بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2021 12:02ص رسالة إلى عبد الفتَّاح خَطَّاب لمناسبة اضطراره إلى الهجرة

حجم الخط
أعلن الأستاذ «عبد الفتَّاح خَطَّاب» بكلِّ أسفٍ، وهو الكاتب الصحفي المعروف، والأديب الاجتماعي السَّاخر، وصديق «المركز الثّقافي الإسلامي» الصَّادق، في مقال له نُشر في جريدة «اللِّواء» الغرَّاء، صباح اليوم (أمس)، أنَّه يجد نفسه مضطراً إلى وداعنا جميعاً؛ إذ سيغادر لبنان مهاجراً.

إنَّنا، في «المركز الثَّقافي الإسلامي»، إذ نأسف لأن يضطر الكرام والكبار من أهل البلد، والمثقفون منهم بشكل خاص، إلى هذه الهجرة القسرية الظالمة، التي تحرم اللبنانيين من عطاءاتهم وخيرات قدراتهم، فإننا نهيب بالقيّمين على الشَّأن العام في بلدنا، وعلى من هم في سدّة مسؤولية رعاية مجتمعنا الإسلامي، بوجه خاص، العمل المسؤول على وقف هذا النَّزف الخطير الذي بات يهدّد وجودنا الوطني.

ولقد كتب الدكتور وجيه فانوس، رئيس «المركز الثقافي الإسلامي»، بهذه المناسبة، الرسالة التالية إلى الأستاذ عبد الفتاح خطاب:


بسم الله الرحمن الرحيم



عزيزي الأستاذ عبد الفتَّاح خطَّاب؛

لا وداع يعقبه لقاء معك؛ فأنت، وإن كنت ستغادر المكان، باقٍ حيث أنت في القلوب والعقول والنفوس. 

المكان مجرَّد وعاء؛ ما في المكان، هو الجوهر. أثبتَّ، طيلة سنوات معرفتي بكَ، جوهراً نادراً، وإنسانية طالما عطشتُ إلى ارتواء من عذب نميرها.

عرفتك صدفة، منذ سنوات قليلة؛ التقينا مباشرة، في هذه السنوات، ثلاث أو أربع مرات فقط؛ وكانت هذه اللقاءات سريعة جداً.

رحبتُ بك مرتين، ممثلاً لأحد رؤساء الوزراء، واستمعت إليكَ في الثالثة متحدثاً، في محاضرة عامة، عن مقهى جَدِّك الحاج داود، وكنا في الرابعة معاً في اجتماع أهلي عام، توافقنا فيه رأياً ورؤية وردود فعل وفعل، من غير ما اتفاق مسبق. بيد أنَّ تواصلاً، شبه يومي، استمر بيننا؛ عبر رسائل قصيرة نتبادلها بواسطة WhatsApp. كشفت لي، هذه الرسائل، عن معدنك النفيس ووطنيتك الصافية وصدقك الصامد.

صرت أترقّب وصول مخاطباتك القصيرة هذه، فور إشراقة كل صباح؛ وأسعد إذ أتمتع بالرد على ما فيها من آراء وملاحظات وتعليقات.

لطالما أفرحني أن تَذْكُرَ لي، في رسائلكَ لي، ما أنشره من مقالات وبيانات، وما كان يَرِدُ عني من أخبار. أصبحتَ رفيق يومي؛ ويوم أقدمتُ على مسعى لجمع القيّمين على شأن وطني عام، وقفتَ إلى جانبي، مؤيّداً وناصحاً ومؤازراً.

لا يمكن أن أنسى وجعي يوم أبلغتني، قبل شهر من الآن، أنك مغادر إلى أرض الله الواسعة.

صدّقني، فرحتُ لمغادرتك هذه، إذ رأيتَ فيها، خلاصاً من بؤس معيشي يحيق بكيانك في بلدك؛ بيد أني ما رأيتُ فيها غربةً لكَ، لا عني ولا عن بلدنا الذي نتشارك عشقه والوله به؛ فأنتَ باقٍ على حب البلد، وسيبقى بلدنا يحرك وجدانك وفكرك وقلمك حيثما تكون.

ما من مكان، عند المسلمين، أكرم من مكة، حيث البيت الحرام، وما من مكان أحب، إلى نبي المسلمين، من مَكَّة؛ وقد وُلِد فيها ونشأ وتزوج وعمل وبعثه الله نبياً إلى العالمين؛ ومع هذا، فقد ترك مكة، وقد تزايد ظلم قريش فيها وتعاظم جهلهم، ولم يعد إليها إلا مرة واحدة.

أوليس لنا بنبي الإسلام أسوة حسنة؟ ويبدو أن للقيّمين على شؤون بلدنا أسوة سوء بأهل الظلم والعدوان في قريش.

لا وداع، أخي عبد الفتاح، بيننا؛ ولا لقاء قد يعقب. أنت باقٍ باقٍ باقٍ؛ وطغاة بلدنا إلى غياب، في لعنة من الله ومن الناس؛ إلى ما يشاء الله لهم من لعن وعذاب وغضب.

أنتظر إشراقات رسائلك الصباحية، في كل يوم؛ فلا تحجب ضياء مودّتك الغالية عني. 

برعاية الله وحفظه، أينما توجّهت؛ يا صادق القول ويا قوي العزم، يا حفيد الحاج داود؛ ويا صديقي الأعز.

ويا مَن أوصلتمونا إلى هذا الدَّرك الأسفل والأسود من البؤس والأذى، تأكَّدوا أن وعد الله حقًّ؛ وهو القائل في كتابه العزيز، في سورة «النَّبأ» {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاء وِفَاقاً}.



* رئيس المركز الثقافي الإسلامي