بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الثاني 2023 12:00ص ركائز الدولة تنهار واحدة تلو الأخرى

حجم الخط
الجمهورية اللبنانية بحالتها الحاضــرة تُشبه مأوى لفاقدين صوابهم وللأسف هذا هو واقع الحال، كل الذين يُمارسون النشاط مثل النشاطات السياسية - الأمنية - القضائية – الإقتصادية - المالية - الإجتماعية على الأراضي اللبنانية هم أشبه وعفواً لهذا التوصيف وبأغلبيتهم «مجانين وشياطين» وإلّا كيف يتُّم تفسير حالة الهمج التي نعيشها وفق هذا النظام السياسي العفن المُمارس من قبلهم والذي أوصلنا إلى تلك الحالة من الإهتراء وعلى كافة المستويات؟ إنّ ما يحصل من جنون سياسي مُمارس مُتّفق عليه وهو من مفاعيل هذه المكوّنات السياسية القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي وهي في الغالب مكوّنات تختلف مع بعضها البعض ضمن نظام محاصصة أهلك الجميع بمن فيهم الجمهورية والشعب ومؤسسات الدولة.
في الجمهورية الحالية بتنا نفتقد لأهم مقومات الدولة ولعناصر تكوينها وهذا أمر في غاية الخطورة لأننا لم نستطع لغاية اليوم تدارك هذا الإنحدار السريع والمخيف، ووفقاً لعلم السياسة هناك عدداً لا يُستهان به من المكوّنات الرئيسية لعناصر الدولة إلّا أنني سأكتفي بذكر أربعة أركان رئيسية للدولة ومن أهمها الأرض وهي المساحة التي تُمارس عليها الدولة سيطرتها أو سيادتها والتي تفصلها عن الدول المجاورة. إنّ واقع الجغرافية اللبنانية يفتقد لأبسط مبادئ السيادة الوطنية وهناك جماعات داخلية - إقليمية - دولية أظهرت سيطرتها على الأرض اللبنانية وتُمارس أعتى أنواع التدخل وهذا يعني أنّ الجمهورية الحالية فاقدة لعذرية سيادتها وهي معرّضة للسبي كل يوم على أيدي من يتوّلون نِكاحها... ومن الأركان المهمّة في الدولة أيضاً الشعب وهو العنصر الرئيسي من عناصر تكوين الدولة، ومن المؤسف أنّ الشعب اللبناني مغلوب على أمره لا بل شعب غير مستقِّر، ولا تماسك إجتماعي، ويفتقر الشعب اللبناني الحق المُطلق في الإقامة في الدولة وهذا ما يتناقض مع مقدمة الدستور وتحديداً الفقرة /ط/ والتي تنص «أرض لبنان واحدة لكـل اللبنانيين، فلكــل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتُّع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي إنتماء، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين»، في هذه الحالة يصح قول المثل «إقرأ تفرح جرِّبْ تحــزن»، أغلبية اللبنانيين مقسّمين باتوا في مربعات طائفية مذهبية يُغّذيها خطاب سياسي عقائدي طائفي مذهبي. ومن أهم اركان الدولة الحكومة وهي العنصر الثالث والرئيسي من عناصر الدولة القوية كما هي شكل من أشكال التنظيم وهي ضرورية لإدارة شؤون البلاد لأنه من المفترض فيمن يكون مسؤولاً وزارياً أن يتكلّم بإسم الشعب وبالإنابة عنه ويعمل لمصلحة الدولة والشعب ولكن في لبنان الحكومات غالباً ما تعمل عكسَ توجهات الشعب وتعمل دائماً لتأمين مصالح الخارج ومصلحة من يتوّلون المراكز الحسّاسة في الدولة وهي أشبه بمؤسسة مهامها محصورة بضرب مصالح الشعب ولا أنكىء جراح بل أوّصف حالة النظام في لبنان، لا بل أتمنى على الخبراء الدستوريين توصيف حالة الحكومات وما جنته من مشاكل للشعب. أما المكوّن الرابع فهو القضاء، حيث يكون القضاء حُــراً مستقلاً ونزيهاً تكون الدولة بخير وتكون ثقة المواطنين بالدولة متينة، فالقضاء هو أحــد أهم أركان الدولة وأساس جوهري لضمان ممارسة حكم صالح. من المؤسف أنّ ما حصل في اليومين الماضيين وفي ظل الظروف التي يرزح تحتها لبنان ووابل جريمة تفجير مرفأ بيروت ساهم في زعزعة ثقة الناس وأظهر هذا النوع من التحايل على القضاء، كما أظهر هشاشة العمل القضائي والذي ساهم في ضعف مؤسسات الدولة وتحديداً «العدلية في لبنان»، وهذا يعني ضعف هيبة القضاء والدولة وظهور فِعْل التسييس المتعمد لضرب القضاء ولتعطيل مندرجاته... هناك على ما يبدو تأثير سياسي لا بل تدخُّل سافر وسافل للفاعلين في السياسة على القضاء اللبناني.
كل الدول الديمقراطية تحافظ على سيادتها المطلقة وعلى أجهزتها الرسمية من خلال مؤسساتها الأمنية الشرعية كما تعتمد على إستراتيجيات أمنية متطورة من خلال ضباطها لمواجهة أي خطر ينتج إمّا عن مجموعات إرهابية ربما داخل الدولة أو من خلال عصابات تنشأ على طرف حدودها المشتركة، أو من خلال أطماع عدو يرغب في سياسة معينة لتخريب النظام والأمن لغايات معينة... تلك الدول على ما يُلاحظ بإستمرار تُعيد النظر بتشريعات أمنية تكون قد وضعتها في فترات سابقة ولم تَعُد تتناسب مع الواقع الحالي، وتعمل أيضا على تطوير أجهزتها العسكرية والهدف من ذلك حفظ أمن الوطن والمواطنين في سياق نظام ديمقراطي سليم لا يشوبه أي شائبة. وهدف هذه الدول على ما يظهر المحافظة على حقوق الناس وحرياتهم دونما المّسْ بالأمن.
في لبنان ويا للأسف غابت النصوص التشريعية السياسية - الأمنية - الإستراتيجية، وهذه النصوص هي مجموعة قوانين يضعها المجلس النيابي وتنفذها الحكومة وفقاً لآلية دستورية محدّدة. إنّ الجمهورية اللبنانية بواقعها الحالي هي نقيض التجسيد القانوني للأمّة ذات سيادة وتفتقد للخصوصية التي تمتاز بها عن سائر الدول، كما هي نقيض الكيان السياسي السليم الحقوقي، وفي الأساس الجمهورية الصادقة هي التي تعتمد على الشعب والقضاء والجيش وسائر القوى المُسلّحة وخاصيتها السيادة ممّا يجعلنا علمياً القول إنّ مقومات وركائـز الدولة إنهارت واحدة تلو الأخرى.
ممنوع أن تفقد الحكومة المركزية سيطرتها على أراضيها، وممنوع أنْ تفقد الحكومة المركزية حقها السيادي في إحتكار قوتها بشكل أحادي وشرعي، ممنوع أن تتعرض الحكومة المركزية للاضطرابات على ما يحصل حالياً، حيث تُصبح الدولة عاجــزة عن تقديم الخدمات الإجتماعية، هل من يسمع هذا «الممنوع» ويسعى معنا لإعادة الدولة إلى مكانتها الطبيعية؟ سؤال برسم الجميع.

* كاتب وباحث سياسي