بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2021 08:14ص سُنّة لبنان: مسار نهضوي مطلوب وتواصل عربي مأمول

حجم الخط
خلافاً لما ساد من تحليلات ومواقف رافقت أحداث السابع من أيار 2008 والتي ركزت بتداعياتها السلبية على سُنّة لبنان وشكّلت منعطفاً خطيراً على المستوى الوطني كادت تؤدي إلى فتنة مذهبية تطيح بالعباد والبلاد، إلا أن الخاسر السياسي الاستراتيجي الأكبر من جراء اجتياح بيروت كان حزب الله نفسه الذي تصدعت صورته وتهاوى موقعه بسرعة في أرجاء العالمين العربي والإسلامي بأكثريته السُنيّة الكبيرة بعد أن كانت صور أمينه العام تعمّ الساحات والمنازل فانقلب المشهد دراماتيكياً رأسا على عقب وهو ما لم يكن يتوقعه أصحاب الاجتياح، إذ تحول منذ تلك اللحظة إلى فصيل مذهبي بامتياز معزول عربياً يخضع لأوامر وأجندة إيران الاقليمية وهذا ما أكدته لاحقاً تدخلاته الأمنية والعسكرية المباشرة في شؤون دول المشرق العربي وغيرها من دول العالم .

• اجتياح بيروت وغياب الرؤية والإطار التنظيمي

كان لاجتياح بيروت تأثيره السياسي والمعنوي على سنُّة لبنان في وقت لم يلتقط ويدرك تيار المستقبل أهمية تأثير هذه اللحظة وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة عربياً وإسلامياً، على صورة الحزب التي تصدعت خاصة في ظل صلابة وصمود رئيس الحكومة حينها فؤاد السنيورة طوال مرحلة حصار الحزب وحلفاءه للسرايا الحكومي، كما أن هذا الحدث المفصلي شكل منعطف بتردداته الداخلية والعربية ولم يستثمر تعبويا لتحويله إلى قضية وطنية وعربية بل اكتفى تيار المستقبل وغالبية الفاعليات السُنيّة بالشجب الاعلامي والاستنكار اللفظي والوقوع في فخ تسوية الدوحة.

إن غياب الرؤية السياسية والهشاشة التنظيمية للسُنيّة السياسية أدت بمرجعياتها للتعامل مع نتائج الاجتياح كطرف مهزوم ومحبط وليس بكونه تراجع تكتيكي نتيجة انعدام توازن القوى في المواجهة السياسية والتي حولها حزب الله الى أمنية عسكرية، في حين أن المأزوم والمهزوم الحقيقي استراتيجياً هو حزب الله ذاته بفقدان موقعه الإسلامي العام وتقوقع دوره، وما وصف السُنّة بالضعف والاحباط، إنما هو تعبير عن سطحية سياسية وغربة فاعلياتهم عن هواجس بيئتهم الاجتماعية الحقيقية وجهل العديد منهم لتاريخ ودور و موقع أهل السُنّة في لبنان وامتدادهم وتجذر حضورهم التاريخي والحاضر في العالمين العربي والإسلامي.

إن الإشكالية التي تواجه سُنّة لبنان تكمن في قصور إدارة مرجعياتهم الفاعلة في المواجهات السياسية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري فكان التعاطي مع الأحداث مبنية على حسابات وخلفية سياسية وفئوية ضيقة، في حين أن القضية هي في جوهرها كيانية وطنية بامتياز.

في لحظة تاريخية تم اضاعتها ولم يتم استلحاقها، كان بإمكان تيار المستقبل أن يشكل رافعة للسُنيّة السياسية وحاضناً جامعاً محتملاً لمرجعياتها المتعددة، لكن الخطأ التكويني البنيوي الكبير الذي ارتكبته قيادة التيار النافذة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان تغليب العصبية العائلية على حساب بناء الإطار السياسي الاجتماعي والتنظيمي الجامع المتجاوز للعائلة دون اسقاط رمزيتها، فكان هذا مؤشراً إلى بداية تراجع حضوره وتخلخل علاقته مع جزء مهم من جمهوره العريض الذي انكفأ دون أن يتحول إلى جبهة الخصوم إلا استثناء، رغم انه بقي متقدماً عن باقي المرجعيات لحين حصول الانتخابات النيابية القادمة التي ستحدد وحدها الأحجام والحضور الواقعي لجميع القوى.

