بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آذار 2018 12:10ص شتّان بين دور النائب والممارسات النيابيّة!

حجم الخط
اللبنانيون باتوا على موعدٍ مع الانتخابات النيابية العامة المقررّة في السادس من أيار ٢٠١٨، وقد بدأت الساحة اللبنانية تشهد ولادة التحالفات وانفراط عقدها على حد سواء بينما تُطلق اللوائح وتهلّ البشائر من كل حدبٍ وصوب، بيد ان هناك حاجة ملحّة لتحديد ماهية دور ومهام النائب. 
ظاهر ما يشير اليه الدستور اللبناني والنظام الداخلي لمجلس النواب وقانون المحاسبة العمومية، فإن النائب يضطلع بجملة من المهام النيابية المرتبطة بما هو دستوري واجتماعي وأخلاقي. إنما أساس الوظيفة النيابية هي تمثيل الامّة جمعاء من خلال مجلس النواب مجتمعاً، وهي تقتضي الانشغال بالقضايا الرئيسية للأمة وبذل الجهد للدفاع عن الشعب والانحياز لمصالحه. ويلي ذلك الشق التشريعي الذي يستوجب الحضور او المشاركة في أشغال اللجان أثناء مدارسة مشاريع ومقترحات القوانين وتقديم التعديلات عليها والبتّ فيها في جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب. وللنائب صلاحية مالية من خلال مناقشة مشروع موازنة الحكومة، ثم قطع حساب الموازنة، ثم من خلال إقرار القوانين المالية. ثم يأتي الشق الرقابي من الوظيفة ويستلزم متابعة العمل الحكومي ومساءلة الحكومة وأعضائها بشأنه وفق الأدوات الرقابية المتعددة دستورياً، وايضاً مراقبة الانفاق الحكومي والشروع في المحاسبة في حال بروز أي خلل. وبعدها تأتي الوظيفة السياسية التي تعني المساهمة في تنشيط النقاش السياسي عبر المشاركة في الندوات والبرامج والكتابات الفكرية. وتبقى الوظيفة التواصلية أساس الوظائف السابقة لأن التواصل مع الناس امرٌ بديهي وضروري لكي يتمكن النائب من التشريع بشكل ناجحٍ واتخاذ مواقف سياسية واقعية. لذا، فإن قرب النائب من المواطنين بالشكل المعنوي هو أكثر أهمية من وجوده معهم بالجسد.
أمّا الممارسات النيابة الحالية فهي بعيدة عن الأطر الصحيحة، بل يكاد يقتصر دور النائب في لبنان على تقديم «الخدمات» و«التعقيب» وهو المفهوم الذي ترسّخ في اذهان اللبنانيين على مر السنوات. امّا المهام الأُخرى فهي نادراً ما تُمارس وإن مورست، كانت بطرق غير سليمة. ففي الشق التمثيلي يمكن القول ان معظم النواب يمثّلون بشكل أساسي الزعيم او الجّهة السياسية التي ينتمون اليها ثم المنطقة ثم الطائفة وأخيرا الامّة. في التشريع والرقابة، لم يتعدّ عدد القوانين التي اقرها مجلس النواب عتبة الاربعين قانوناً عام ٢٠١٧ ولا يزال الكثير من اقتراحات ومشاريع القوانين قابعاً في الادراج، بالإضافة الى بضع استجوابات ومسائلات للحكومة في العام نفسه بينما تفوح روائح «الصفقات والتمريرات» دون حسيب او رقيب. وهذا انتاج متدنٍّ مقارنة بسائر البرلمانات، فعلى سبيل الدلالة، اقر مجلس النواب الأردني ١٨ قانوناً وقدم ٦٣٢ سؤالاً للحكومة خلال ٣ أشهر في مطلع العام ٢٠١٧. في الشق السياسي، تحتد النقاشات النيابية على خلفية المحاصصة وبسط النفوذ ويتم التراشق بالاتهامات وصولاً الى استخدام لغة خطابية تصادمية تخوينية وبعيدة عن الصدق في تناول الحقائق، فيُصَب الزيت على النار وتؤجج الفتن والانقسامات. بينما تقتصر الوظيفة التواصلية مع الشعب على «الواجبات» الاجتماعية من تلبية دعوات على المآدب وحفلات تكريم ومناسبات العزاء والافراح وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
وهنا يجب الالتفات الى نقطة هامّة: فالدستور يوضح أنه «لا يجوز أن تربط وكالته (أيْ النائب) بقيد أو شرط من قبل منتخبيه»، بالتالي لا يحق للناخبين أن يُملوا على نوابهم توجهاتهم السياسية أو أن يتدخلوا في خياراتهم. نتيجة ذلك، يقع الشعب «مصدر السلطات» رهينة الوكالة التي أعطاها للنواب بعد انتخابهم فيكون الشعب عاجزاً عن حمل نوابه على فعل أي شيء ولو لمصلحة البلد، ولا يُمكن سحب الوكالة المعطاة للنواب حتى في حالات التمديد القسري والقوانين والمواقف التي لا تلبي طموح الشعب!
ان الانتخابات النيابية على الأبواب ولا زالت الفرصة سانحة لإحداث تغيير ولو بسيط في واقعنا المُزري، فليغتنمها الشعب اللبناني، وإلاّ.. لات ساعة مندم!