بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2022 08:04ص رسالة مفتوحة إلى سيّد بكركي

حجم الخط
سيّدي البطريرك, السّادة المطارنة، بالإشارة إلى يوم الخميس الواقع في 21 أيلول 2000، يوم أطلقّ الصرح نداء مجلس المطارنة يُطالب فيه بإعادة إنتشار الجيش السوري، يومها كانت للبيان الكلمة الفصل في إعادة رسم خريطة طريق لإستعادة الجمهورية اللبنانية هيبتها. نحن اليوم نُعاني من إحتلال آخر جاسم على أرضنا وبمباركة من موارنة تبوأوا السلطة رغماً عن الديمقراطية ولبنان يُعاني من سياسة وطنية غير سليمة مفروضة عليه بالإكراه وهذا أمر يجب وضع حد له بأسرع وقت ممكن.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، أصبح من الواجب الجهر بالحقيقة على ما هي راسخة في النفوس دون مواربة أي تغطية أحد مهما كانتْ وظيفته حيث السكوت عن الشواذ بات بمثابة الخطيئة الأصليّة وعفواً منكم من هذه الخطيئة الشنيعة. دون تحفّظ يملي علينا الزمان والظرف قول كل شيء. نريد أفعالاً لا أقوالاً كما درجت العادة بل نداء عملي فعلي يُعبِّر عن الحالة التي وصلنا إليها، يكفي التلّطي وراء الطائفية والمذهبية، نعم لنقول الحقيقة هناك زعامة مارونية خرجت عن الإطار المعروف للمارونية السياسية وهي التي تستفيض بالشر من خلال طريقة أدائها وهي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه لا بل الواقع الحالي هو مزيج من تراكمات منذ سنوات الإستقلال ولغاية العام 1990، والأمر الأكثر خطراً ما حصل لنا على يد من مسكوا زمام الأمور وفاضوا بالخراب على الطائفة والوطن ولا حاجة للتذكير بالحروب الدموية التي إفتُعِلَتْ في حينه والتي أوصلتنا إلى إتفاقية الطائف التي قلّصت صلاحيات رئاسة الجمهورية وهذا فِعْلْ لا يُمكن المرور عليه عرضَا، إضافةً إلى ما نعيشه اليوم من تسليم للسيادة الوطنية مقابل عروض الإستمرارية على كرسٍ خالٍ من أي فعلْ وكرامة وطنية.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، لا يمكن السكوت عن قانون إنتخاب قلّص النظام الديمقراطي وكان عنوانه تقاسم السلطة وتجيير السيادة وإذا بهذه الإنتخابات توصل نواباً لا يمثلون من يفترض أن يمثلّوهم من الناخبين، وصولاً إلى تضليل الرأي العام والادّعاء السافر بأنّ للمسيحيين عامة وللموارنة خاصة نواباً يمثلونهم وهم بالفعل دُمى في أيدي رؤساء الميليشيات وأدعياء السيادة ومُجيّري الوطنية للعمالة البخسة. ساسة يستدعون الشرفاء إلى مراكز أمنية يُسيطرون عليها بغية تطويق مسيرتهم الإستقلالية الداعية إلى التحرُّرْ ومنع الهيمنة، ساسة يُكذبون ويدّعون أنهم حماة المسيحيين ومُسترّدي الحقوق وهم عملياً يُجيِّرون الحقوق العامة للمسيحيين خاصة وللبنانيين عامة للغريب وللوكيل مقابل بقائهم في مراكز السلطة العفنة. ساسة لا يجرأون على مقاربة موضوع السيادة ولا يُعيرون أي إهتمام لبسط سلطة الدولة على كامل ترابها، والأقبح من ذلك ساسة يتحايلون على قانون الدفاع الوطني الذي ينص على حماية لبنان بواسطة قواه الذاتية، ويمعنون في الدفاع عن ميليشيا تُخالف القوانين اللبنانية المرعية الإجراء وتستبيح الكرامات وتُغذّي النعرات الطائفية وتُصادر كل مرافق الدولة دونما حسيب ولا رقيب، ويأتينا من هم في مراكز القرار الرسمية ليُدافعوا عن هذه المهزلة مُتنّكرين لما ينص عليه الدستور وتحديداً المادة /49/ والتي تنص في فقرتها الأولى على ما يلي «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقًا لأحكام الدستور. يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء». أين نحن من أفعال فخامة الرئيس وتجييره السيادة لصالح السلطة الإيرانية وضرب مقومات السيادة الوطنية؟ أين نحن من سلوكية النوّاب الموارنة ويا خجلنا من تصرفاتهم؟! ألا يستدعي هذا الأمر وقفة إحتجاج منكم؟!
