بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 آب 2022 12:00ص سنبقى إلى جانب فلسطين الكليمة، نستشعر همومها ومعاناة شعبها

حجم الخط

إنها عَمَلِيَّةٌ مُدَبَّرَةٌ وسيناريواتُها مُعَدَّةٌ مُسبَقا، حَضَّرَت لها إسرائيلُ واستَعدَّت لها عَسكَريَّاً ولوجِستِيَّا ونفَّذَتها أمامَ مَرأى ومَسمَعٍ من العالمِ أجمَع. بدأت العَمَلِيَّةُ بتَنفيذُ تَوغُّلِ قُوَّةٍ تابِعَةٍ للإحتِلالِ الإسرائيلي في الأوَّلِ من آب إلى مُخَيَّمِ جنين قاصِدَةً مَنزِلَ القِيادي في حَرَكَةِ الجِهادِ الإسلامي بَسَّامِ السَّعدي حيثُ اعتَقلَتهُ مع صَهرِهِ أشرَف الجدع بعد أن أُصيبَ الأوَّلُ بِعيارٍ نارِيٍّ في بَطنِه، تلى ذلك تَحذيرٌ من فَصائلِ المُقاوَمَةِ الفِلسطِينِيَّةِ من المَساسِ بحَياةِ السَّعدي، بالتَّزامُنِ مع إعلانِ الاستنفارِ ورَفعِ الجاهزيَّةِ القِتاليَّة، وإطلاقُ حَملَةَ تَضامُنٍ واسِعَةٍ مع السَّعدِي حِفاظاً على سلامَتِه، وقد جاءَ اعتِقالُهُ في إطارِ حَملَةِ اعتِقالاتٍ كبيرَةٍ طالَت ما يُقارِ بُ الخمسينَ ناشِطاً فِلسْطينِيَّا في الضَّفَّة.

ولا يَفوتُ المُتابِعُ للأَحداثِ في فِلسطينِ المُحتلَّةِ ذاكَ الإجتِماعُ الوزارِيُّ ـ العَسكَريُّ المُصَغَّرُ الذي عُقِدَ في إسرائيل بتاريخ 3/8/2022، والذي حَضَرَهُ كُلٌّ من رئيسُ مَجلِسِ الوزراء رَئيسُ الأركان أفيف كوخافي ورئيس شِعبَةِ الاستخبارات أهارون حاليفا، ورئيس قِسم الأبحاثِ في الاستِخباراتِ عَميت ساعِر، كما شارك فيه كُلٌّ من رَئيسِ الشَّاباكِ رونين بار، ومُستشارُ الأمن القَومي إيال حولتا. زَعَمَت السُّلُطاتُ الإسرائيليَّةُ أن الاجتِماعَ خُصِّصَ للإطِّلاعِ على تَطوُّراتِ المُفاوَضاتِ البَحرِيَّةِ مع لبنان، ولكن ما يدفعُنا للإعتقادِ بخلافِ ذلكَ ما قالهُ المُتحدِّثُ باسمِ الجيشِ الإسرائيلي ران كوخاف "أن الجيشَ الإسرائيليَّ لا يَتَطرَّقُ إلى ما قيلَ في مُناقَشاتٍ مُغلَقَةٍ وسِرِّيَّة" وعليه نرى أن الإجتماعَ كان مُخصَّصاً بكُلِّيَّتِهِ أو بجِزءٍ كبيرٍ منه للتَّداولِ بنَوايا إسرائيلِ العُدوانِيَّةَ تِجاهَ مُنَظَّمَةِ الجِهادِ الإسلامي، ولكِنَّها اعتَمَدَت مُناوَرَةً تَضلِيلِيَّةً موهِمَةً بأنَّها سَتَحتَكِمُ إلى الوَساطَةِ المِصرِيَّةِ بشأن القيادي بسَّام السُّعدي، مُصَعِّدَةً في خِطابِها تِجاهَ لُبنان، حيثُ نَقلت صَحيفَةُ مَعاريفَ عن وَزيرِ المالِ الإسرائيلي" أفيغور ليبرمان"، تَهدَيداً بمَحوِ مِنطَقَةِ الضَّاحِيَةِ الجَنوبِيَّةِ لبيروتِ بأكملِها "إن هاجمَ حزب الله الحفَّارةِ في حَقلِ كاريش". كُلُّ ذلكَ لصرفِ الانتِباهِ عن نواياهِ المُبيَّتَةِ، المُتمثِّلةِ في تَنفيذِ عَمَلِيَّاتِ اغتِيالٍ تَطالُ مَسؤولينَ آخَرينَ، وهذا ما أقدَمَت عليه يَومِ الجُمعَةِ الفائتِ حيث اغتالتِ القِيادي "تيسير الجَعبَري" دون أي إنذارٍ مُسْبَق، بعَمَلِيَّةٍ مُشتَرَكَةٍ (غارَةٍ جَوِّيَّة) ما بين جِهازِ الأمن الدَّاخلي "الشاباك" وجيشِ الكِيان، مٌبرِّرَةً ذلكَ بأنَّها "ضَربَةٌ استِباقِيَّة"، ما دَفَعَ بمُنظَّمَةِ الجِهادِ الإسلامي إلى إطلاقِ رَشقاتٍ من الصَّواريخِ (حَوالي ماية صاروخٍ) كرَدٍّ أوليٍّ بحَسَبِ زَعمِها، وباتِّجاهِ المُدُنِ والبَلداتِ الإسرائيلِيَّة، ومنها تل أبيب.

