لعلها المرة الأولى منذ ما يقارب الستة عشر عاماً، أجد قلمي عاجزاً عن كتابة أحرف قليلة عن رفيق الحريري، ولعل مرد ذلك الى أمور عدة، منها ما وصل إليه حال البلد وضياع حلمه في قيام وطن مزدهر منافس متقدم، بقعة جغرافية تشكل واحة في هذا الشرق، ومنها أيضاً التحسر على ما آل إليه مصيرنا في لبنان، والقائمة تطول.
وفي ذكرى إستشهاده السادسة عشر، إستذكرت تلك الهامة الكبرى التي كان يعول عليها اللبنانيون لإنتشالهم من أزمتهم ولسان حالهم يقول: لو كان رفيق الحريري بيننا.
قلما تجد رجال سياسة إستجمعوا في شخصيتهم وقدراتهم مزايا متعددة ومتنوعة، ورفيق الحريري هو من صنف هؤلاء الرجال الذين منحهم الله القدرة على النجاح والبروز في شتى المجالات، فهو ذلك السياسي البارع القادم من عالم الأعمال الى وحول السياسة اللبنانية ليكون في فترة توليه المسؤولية مالئ الدنيا وشاغل الناس، ولعل تلك الصفة لازمته بعد إستشهاده، وهو أيضاً ذلك الإقتصادي القادر على إجتراح الحلول لأزمات بلاده المالية، وهو أيضاً رجل المعرفة الذي وجد في العلم سبيلاً لتطوير البشر، ناهيك عن دوره في إعمار الحجر.
رفيق الحريري كان أيضاً ذلك الدبلوماسي المحنك في شبك علاقاته الدولية المتشعبة والممتدة في شتى أصقاع الأرض، من كوالا لمبور الى باريس ومن موسكو الى القاهرة وغيرها الكثير الكثير، وهو العربي المتشبث بجذوره الممتدة من حركة القوميين العرب الى أرض الحرمين، وهو أيضاً إبن بيئته الذي عرف تفاصيل مدينته صيدا وحاراتها، وأقام في معشوقته بيروت بين أهلها وتنقل بين أحيائها.
لقد قيل في رفيق الحريري أنه رجل في عدة رجال، إختصاراً لمزاياه المتعددة، والثابت أنه نجح في كافة أدواره المختلفة، من التعليم الى الإقتصاد مروراً بالسياسة، وقد منحه الله الشهادة وخلد ذكراه في نفوس الناس، وقد يطول الحديث في تعداد مزايا ذلك الرجل الإستثنائي، ولعل محبة الناس له ومحبته للناس هي من أهم صفاته.
وبالعودة الى لبنان بعد ستة عاماً من إستشهاد الرفيق، فما عسانا نقول له؟
هل نحدثه عن بيروت المظلمة المقهورة ؟ هل نخبره عن لبنان المعزول عن محيطه؟ هل نهمس له عن الصروح الرياضية التي أصبحت مخزناً للطحين؟ هل نقول له عن مرفأ مدمر ومطار خال من المسافرين؟ هل ندله على مدارس تحمل إسمه وقد أقفلت أبوابها وجامعات خسرت طلابها؟
في فترة وجود أبي بهاء بيننا، وعند إشتداد الأزمات، كنا نقول باللغة العامية: «بكرا الحريري بحلها»،
أما اليوم ومع إشتداد الأزمات وإنهيار حلم رفيق الحريري، نقول: لو كان رفيق الحريري بيننا.