بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تشرين الثاني 2021 12:01ص رثاء الأحياء

حجم الخط
 بقلوب مكسورة، وعقول مرتبكة، ونفوس تائهة، وعيون دامعة، وخواطر مجروحة، وكرامات مهدورة، وثقة مفقودة بالانفس والحاكمين، الحاضر قهر مستمر، المستقبل معدوم، المرضى بدون دواء، العيش اشبه بسكان القبور، الاطفال بدون حليب، الشباب بحالة هروب، كبار السن بلا ضمان، الشباب من الجنسين بلا زواج، خريجو التعليم بلا وظائف، البطالة منتشرة، وباء الكورونا حصد مئات الالوف، الوطنية في خبر كان، التبعية رائجة، والحقيقة ممنوعة، النقد جريمة، وقتل انسان وجهة نظر، والقضاء مقضي عليه، وتفجير نووي بسيطة، وشتم رئيس او زعيم يشعل حربا اهلية، وماذا بعد هذه اللائحة الكارثية انه رثاء الاحياء.

في لبنان هذا العهد والزمان وفي انظمة عربية اخرى لم تعد المفارقة كبيرة بين رثاء الاموات ورثاء الاحياء، كانت وجهتنا دائما رثاء الاموات من الاهل والاقرباء والجيرة والاصدقاء والزملاء واخوة النضال وشخصيات مرموقة، وقامات مجتمعية ووطنية يترك رحيلهم وموتهم أسى شديد وحزن عميق وبات الرثاء يصوب للاحياء القابعين في اوطانهم بالخوف والمشردين من اوطانهم نازحين او لاجئين الى بلاد اخرى طلبا للامن والامان ولأبسط مقومات الحياة التي من المستحيل ان يعيش الانسان بدونها، المياه ومنها كل شيء حي، النار التي تزيل العتمة والكلاء الغذاء وارتفاع اسعاره، والناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ. فالمواطن اللبناني المبتلى بالتركيبة السياسية الحاكمة والذي يتقاطع بالبلاء مع كثير من اشقائه في دول عربية اخرى بسبب الجور والطغيان والاستبداد، فالموت الاول قرار الهي لا راد له، اما موت الاحياء فهو قرار الظالم والظالمين للمظلومين، والمستقوين على المستضعفين والمستتبعين على الوطنيين والمقامرين بالوطن والمواطنين من اجل كرسي الحكم والحكومات واحتكار السلطة والمواقع ونهب الاموال والودائع والمدخرات.

لبنان الوطن يجري تحليله وتفكيكه ويساق الى التقسيم والتفتيت وقاب قوسين أو أدنى من الزوال، انه في اسوء واقبح حالاته والمصيبة الكبرى ان المتحكمين بمقدراته لا يعتبرون ولا يرون ولا يسمعون، في قلوبهم مرض وفي عقولهم خرف لا يدرون ما يفعلون، فالتاريخ سوف لن يجد من التعابير لوصف زمانهم. اما لبنان المواطن وضعوه بين حالتين، الاعدام او المجاعة وعليه احد الخيارين والا فهو ارهابي او امبريالي وعلى الموقع الاخر ايراني فارسي او تركي عثماني. ويبقى الشعار المرفوع كذبا وخداعا وتجارة. اي لبنان نريد ؟!

هذا حال لبنان ومواطنيه والقاطنين فيه، لكن ما هو حال المواطنين في معظم بلدانهم العربية، الفرق ان الاول مكشوف بديمقراطية مزيفة واعلام مؤمم لحساب دول خارجية اقليمية ودولية، اما الثاني مستور، كشفه خيانة وتداوله مؤامرة وبات السؤال الموضوعي لستر المكشوف وكشف المستور، هل لدول المشرق العربي قائمة؟! ؟! ؟!

لنلقي نظرة على امم غيرنا في هذا الزمن العجائبي لعلنا نتعلم ونتعظ ونستوعب ونقلد غيرنا بما هو مفيد وحضاري لا بما هو مذل ومدمر، ولنا في تكتل الدول والاتحادات والاحلاف والمحاور الامثلة في التعاون والتضامن والشراكة وحفظ الامن والردع المشترك ما يحفظ الاوطان وشعوبها وتقدمها ولعل الاتحاد الاوروبي احد هذه الامثلة الساطعة. فالاتحاد المذكور بدأ تكوينه عام 1957 من 6 دول اوروبية وتوسع ليضم بزمن قليل 28 دولة عضو، عشرون منها جمهورية و6 ملكية وواحدة دوقية انضمت مؤخرا العام 2013 عضوية الاتحاد مفتوحة لكل دولة اوروبية مستقرة تقبل التزاماتها، حرية، ديمقراطية، سيادة القانون وحقوق الانسان. لا يطرد احد من العضوية بل تعليق حقوق معينة، الانسحاب من الاتحاد مسموح، انسحاب بريطانيا مؤخرا فيه 31 كانون الثاني 2020. 

 في الاتحاد الاوروبي تاشيرة دخول اوروبية واحدة تتيح لحاملها من كافة الناس الدخول لكل دولها دون خوف او اشتباه، قطار اوروبي واحد يلف بكل دوله بامن وامان وبدون مراكز وعوائق حدودية وممراتهم سالكة بدون رشوة ولا ابتزاز. عملة اوروبية واحدة باسم واحد ( اليورو ) دونه سائر العملات لامم اخرى وبرلمان واحد لكل دول الاتحاد وشؤونه وشجونه يدرس ويبحث ويناقش ويشرع لكل متطلبات وقضايا الاتحاد وهكذا اعتصموا ببعضهم وما تفرقوا فاستحقوا القوة والتقدم والاحترام.

هذه دول خاضت ضد بعضها الحربين العالميتين وجرى احتلال احداها للاخرى كاحتلال المانيا لفرنسا وعاصمتها باريس، لا تجمع بينها لغة واحدة ولا قومية واحدة ولا عرقا واحدا بل مصلحة واحدة ومصالح مشتركة وامنا واحدا ودفاعا مشتركا واحدا ومن اجل اوطانهم وشعوبهم اتحدوا وفي الاتحاد قوة وفي الفرقة والانقسام ضعف وهوان وحروب وصراعات دموية كما نراه ساطعة في دولنا العربية البائسة والمتخاذلة والتي اصبحت الان اسيرة حالات طائفية ومذهبية وعرقية واثنية ودول فاشلة وتابعة ومستتبعة لامم ودول اخرى لن تشفع لها وحدة الارض ووحدة التاريخ والجغرافيا الواحدة وما انعم الله عليها من ثروات كالنفط والغاز الذي جعل منها اغنى الدول ماليا، وثروات لا تعد ولا تحصى، ولغة واحدة، ومصيرا مشتركا واحدا.. واين اليوم هذه الدول واين ثرواتها واين كذبة الدفاع العربي المشترك التي تهلل له لفظا بعض انظمتها واين الوقوف والتضامن والدفاع عن فلسطين والقدس ومع الشعب الفلسطيني المجاهد والمقاتل باطفاله وفتيانه وشبابه ورجالاته ونسائه،. واعفي النفس من ذكر الحروب والصراعات الدموية بين بعض انظمتنا وشعوبها والحروب الاهلية والحروب العبثية القائمة..

 ان المواطن الحي بات يحسد اخوه المتوفى بعزة وكرامة بدل حياة الذل والمجاعة والاستبداد والطغيان، وبعد اما نحتاج الى رثاء الاحياء بدل رثاء الاموات.فاعتبروا ان كنتم تعتبرون.