استَغَلَّت إسرائيلُ إطلاقَ الصَّواريخِ لمُتابَعَةِ أجُندَتِها الاعتِدائيَّةِ بقَصفِ العَديدِ من المَناطِقِ في غَزَّةَ مُستَهدِفَةً بَعضَ المَنازِلِ فيها، وسَعَت إلى تَحييدِ مُنظَّمَةِ حَماسٍ عن القِتالِ الدَّائرِ بدَعوَتِها لعَدَمِ الإشتراكِ في القِتالِ لأنَّ مَعرَكَتَها مَحصورَةٌ مع الجِهادِ الإسلامي. ويَبدو أنَّهُ كان لَدى إسرائيلِ قائمَةٌ من الأهدافِ، حيثُ تَمَكَّنَت يومَ السَّبتِ من اغتِيالِ قائدٍ بارِزٍ آخَرَ "خالد مَنصور" قائدُ الفِرقَةِ الجَنوبِيَّةِ في سَرايا القُدسِ في مَدينَةِ رَفَح. فوَجَدَت مُنظَّمَةُ الجِهادِ نَفسَها مُضْطَرَّةً لخَوضِ حَربٍ مَفتوحَةٍ مع الكِيانِ الإسرائيلي مٌنفَرِدَةً وفي تَوقيتٍ اختارَهُ العَدو، وقد أنهى استِعداداتِهِ لوجِستيَّاً واستدعى 25 ألفاً من جُنودِ الإحتياط، كما تم تَحريضُ الإسرائيليينَ للتَّوجُّهِ إلى باحَةِ الأقصَى (جَبلِ الهَيكلِ وَفقَ مَزاعِمِ الصًّهايِنَة)، وقد أعلنَ رَئيسُ الوزراءِ الإسرائيلي أنَّهُ لن يَمنعَ اقتِحامَ الموطنينَ الاسرائيليينَ للمَسجِد الأقصى، وكأنَّهُ يَحُضُّهُم على العُنفِ تِجاهَ المُقدَّساتِ والفلسطينيين في القُدس.

كُلُّ ذلكَ يَحصَلُ ومُنظَّمَةُ حَماسٍ اكتَفت بالتَّحذيرِ مما أسمَتهُ "بالتَّوَغُّلاتِ" الإسرائيلِيَّةِ التي قد تُؤدِّي إلى وَضعٍ لا يُمكِنُ السَّيطَرَةُ عليه، وَفقَ ما أعلَنَه أمينُها العام اسماعيل هَنِيَّة. لقد أعلَنت وِزارَةُ الصِّحَّةِ في غَزَّةَ أن الاعتِداءاتِ الإسرائيليَّةِ أسفَرَت عن استِشهاد 31 فلسطِينِيَّاً، من بينَهُم سِتَّةُ أطفال، كما إصابَةِ 265 آخَرين. مِصرُ التي كانت تتولى الوساطةَ بين إسرائيلُ التي تظاهرَت أنها تَحتَكِمُ إلى مًسعاها في تَهدِئةِ الأوضاعِ على أثرِ اختِطافِ القِيادي بسَّام السَّعدي من جهة ومنظَّمةِ الجِهادِ الإسلامي من جهةٍ أُخرى، فَجُلَّ ما قامَت به، تِجاهَ الاعتداءِ الذي يُطاولُ غزَّةَ المُحاصَرَةَ مُنذُ خَمسَةَ عَشَرَ عاماً، تَمثَّلَ في دَعوَةِ الأَطرافِ المُتَقاتِلَةِ إلى ضَبطِ النَّفسِ، أما باقي الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ فَقِلَّةٌ مِنهم من أدانَ الاعتِداءاتِ الإسرائيليَّةِ ومنها: الجزائرُ ولبنانُ قَطَرُ والمَملَكَةُ العَربِيَّةُ السُّعودِيَّة.