• مأسسة لقاء رؤساء الحكومة السابقون والنهوض بالسُنيّة السياسية

كان لتشكّل لقاء رؤساء الحكومة السابقون دوراً مهما في ردم فجوة الفراغ السياسي الناجمة عن غياب الخطاب السياسي والهيكل التنظيمي لتيار المستقبل وتقزيم دوره واقتصار مهامه كماكنة انتخابية حصراً، وهذا ما زاد من تصدع دوره وموقعه في بيئته، ولكن بالمقابل أيضاً لم يتمكن أو لم يرغب لقاء رؤساء الحكومة السابقون أقله حتى الآن، من ردم الفراغ التواصلي المنظم مع البيئة من خلال مأسسة لقاءاتهم وحضورهم ودورهم سياسياً ووطنياً ليشكل رافعة داعمة وحالة مميزة تتكامل وتتفاعل وطنيا مع المرجعيات السُنيّة المتعددة في توجهاتها السياسية.

بموازاة ذلك كان المشهد الوطني اللبناني عامة بجميع مكوناته والسُّني تحديداً يوحي بمزيد من التأزيم بعد تحلل أجهزة الدولة واستباحة حزب الله لمرافقها وحدودها ومعابرها المتنوعة عبر العمليات العسكرية والتهريب، وتشظي موقع السلطة المركزية في العاصمة وتفلّت الأطراف عنها وانتشار جائحة كورونا وانتفاضة ١٧ تشرين التي أُجهضت وكارثتي انفجار مرفأ بيروت وانهيار العملة الوطنية وما استتبعها من قرصنة ودائع اللبنانيين.

أمام هذه المشهدية العامة من الانهيارات المتتالية لبنية الدولة، يُقبل اللبنانيون على انتخابات نيابية قد تعيد شيئاً من التوازن الوطني الداخلي، ولكن بالمقابل فإن امكانية التمديد للمجلس النيابي تبقى مطروحة كما تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية الجديدة، وهذا سيذهب بالبلاد الى مأزق لا يمكن الخروج منه دون ضغوط دولية وبعد نضوج تسوية اقليمية دولية ستفرض إما نتيجة مفاوضات أو بعد حرب اقليمية متوقعة.

انطلاقاً مما تقدم، يصبح واجباً على السُنيّة السياسية ونخبها، ومن موقع المسؤولية التاريخية تجاه مستقبل اللبنانيين ومن موقع المسلمين السُنّة ووزنهم الديموغرافي كأكبر طائفة ودورهم الريادي في الحفاظ على الكيان وتأثيرهم في المعادلة الوطنية والعربية اتخاذ المسارات الآتية:

١ - تشكيل هيئة حكماء المسلمين السُنّة في لبنان، تضم رئيس الحكومة الفاعل ومفتي الجمهورية اللبنانية ورؤساء الحكومة السابقين ونخب أكاديمية وفعاليات سياسية مخضرمة ومشرعين في القانون الدستوري مهمتها مواكبة التطورات الاقليمية الداهمة، ودرس القرارات الواجب اتخاذها للحفاظ على الشراكة الوطنية المتوازنة والتي ستقارب حل القضية اللبنانية التي تحتاج الى توقيعهم .

