزاب» مع ازدياد في تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع مذهل في قيمة الليرة اللبنانية. ومع ازدياد تدهور الاوضاع الامنية في غربي العاصمة، كانت الاستعانة بالقوات السورية التي عادت للتمركز في بيروت ثم في الضاحية. وفي الاول من حزيران اغتيل الرئيس الشهيد رشيد كرامي بتفجير الطوافة التي كانت تقله من طرابلس الى بيروت. 


باختصار ،لقد اكتوى اللبنانيون من تكرار الأسئلة مع تجارب الحوار ،هل نحن امام هدوء ام امام لا إستقرار ،ام أمام هدنة او هدن ؟