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، أمّا وقد بلغ الوضع في لبنان إلى هذا الحد من التأزّم والتعتير أصبح من الواجب الجهر بالحقيقة من دون مواربة أو تحفُّظ على ما هي باتت راسخة في النفوس، ونرى الناس يتسارّون فماً إلى أذن ويخشون البوح بها خوف الاعتقال وما يجرّه عليهم من وبال ولا يسعنا إلاّ تذكيركم بما حصل مع سيادة المطران موسى الحاج أثناء رجوعه من كرسيه من الأراضي المقدّسة وما تعرّض له من إهانة، وهذا أمر غير مقبول من ناحيتي الشكل والمضمون، كما يتنامى إلينا وخصوصاً عندما سمعنا على مسامعنا أثناء مشاركته قدّاس الشهداء في سيدة إيليج «المشكلة من أهل البيت»، من المعيب السكوت عن كل فعل يُمارس ضد السلطات الكنسية، ومن المعيب مجاراة المؤامرة.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، إنّ ما يحصل اليوم من تزوير لإرادة الناخبين هو مسؤولية هؤلاء الموارنة الذين تبوأوا السلطة وتشاركوا في رسم هذا القانون المسخ ومن المؤسف أنكم بعد إطلاعكم على هذا القانون شملت عظتكم في حينه «مباركة وضع قانون جديد» علماً أنّ هذا القانون هو من أسوأ القوانين وأوجد دوائر إنتخابية كبيرة فيها أكثرية من فئة معينة وأقلية من فئة معينة فأغرفت أصوات تلك أصوات هذه في أكثر الدوائر ففاز نواب لا يمثلون من كان يفترض أن يمثلوهم من الناخبين، فضلاً عن الأموال الطائلة التي دفعَتْ وإثارة النعرات الطائفية وأعيد نفس الأمر مؤخراً. إنّ السكوت عن هذه الجريمة الموصوفة هو بمثابة خطأ جسيم.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، نحن في وضع اقتصادي - اجتماعي - مالي، لم يعرف لبنان وضعاً مماثلاً كالذي يمرُّ فيه اليوم وقد دلّت إحصاءات جدّية على أن نصف الشعب اللبناني أصبح تحت عتبة الفقر وهناك مصانع تقفل أبوابها وتُسرِّح عمالها ومدارس وجامعات يتناقص فيها عدد طلابها لعجز أوليائهم عن تأمين أقساطهم، وبالتالي باتت المدارس والجامعات مضطرة إلى إلغاء تعاقدها مع الأساتذة، وهناك خرّيجون يحملون شهادات عليا يلجأون إلى السفر. وهناك اليد العاملة غير اللبنانية التي تزاحم اليد العاملة اللبنانية وبخاصة السورية.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، في علم السياسة هناك مبدأ وهو ما من إقتصاد سليم من دون سياسة حكيمة وسليمة والوضع العام الحالي محكوم بسياسة أدّت إلى هذا الوضع المؤلم. لبنان يُعاني من سياسة غير سليمة يُشرف عليها مسؤولون أطلقتم عليهم لفظ «الأقطاب» وهو لقب جد خطير. 
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، لا نريد أن نبقى على هذه الحالة عظات وعظات وسفر وتنقلات وإجتماعات ولجنة لا تُثمر إجتماعاتها، مذكرات عديدة أطلقتموها بدءاً من شرعة العمل في ضوء تعاليم الكنيسة وما أغنى موادها ولكنها بقيت حبراً على ورق، المذكرة الوطنية التي أطلقتموها بمناسبة عيد مار مارون في التاسع من شباط من العام 2014، إلى مذكرة الحياد التي أطلقتموها في 7 آب 2020 والتي بقيت حبراً على ورق، إضافة إلى 27 شباط وإعتصام بكركي واللاءات التي أطلقتموها، كلها باتت من الماضي. لنقف ونتأمل تلك التواريخ بما تضمنته من مواقف ولنستنتج أنّ هناك تقصيراً فاضحاً في الممارسة العملية وحتماً أدّى إلى ما نحن عليه من خراب.
سيّدي البطريرك، السّادة المطارنة، علينا أن نتحلّى بأقل قدر من الصراحة والتواضع لنعترف بأننا جميعاً أخطأنا إلى بلدنا وإلى مارونيتنا السياسية عن أنانية وجهل وقصر نظـــــــــــــــر ونال كلُ منا نصيبه من قهر وإذلال وإمتهان وخسارة وتدمير. قد آن الأوان لفحص ضمير جدّي وإتخاذ العِبَر مما جرى والسعي إلى حلول تنقذ لبنان من التفكيك الذي يبدو أنه يُسرع الخطى مع هؤلاء القادة الذين أطلقت عليهم لقب «الأقطاب» تُطالبون بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد، نعم إنهما طلبان محقّان ولكن لمن توّجهون هذين الطلبين، كل أمم العالم تُساهم في التشكيل والانتخاب إلّا أنتم وهذا أمر مستهجن ومقلق، أيجوز لمن أعطيّ له مجد لبنان أن يعفي نفسه من المشاركة الفاعلة في هذين الإستحقاقين، ودعوني أقول لن نقبل أن يكون وزن كلمة بكركي صفر وزن كلمتها هي بحد السيف القاطع... إنني في نهاية الأمر أضع كل إمكانياتي وإمكانيات مكتب بيروت وكل طاقاته الفكرية بتصرفكم وعساكم تقرأون وجعنا وتترجمونه تعاوناً وثيقاً، ومن باب الطاعة والمحبة إنْ كُنتم يا صاحب الغبطة غير قادرين على إستكمال مسيرة أسلافكم تمثّلوا بما فعله قداسة البابا «بندكت السادس عشر» الذي إستقال من منصبه إفساحاً في المجال لتغيير جذري على مستوى الكنيسة والوطن.
والله وليّ التوفيق.