أكثر من دلالة للتحركات الشعبية في ذكرى مأساة
المرفأ أمس الأول.
أولى الدلالات، حسب منظمي التحركات، أن القضية
في ذكراها الثانية لم تمت، لا بل أنها اتخذت زخما متجددا وإعادة انطلاقة وسط زخم
شعبي وإعلامي يتخذ قوته أولا وأخيرا من إصرار أهالي الضحايا ومن المصابين
والمتضررين من الكارثة.
ثانيا، أن النزول الى الشارع ليس فقط من أجل
العدالة في القضية، بل لوضع خارطة طريق عملية لآلية جديدة نواتها المطالبة بلجنة
تقصي حقائق دولية يشير المنظمون الى انه كان يُعمل عليها منذ سنة ونصف السنة.
وإذا كان هذا المطلب لقي دعما من 17 منظمة دولية
غير حكومية وفّرت البيانات المشتركة لذلك للتعريف بعدالة القضية خارجيا، فإن
الجديد والهام في الأمر أن الإتحاد الأوروبي المهتم بالقضية بات يعمل عليها في
التوازي مع اهتمام "هيومان رايتس ووتش".
ثالثاً، لا يعني هذا المنحى الجديد التخلي في
المقابل عن التحقيق المحلي. بل ه يهدف إلى الضغط على وزير المال في موضوع
التشكيلات القضائية لكي يتمكن المحقق طارق البيطار الذي أنهى معظم تحقيقه، من
المضي في سبيل القرار الظني (دون ذلك صعوبات كبيرة وكثيرة يعلمها الأهالي
والناشطون).
وبذلك سيتوازى هذا النمط الجديد من الحراك في
القضية، مع إثارة قوانين في المجلس النيابي من قبل النواب التغييريين لحماية
التحقيق والبيطار من طلبات الرد غير المنتهية التي بلغت العشرات، ولكي تكون مرجعيته
هي المجلس العدلي "وليس محكمة صورية من المجلس النيابي يشكلها من عليه شبهات
لا بل متهم في القضية". ويشير البعض الى انه سيتم طرح هذا الأمر في مجلس
النواب قريباً.
ثمة شعور عام لدى الاهالي بأن الدفع المحلي أضعف
من مواجهة المنظومة المواجهة للبيطار الذي ما زال مصرا على المضي في مهمته ويحظى
بتأييد من نزل أمس إلى الشارع، باستثناء الأهالي الذين انفصلوا عن التوجه العام
للآخرين وباتوا يطالبون بتنحي البيطار عن مهامه.
وهذا يعني أن قضية بهذا الحجم، حسب هؤلاء، باتت
في حاجة الى دفع خارجي، وقد وجد الأهالي إيجابية من دول الاتحاد الاوروبي كما من
دول من خارجه، لدعم لجنة التقصي.
وإذا كانت المناسبة ليست للبكاء، حسب هؤلاء، بل
لصياغة خارطة طريق عمليّة والمضي الى النهاية في القضية، كون "ليس لدينا ما
نخسره"، فإن هذا المطلب بلجنة تقصي
حقائق دولية من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بهدف حماية التحقيق، بات يحظى بدعم من ناشطي المجتمع المدني ومن تغييريين في
المجلس النيابي، وهم الذين كانوا تقدموا باقتراح القانون للحفاظ على الإهراءات في ظل التصدعات الحاصلة
واحتمال الانهيار لكن هذا الاقتراح سقط في مجلس النواب.
لكن لم يصدر أي موقف جامع من هؤلاء النواب
التغييريين الـ 13 وغيرهم من المستقلين حول هذا "التدويل"، بينما يحظى
المطلب بتأييد علني لا بل بدفع من قبل القوى المناهضة للحكم الحالي مثل
"القوات اللبنانية" و"الكتائب" ونواب في المجلس.
انتقادات لماكرون
باختصار، ستشهد المرحلة المقبلة عضّ أصابع بين
البيطار ومؤيديه من ناحية، ومعارضي التحقيق من ناحية مقابلة. ويأمل الأخيرون شراء
الوقت ويقول الناشطون إن "المنظومة الحاكمة تريد قتل القضية بالتقادم الزمني
وحرف القضية نحو إشكالات داخلية وتفسيرات لا تنتهي".
لذا فهو صراع إرادات بين الجانبين ومن المرجح أن
يبقى الحال على ما هو عليه في المرحلة الحالية بينما ستتصاعد المطالبات بالتدويل
من قبل الأهالي والناشطين وسط انتقاد كبير للدور الفرنسي على هذا الصعيد وللرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقول الأهالي إنه نكث وعوده التي أطلقها عند مجيئه
الى لبنان بعد ايام على انفجار المرفأ. وقد أوصل هؤلاء احتجاجهم هذا أمام السفارة
الفرنسية خلال إحياء الذكرى أمس الاول.