نقولُ هذا والكُلُّ مُدركٌ بأن الغَدرَ شِيمَةُ الكِيانِ الغاصِب، وأخْذُ الأعداءِ على حِينَ غَرَّةٍ للفَتكِ بهِم وتَدميرِ مُمتلَكاتِهِم وارتِكابِ المَجازرِ بحَقِّ المَدَنيينَ لهِيَ سِمَةٌ من سِماتِهِ مُنذُ نشأتِه، وكذلك لسُكوتِ المُجتَمَعِ الدَّولِيُّ ودَعمِ ومَناصَرَةِ وتأييدِ أميركا وبَعضِ الدُّولِ الغَربِيَّةِ له، ولوقوفِ الدُّولِ العَربيَّةِ والإسلامِيَّةِ مَوقِفَ المُتفرِّجِ مِمَّا يَحصَلُ في فِلسطينَ، وكُلُّ ذلكَ ليسَ بجَديد، بل أضحَت تلك المَواقِفُ لا تُثيرُ الاستِغرابَ ولا تلقى لَّوما!!!!. أمَّا ما يَدعونا للتَّعَجُّبِ فيَتَمَثَّلُ في عَدَمِ تَعَلُّمِ الدُّولِ والقِوى المُعادِيَةِ لإسرائيلَ من تَجارُبِها مع هذا العَدُوِّ الغاشِمِ الذي اعتادَ على كَسِبَ حُروبَهُ باستِفرادِ أعدائه. هذا ما كان يَحصَلُ في حُروبِهِ السَّابِقَةِ مع الدُّولِ العَرَبِيَّةِ وهذا ما يَحصَلُ اليومَ في حَروبِهِ داخِلَ الأراضي الفِلسطِينِيَّةِ المُحتَلَّةِ كما مع دُوَلِ الجِوار. بحيثُ يخوضُ عدُوُّنا مَعارِكَهُ وَفْقَ القواعِدِ التي يرسِمُها.

العدو الإسرائيلي استَهدِفَ هذه المَرَّةَ الجِهادَ الإسلامي بل غدرَ به، ويَطلُبُ من مُنظَّمةِ حَماسَ عَدَمَ الإنخِراطِ في القِتالِ فتَلتَزِم!!!! هَكذا تَعامَلَ في حُروبِهِ السَّابقةِ مع أهالي القُدسِ، وقَبلَهُم مُنَظَّمَةَ حَماس (مَعرَكَةُ غَزَّة عام2021) ، وكذلك كانَ يَفَعَلُ باستِفرادِهِ للمُقاوَمَةَ في لبنان، وهَكذا يَفعَلُ في ضَرباتِهِ في سُوريا والعِراق..الخ، لما إذن يُترُكُ الحُلفاءُ حليفَهُم المُستَهدَفُ يواجِهُ جَبروتَ العَدوِّ وتَرسانتِهِ العَسكَرِيَّةِ وأسلِحتِه الفَتَّاكَةِ مُنفَرِداً وإلى أن تَخورَ قِواهُ وقُدرَتَهُ على الصُّمود؟ ولِما لا تُشارِكُ كُلُّ القِوَى المُناهِضَةِ لهذا العَدوِّ في حُروبِهِ التي يَشُنُّها ضِدَّ أحدِهِم؟ ولما لا تُفتَحُ كُلَّ الجَبهاتِ في وَجهِه؟ ولما لم تُستَعمَل مُختلفُ أنواعِ الأسلِحَةِ المُتاحَةِ؟ ولِما يتِمُّ التَّركيزِ على إطلاقِ الصَّواريخِ باتِّجاهِ الأراضي المُحتلَّةِ فَورَ الاعتِداءِ وَحيثُ يكونُ العَدوُ مَتَحَضِّراً مٌتَّخِذاً احتياطاتِهِ الوِقائيَّةِ فَتَضيعُ نتائجُها هَباءً بَدلاً من الاعتِمادِ على عامِلِ المُباغَتَةِ لتَحقيقِ أكبَرِ قَدْرٍ من الخَسائرِ في صُفوفِه؟ أَقولُ هذا آخِذاً بعَين الاعتِبارِ ظُروفَ الحِصارِ الذي تُعاني منه غَزَّة، والتَّفاوتِ في الإمكاناتِ غيرِ القابِلِ للمُقارَنَةِ ما بينَ ما لدى العَدوِّ والشَّعبِ الفِلسطِيني المُقاوِم، وكُلُّ القَصدِ لَفتُ الانتِباهِ إلى وجوبِ تَرشيدِ استِغلالِ الإمكاناتِ العَسكَرِيَّةِ المُتاحَةِ لدى مُختلِفِ الفَصائلِ الفِلسطِينِيَّةِ المُسلَّحَة والتَّكافُلِ والتَّضامُنِ في ما بينها تَجنُّباً لتَمكينِ العَدوِّ مُستَقبَلاً من تحديدِ بدءِ الحَربِ وإنهائها، كما من استِفرادِهِ لمَن يقاتلهم واحِداً تِلوَ الآخَر.

