بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 نيسان 2020 07:09م «ذكريات مونديالية» من حرب لبنان.. يوم تحاور الأعداء لأن «البرازيل عم تلعب»!

تجتمع لمقاتلين حول تلفزيون صغير يعمل على بطارية سيارة لمتابعة المباراة تجتمع لمقاتلين حول تلفزيون صغير يعمل على بطارية سيارة لمتابعة المباراة
حجم الخط
إثر ليالي «الساحرة المستديرة» أواخر السبعينيات وفي حقبة الثمانينيات، لم يكن هدف اللبنانيين «الكأس الذهبية»، ولا كان دورهم يقتصر على التشجيع، بل كانوا يلعبون مبارياتهم على وقع تشجيع «أمرائهم» على القتال، تحت عناوين وشعارات مختلفة.

إلا أن الغريزة البشرية المحبة للحياة، والتي تستثير عند البعض مشاعر «جياشة» نحو كرة القدم ومشاهيرها من منتخبات وقادة ملاعب، جعلت مونديالات 1978، و1982، و1986، مناسبة للتلهي بلعبة أخرى مختلفة عن «لعبة الدماء». حينها كانت بيروت منقسمة على نفسها «شرقية وغربية»، تمامًا كما كانت برلين التي ولّد حائطها ألمانيتين شرقية وغربية.

مشاهدة مباراة مونديالية حينها كان أصعب من أي أمر بالقتال، لم يلتزم تلفزيون لبنان بنقل جميع المباريات، وتمنّع عن نقل نهائي مونديال 1978، بين المنتخب الأرجنتيني والمنتخب الهولندي، لأنها كانت تدار بصافرة إسرائيلية، وكان على متابعي اللعبة، محاولة التقاط بث قنوات قبرصية، تركية أو مصرية.

مونديال عام 1982، الذي أقيم في اسبانيا، كان له ذكريات خاصة في أذهان اللبنانيين، كونه تزامن مع الاجتياح الإسرائيلي الذي احتل بيروت، وحينها اعتقد الكثيرون أن توقيت الاجتياح المرافق لأول لقاءات المونديال كان من ضمن الترتيبات، نظرًا لانشغال الجميع بالحدث الكروي العالمي.

وعلى الرغم من القصف المتواصل والتوغل الإسرائيلي بين طرقات لبنان وعاصمته، كانت كل مجموعة من اللبنانيين، سواء أكانوا مقاتلين أم مواطنين عزّل، تجتمع حول تلفزيون واحد صغير يعمل على بطارية سيارة. حيث يلتقون حول سيارة يضعون فيها «كلاب» البطارية، ثم يصلونها بالتلفزيون «الأبيض والأسود» ويشاهدون مباراة المونديال.

وما كان لافتًا بعد ذلك المونديال، هو زيارة منتخب ايطاليا (حامل اللقب) الى لبنان، حيث كانت لديه مباراة في تصفيات كأس أوروبا مع قبرص، فقاموا بزيارة لرفع معنويات القوة الايطالية في الأمم المتحدة بعد هدوء الأوضاع وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي باتجاه الجنوب. ويذكر أن الشعب الفلسطيني فرح بفوز ايطاليا بكأس العالم، لأن إيطاليا حسب ما أُشيع وقتها، قامت بإهداء الكأس إلى المقاومة الفلسطينية ضد الحصار الإسرائيلي.

في عام 1986 أقيم كأس العالم في المكسيك، وكانت المباريات تبدأ عند التاسعة مساء بتوقيت لبنان. وكان يعتبر وقت المباريات «وقتًا مستقطعًا» لجبهات القتال، حيث قيل أن المتقاتلين على المحاور كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض، سواء بالصوت أو بالهواتف الأرضية أو الأجهزة اللاسلكية، يقولون: «اليوم في مباراة للبرازيل، فروقوها يا شباب حتى نحضر المباراة». 

ويروي بعض أبناء تلك الحقبة، أن بعض المباريات جمعت بين طرفي القتال حول سيارة واحدة، إلا أن هذه الهدنة الكروية لا تستمر الى ما بعد صافرة النهاية، هذه القصص تذكّر أيضًا بفترات الهدنة المتقطعة أيام الحرب العالمية الثانية حيث كان يلتقي الجنود الإنجليز بخصومهم الألمان، ليقيما مباريات كرة القدم «الودية»، ويتبادلان «السجائر» الى حين العودة كلّ الى متراسه.

كأس العالم كان يسكّن جراح اللبنانين حينها، ولو لـ 90 دقيقة فقط، لكن هذه القصص تبرهن أن سببًا بسيطًا يُسعد نقيضين، بإمكانه جمعهما ولو لبرهة، وبامكانه أن يترك ذكرى جميلة بين الركام ورائحة الدماء وأصوات الصريخ المرافق للمدافع ودموع الخوف من المجهول والموت غير المشروع.

ذكرى حرب لبنان الأهلية هذا العام مختلفة، حيث حلّت على اللبنانيين وهم في بيوتهم، ليس خوفًا من المدافع والرصاص، بل وقاية من عدو خفي لا يصيب الناس بحسب الهوية، وللمفارقة أيضًا، فحتى كرة القدم هذه المرة لم تكن رفيقة اللبنانيين في أيامهم الصعبة، بل حُجر روادها ولاعبوها أيضًا خلف شاشات هواتفهم، يتابعون مبارياتهم السابقة، آملين لهذه اللعبة أن تعود لتجمع المختلفين على وقع مداعبتهم للكرة.