بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2019 06:10ص الحريري آثر تجديد ربط النزاع مع حزب الله ورمى على المسيحيِّين مُسبِّبات خروجه

سباق الحَلَبَات في بيروت: الإنقلاب بصرف النظر عن الأضرار الجانبية!

حجم الخط

نجاح الوظيفة السياسية للحكومة العتيدة هو الباب العريض والحصري لأي مسمَّى إنقاذي - إقتصادي لاحق


ثمّة من المراقبين من يجزم بأنه لا تصحّ مقاربة خروج سعد الحريري من المشهد الحكومي المعقّد، إلا في السياق الإقليمي – الدولي القابض على خناق أهل المنطقة، من اليمن الى العراق فسوريا وفلسطين وليبيا ولبنان. فليس تفصيلا، على سبيل المثال، أن يتزامن، في اليوم نفسه، إستحقاق تسمية رئيس للحكومة في كل من بيروت وبغداد، وفي الحالين لم تتلوّن نتيجة الاستحقاق (بعد؟) بالدمغة الأميركية. كما أنه ليس تفصيلا أن يُغدَق في الاسبوع الأخير مسؤولون لبنانيون ورؤساء أحزاب برسائل أميركية – أوروبية متطايرة من كل حدب وصوب تنصحهم بغير سعد الحريري، ربطا بالوظيفة – السياسية أولاً لا الإصلاحية - المعوّل أن تقوم بها الحكومة العتيدة: إبطال كل مفاعيل التفاهم الرئاسي وسحق التوازنات التي جاءت بها الانتخابات النيابية، ومن ثم إستكمال محاصرة حزب الله عبر إخراجه من حكومة أُريد لها لهذا الغرض أن تتفيّأ مظلة المستقلين. ومن نافل القول ان نجاح الوظيفة السياسية للحكومة العتيدة هي الباب العريض والحصري لأي مسمّى إنقاذي - إقتصادي لاحق. 

تبدو تلك المقاربة للتطوّر الحكومي المفاجئ أقرب الى الواقع، الى ما حصل فعلا في الساعات الـ 72 التي سبقت تسمية حسان دياب رئيسا مكلّفا تشكيل الحكومة.

ينطوي المشهد العام على الكثير من المتناقضات في العلاقة الأميركية – الإيرانية تصعّب أي إستنتاج واضح لمآل هذه العلاقة في السنة الانتخابية الأميركية، وإستطرادا لانعكاساتها في الملفات اللاهبة في المنطقة.

تُبيّن المتابعة الإستخلاصات الأولية الآتية:

أ- حوار إيراني - أميركي غير واضح المعالم بعد بالرعاية العُمانية نفسها، يشمل الملف النووي، الى جانب ما تعتبره واشنطن تأثيرا لطهران غير مقبول في 5 عواصم عربية.

ب- إلتقاء إيراني – أميركي مفاجئ برعاية سويسرا، راعية مصالح واشنطن في طهران، أدّى الى تبادل للأسرى. وهذا المسار مرشّح لمزيد من الانفراج.

ج- طلب أميركي مباشر من إيران بوقف الهجمات التي تقوم بها الميليشيات العراقية الموالية لها ضد القواعد الأميركية في العراق، تحت طائلة الرد المباشر في الداخل الإيراني حال وقوع أي خسائر أميركية، يشمل تحديدا ملاحقة المسؤولين عن تلك الخسائر.

د-الزيارة التي يقوم بها الى طوكيو الرئيس الإيراني محمد روحاني بطلب منه، في سياق الوساطة اليابانية المستمرة بين طهران وواشنطن.

هـ- سباق حامي الوطيس بين طهران وواشنطن في كل من بغداد وبيروت للحسم الحكومي، بما يؤشر الى المسار السياسي الذي يُرسم للعاصمتين في إنتظار نتائج الحوار.

في هذا التوقيت بالذات، خرج سعد الحريري أو أُخرج من الحكومة بالشكل الدراماتيكي الذي ظهر عليه، بالنظر الى التواطؤ السلبي المشترك (داخليا وغربيا) الذي أعدّ لهذا الخروج، رغم كل المناورات التي إعتمدها منذ 17 تشرين الأول في مسعاه لإقفال نادي مرشحي ترؤس الحكومة على شخصه وحده.

لكن ثمة إستفهام واحد لا يزال الجواب عليه غير واضح المعالم: لماذا تعمّد الحريري الامتناع عن التسمية رغم إدراكه أن إختياره نواف سلام في الاستشارات كان من شأنه حكما أن يقلب كل المشهد الحكومي؟ إذ إن هذا الخيار لو حصل كانت ستتبعه حكما تسمية القوات اللبنانية لسلام نفسه، مما سيدفع حزب الله الى الامتناع عن تسمية حسان دياب، إلتزاما بموقفه القائل انه لن يقدم على تزكية من يعارضه سعد الحريري. ربما أراد الأخير أن يجدد إتفاق ربط النزاع المعلن مع الحزب، فآثر مرة جديدة عدم قطع الوصال معه ربطا بحسابات مستقبلية، وإختار بدلا من ذلك رمي مسببات (وربما تبِعات) إخراجه على المسيحيين (تياريين وقواتيين على حد سواء).

سيهرق كثير من الكلام والحبر لتفسير كل ذلك التطور الدراماتيكي، تارة بتحميل ميشال عون وجبران باسيل مسؤولية إسقاط الميثاقية السنية وإستبعاد الحريري والاقتصاص منه لدوره السلبي في النصف الأول من الولاية الرئاسية والا، وطورا بتحديد دور حزب الله فيما حصل. لكن أي مقاربة تبقى قاصرة ما لم يُنظر الى المشهد الحكومي من علوّ، في سياق الصراع المستمر على النفوذ في الإقليم وتجميع أوراق القوة لإستخدامها في التفاوض القائم، هذا الصراع الذي يفرض:

1- من الوجهة الأميركية تنفيذ إنقلاب شامل على توازنات الحكم القائمة عبر الإطاحة بكل التركيبة التي أسفر عنها التفاهم الرئاسي ومن ثم الانتخابات النيابية؛

2- من الوجهة الإيرانية حماية الصيغة الحاكمة، والأهم مرجعية حزب الله في القرار.

ينصرف المحوران الى تنفيذ رؤيتهما المتعارضة، غافلين، والأصحّ غير آبهَيْن بأي أضرار جانبية قد تحدث نتيجة هذا الصراع. وفي رأس قائمة تلك الأضرار، يقع البنيان اللبناني المتهاوي سياسيا واقتصاديا، والأخطر إجتماعيا!