إن الشَّعبَ الفلسطينيَّ اليومَ مَتروكٌ لقَدَرِه، يواجِهُ عَدوَّاً عَتِيَّاً مُتَكبِّراً مُتعجرِفاً، مُستفيداً مِمَّا يَلقاهُ من دَعمٍ غيرِ مَحدودٍ من دولٍ كُبرى، دائمَةِ العُضويَّةِ في مجلِسِ الأمن، كما يُعزى ذلكَ لتَحييدِ بعضِ الدُّوَلِ العَربِيَّةِ عن ساحَةِ الصِّراعِ العَربي الإسرائيلي، وتَقويضِ قُدُراتِ دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ أُخرى في مَعرَضِ ما سُمِّيَ بثَوراتِ الرَّبيعِ العَرَبي، ذاك الرَّبيعُ الذي لم تَعقُد أزهارُهُ ثِماراً نافِعَةً، ولم تَجن الشُّعوبُ العَرَبيَّةُ مِنهُ إلاَّ الخِزيَ والعارَ والدَّمارَ ونَهبِ الثَّرَواتِ الطَّبيعِيَّة، وتَبذيرَ ما لَدَيها من احتِياطياتٍ مالِيَّة، وكذلكَ لإخفاقِ الانتِفاضاتِ الشَّعبِيَّةِ في عَدَدٍ من الدُّولِ العَرَبِيَّةِ، والذي أدَّى إلى فَوضى عارِمَةٍ في تلك الدُّولِ، وتَسبَّبَ بتَفكيكِ بُنيَتِها السِّياسِيَّةِ وتَقويضِ مُقوِّماتِها الاقتِصادِيَّةِ، وجعلَها ترزحُ تحتَ وطأةِ أزَماتِ مَعيشيَّةٍ خانِقَة، ألهتها عن اهتِماماتِها السِّياسِيَّةِ المَصيرِيّةِ، كما أفقَدَتها الرُّوحَ التَّضَمامُنِيَّةِ مع بَعضِها البَعض، وجَعلتها تَتَخلَّى صاغِرَةً عن مُقدَّساتِها وفي طَليعَتِها القُدسِ الشَّريف، حيث كنيسَةِ القِيامَة، وأولى القِبلَتين، أمَّا دُولُنا المُنضَويةِ في جامِعَتِنا العَربِيَّةِ فيَبدو أنَّها تَنكَّرَت للمُبادَرَةِ التي أطلَقتَها لِحَلِّ القَضِيَّةِ الفِلسطِينِيَّة. وإن كان من كَلِمَةٍ لقِوَى المُمانَعَةِ، إنَّ ثَمَّةَ سُؤالٌ مَشروع: لِما لم تُشارِكُ جَميعُ القِوى في هذه المًنازًلًةِ صَدَّاً لاعتِداءٍ غادِر؟ وهَل من خِيانَةٍ أدَّت إلى هذه الخَسائرِ الجَسيمَة، أم ثَمَّةَ مُؤامَرَةٍ أريدَ منها تَعويضُ العَدوِّ عن انهِزامِهِ في حَربِ غَزَّةَ السَّابِقَة؟؟؟؟