٢ - تقوم هيئة الحكماء بالإعداد لإصدار وثيقة الثوابت الوطنية والعربية للمسلمين السُنّة في لبنان تؤكد قطعاً ضرورة التشبث بعودة جميع القوى اللبنانية إلى حضن الدولة ومؤسساتها الرسمية والاقصاء على واقع الاقتصاد الموازي بناء على قوة التوازن الوطني وليس على موازين القوى المتأرجحة وفق اي متغيّر إقليمي، على أن يتم الإعلان عن الوثيقة رسمياً وإقرارها خلال مؤتمر إسلامي عام يجمع أركان وفعاليات المسلمين السُنّة في لبنان ويشارك فيه جميع رؤساء الطوائف الروحية في لبنان.

٣ - تشكيل وفد مشترك يضم مفتي الجمهورية اللبنانية ورؤساء الحكومة السابقون ومن يقترحونه للضرورة، للقيام بزيارات عاجلة للدول العربية المؤثرة لتقديم وثيقة الثوابت الوطنية والعربية، وشرح واقع القضية اللبنانية والمساعدة لعرضها وتقديمها في كافة المحافل الدولية والعربية والإسلامية ودول الاغتراب اللبناني وشرح موقف المسلمين السُنّة منها وما يُطرح من مشاريع تفتيتية للكيان اللبناني وتداعياته على دول المشرق العربي.

٤ - يتمنى الوفد المشترك على قيادات الدول العربية الحريصة على إعادة صياغة التضامن العربي وحل الخلافات البينية العربية على قاعدة احترام استقلالها وسيادتها الوطنية على أرضها وقرارها المستقل وترسيم حدودها حيث تدعو الحاجة، ويأتي في هذا السياق التمني على ربط عودة العلاقات العربية مع سوريا بالمقدار الذي يتحقق ترسيم الحدود البحرية والبرية في لبنان وخاصة لجهة الاقرار والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا لنزع كافة مبررات إيران وحزب الله الابقاء على سلاحه الضاغط على الحياة السياسية والوطنية وحسماً نهائياً للأزمة الهوياتية العربية للبنان وحدوده المعترف بها دولياً.

٥ - بالإضافة إلى الوثيقة السياسية يتقدّم الوفد ببرنامج لإغاثة المؤسسات الرعائية والصحية والاجتماعية والتربوية الإسلامية العريقة المشهود لها، وذلك بموجب دراسات جدوى واضحة تحدد سبل انقاذها والمنتشرة في جميع المناطق اللبنانية بعد تأطيرها في اتحاد يجمعها وينسق العمل والخدمات المتبادلة فيما بينها وحوكمتها ورفع مستوى الخدمات المشتركة فيها.

٦ - تقوم هيئة الحكماء بوضع معايير ومواصفات مطلوبة للمرشحين للانتخابات النيابية القادمة والبلدية لاحقاً، بالتشاور مع الفعاليات السُنيّة المختلفة، من منطلق ضرورة وعي المصلحة الوطنية والإسلامية أولاً، إذ أن مسؤولية ومهام النواب السُنّة في البرلمان المقبل ستكون تاريخية، وبالتالي لا مجال للمراهقة والوجاهة السياسية الفارغة أو اعتماد الثروة أو الولاء الأعمى لهذه المرجعية أو تلك، كمعيار تافه للترشيح في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ الكيان اللبناني المهدد وجودياً وهوياتياً بشكل جدي.

إن إصرار كل حزب أو تيار أو فاعلية في البيئة السُنيّة على التفرد في اتخاذ مواقف سياسية فؤية من خارج الاجماع الإسلامي السُني العام في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الطائفة في لبنان سيُعرضه للنبذ في بيئته لأن دقة المرحلة تتطلب حسم الأمور بشكل واضح لا لبس فيها وتسمية الأمور بأسمائها طالما إن قيام حركة نهضوية إسلامية بمنطلقات وطنية تأتي في إطار حرية التعبير والممارسة الديمقراطية السلمية ومن أجل الحرص على الشراكة الوطنية المتوازنة وتحصينها.



* استاذ جامعي وباحث في الشؤون الجيوسياسية