بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 حزيران 2018 12:38ص ضغوط لتأليف حكومة تكسر التوازنات السياسية وتحمل في طياتها غلبة أطراف على أخرى

عرقلة التأليف ظاهرها الخلاف على الحصص والحقائب وباطنها لا يبعث على الارتياح

حجم الخط

«قطبة مخفية تؤدي إلى تصعيد التجاذب السياسي الحاصل وتأخير ولادة الحكومة المرتقبة»

لا توحي المواقف المعلنة بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة باحتمال ولادتها قريباً كما كان مرتقباً، بالرغم من إعلان مختلف الأطراف الأساسيين حرصهم على تسهيل وتسريع مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري لإنجاز مهمته في اقصر وقت ممكن، قبل بدء المشاورات النيابية وبعدها، في حين يؤشر تسليط الضوء على مكمن المشكلة الأساس التي تعترض إنجاز التشكيلة الحكومية وحصرها بنقطتين اساسيتين، الاولى بنسب توزيع التمثيل الوزاري بين المكونين الأساسيين في التمثيل النيابي المسيحي، أي بين كتلة «التيار الوطني الحر» وحلفائه من جهة وبين كتلة «القوات اللبنانية» من جهة، والثانية في ما يتعلق بالتمثيل الوزاري الدرزي الذي أخذ حيزاً من التجاذب القائم، إلى ان المشكلة هي أبعد من ذلك، ولو كان اطارها الظاهري التنافس على النسب والحقائب بين هذين المكونين.
اذاً ما هي القطبة المخفية التي تؤدي إلى تصعيد التجاذب السياسي الحاصل وتأخير ولادة الحكومة المرتقبة؟
بالطبع لا يمكن اغفال المواقف التي صدرت قبل بدء المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة والداعية في غالبيتها إلى إبقاء كتلة «القوات» خارج التشكيلة الجديدة تحت اعتبارات عديدة ولكنها كلها تتمحور انه لا يمكن الاستجابة لزيادة عدد الوزراء الممثلين لها نسبة لزيادة عدد نواب الكتلة بعد الانتخابات الأخيرة، وتارة لأن القوات لا تأتلف مع سياسة التيار الوطني وطروحاته وتارة أخرى لرفضها سياسة المهادنة مع سلاح «حزب الله» وغيرها. ولكن يلاحظ في كل هذه المواقف ان الرابط في ما بينها هو محاولة تحجيم مطالبة القوات اللبنانية بزيادة حصتها الوزارية وحملها على تخفيض ما تطالب به إلى أدنى نسبة ممكنة تحت ضغط المواقف، والا فستكون مجبرة بالنهاية للخروج من التشكيلة الوزارية والانتظام في صفوف المعارضة باعتبار وجود المعارضة حاجة ضرورية في النظام الديمقراطي أو هكذا كان يتم التسويق لهذه الفكرة من قبل معارضي توزير القوات اللبنانية.
ثم بعد تعثر تسويق هذه المعادلة وإصرار معظم الأطراف الأساسيين وتأكيد الرئيس المكلف بأن وجود القوات أساسي في التشكيلة الحكومية، بدأ التسويق لفكرة جديدة ترتكز على توزيع الحصص الوزارية قياساً على عدد النواب ولكن حسب قياسات مبتكرة جديدة، يحق فيها لكتلة «التيار الوطني» ما لا يحق للقوات وتأخذ في طريقها قياس نسبة التمثيل الدرزي في ما يتعلق بتوزير النائب طلال أرسلان خلافاً لنتائج الانتخابات النيابية، أي ان هناك معيارين مختلفين، يصح فيه للتيار  الوطني وحلفائه ما لا يصح على الآخرين.
وهكذا ظهر بوضوح ان افتعال هذه المشاكل لم يكن ابن ساعته، بالرغم من كل محاولات حلحلتها، بل يبدو ان هناك من يحرّك اللعبة للتحكم بمسار تشكيل الحكومة من وراء الكواليس، من خلال السعي الحثيث لتشكيل الحكومة الجديدة من أطراف معنيين يلوذون بالولاء بمعظهم لأطراف وتحالفات تدور في فلك «حزب الله» تحديداً مما يفقد الحكومة الحد الأدنى من التوازن السياسي الذي يضم مختلف الأطراف السياسيين، كما كانت عليه الحكومة المستقيلة، ويؤدي في النتيجة إلى خلل كبير في التركيبة السلطوية في حال تمّ تحقيقه، لأنه سيطيح بالتوازنات السياسية القائمة ويضع البلد في مهب الريح مرّة جديدة.
فهذا الواقع أصبح مكشوفاً مع انكشاف العديد من المواقف الجانحة تحت ستار تحقيق الغلبة على اطراف آخرين استناداً إلى التطورات الإقليمية المتسارعة والسعي في مكان ما إلى توظيفها في المعادلة السياسية الداخلية كما صرّح أكثر من مسؤول إيراني بهذا الخصوص، وكما يسعى «حزب الله» بالخفاء لتأجيج الخلافات أو توظيفها في هذا الإطار بالرغم من محاولته إظهار عكس هذه التوجهات كما هي عادته باستمرار.
ولا شك ان مثل هذه المحاولات هي التي تؤدي إلى عرقلة تشكيل الحكومة وتأخير ولادتها المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت آخر نظراً للحاجة الملحّة لوجودها، في حين ان التنبه وعدم الانسياق لمثل هذه المحاولات كفيل بتعطيل مفاعيلها، لا سيما وان تأليف أي حكومة جديدة تفتقد للتوازن السياسي المطلوب سيدخل البلد في متاهة جديدة، لا يمكن حصر اضرارها وتداعياتها بالداخل، بل سيتجاوز الأمر أبعد من ذلك وهذا لن يكون في صالح أي طرف كان بالبلد.