بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 حزيران 2020 12:00ص سنرى ماذا أنتم فاعلون؟!

حجم الخط
ما من مواطن لبناني سويّ إلا ويتطلّع بالرجاء والدعاء إلى الأقوى الذي لا يعلو على قوّته شيء؛ الله دون غيره، بأن يحمي لبنان واللبنانيين ومعهم الأقطار العربية وشعوبها بل والبشرية جمعاء. وما من لبناني سويّ إلا والفرح والسرور يدخلان إلى عقله وقلبه عندما يكون وطنه في محنة قاسية ومأساة خطيرة؛ فيتصدّى لها القيّمون بُغية الإصلاح والتصحيح الفعليين. لذا فالدعوة التي طرحها رئيس البلاد من أجل الحوار بين مسؤولين محدّدين يوم 25 حزيران الجاري على الرغم من أهمّيتها، فإنّها لم توحّد لا المتحاورين أنفسهم الذين ليسوا على موقف واحد منها ولا اللبنانيين خارج الإطارات الحزبية لهذا الزعيم أو ذاك، الذين فقدوا الثقة بكل الطبقة السياسية التي حكمت لبنان طوال الثلاثين عاما، وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ هذا البلد.

وللتذكير... فقد فرح معظم اللبنانيين – إلا من ندر - وكانوا في أعلى درجات الثقة والأمل يوم عقد النواب اللبنانيون اجتماعهم التاريخي في الطائف، وكانت النتيجة كبيرة وعظيمة بالوصول إلى إتفاق أنهى الحرب اللبنانية ووضع حداً حاسماً لمآسيها، وحلّ الميليشيات الطائفية مُنهياً وجودها العسكري. كما أعطى اتفاق الطائف التاريخي دستوراً جديداً للبلاد، وحدّد هويته العربية، وأقرّ بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. وكان الهدف الحقيقي للمؤتمرين آنذاك هو بناء الدولة القويّة القادرة ووضع آليات التنفيذ لذلك. وما زال هذا الاتفاق خشبة الخلاص للمشكلات في لبنان بالرغم من أنّ الطبقة السياسية التي أفرزتها أول إنتخابات بعد الحرب قد شوّهته بتعطيل تنفيذه وعدم استكمال أهم بنوده، فارضةً بذلك سيطرتها على الحكم والحكومة وعلى الشعب والمؤسسات. كما فرح اللبنانيون على إثر ما عُرف بثورة 1958 يوم اجتمع الزعيمان الكبيران جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب في الخيمة المباركة على الحدود اللبنانية - السورية حيث رسما أعظم العلاقات الأخوية بين الدولتين والشعبين في لبنان وسوريا شكّلت نقطةً بارزة في التلاقي العربي الحضاري. وعقب هذا اللقاء التاريخي حكم الرئيس اللبناني فؤاد شهاب وبنى المؤسسات الدستورية للدولة الحديثة، وأنشأ مجالس الرقابة والضمان الاجتماعي، وأعلى من شأن القضاء والجيش والأمن والقوى الأمنية صانعاً بذلك وطناً قوياً مرجعيته الكتاب (الدستور) والكتاب فقط، فسَادَ الاستقرار ربوع الوطن وعمّ الازدهار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياحي. وأقام شهاب أمتن العلاقات بين لبنان وأشقائه العرب. ولم يقع الزعيمان في شرك توريث الحكم للأبناء والأقرباء والأزلام. فقد رفض فؤاد شهاب دعوة عشرات النواب الذين ذهبوا إليه للطلب منه بتجديد ولايته والاستمرار في مسيرة حكمه الناجح، فقابلهم بالكتاب الذي أقسم على الالتزام به والذي يمنع التجديد للرئيس. وعليه سجّل اللبنانيون أن العهد الشهابيّ كان العصر الذهبي للبنان بكل المقاييس، وبأن الرئيس فؤاد شهاب كان الرجل القويّ بحكمه وبشخصه.

واليوم تجاه هذا اللقاء المُرتقب الذي دعا إليه الرئيس يتساءل كل لبنانيّ عن الجدوى منه وعن النتيجة التي سيخرج بها المتحاورون خصوصاً وأن اجتماعات كثيرة مماثلة عقدت ولم يزد عقدُها الأمور إلا سوءاً وتأزّماً، فكيف إذا كان المدعوون إلى الحوار هم أنفسهم عن حقّ أصل البلاء وسبب كل داء؟ فهل سيرى اللبنانيون حلاً لمشكلة النفايات المتراكمة أو لمأساة الكهرباء ووعودها الكاذبة؟ وماذا عن المال المنهوب والمسروق والانهيار المالي والاقتصادي والسطو الحاصل على الأملاك العامة، وسياسة اقتسام المغانم والمراكز والمواقع في الدولة التي يمارسها شركاء الحكم في ما بينهم تحت ذرائع ومزاعم طائفية ومذهبية؟ وماذا عن انتفاضة الشعب اللبناني في 17 تشرين الأول والمطالب المشروعة التي رفعها المتظاهرون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب؟ هل سيبقى اللبنانيون يرددون مقولات: «فالج لا تعالج» و«من جرّب المجرّب...»؟ وهل سيبقى أمل اللبنانيين من الطبقة السياسية القائمة كأمل إبليس بالجنّة؟ سنرى ماذا أنتم فاعلون؟!