بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2023 12:00ص عام للأحزان

حجم الخط
اللبنانيون على موعد مع عام للأحزان. ليس إنفجار المرفأ، ومعه إنفجار صوامع القمح والذرة، إلا المقدمة لإضطراب الأمن الغذائي، بعد أربع سنوات. قطوع صعب ينتظرهم مطلع العام -2023، مع عدم توفر الغذاء الكافي في البلاد، وعدم تحمّل الكلفة القاسية لتوفير الغذاء. مضافا إلى هذا وذاك، عدم سلامة الغذاء، في ظل فقدان الرقابة، وعدم وجود الفيتامينات والمعادن والمتممات.
ومع مشهد إنهيار العملة الوطنية شبه الكامل، قبل نهاية العام 2022، وقبل بداية العام 2023، وكذلك مع إفلاس الدولة، وما ترتب عن ذلك من تخبط غير مسبوق في الموازنة العامة في البلاد، تنهار النظم الإيكولوجية كلها. ويبدأ تهديد مقومات الحياة، إبتداء من تلوث التربة والمياه، ومن تراجع نوعية الغذاء، وما يتصل بذلك من تراجع الصحة العامة عند المواطنين.
وتشهد التربة أعظم وأخطر عمليات التلوث التي تضربها، إبتداء من كارثة تملح التربة، وليس إنتهاء بإنجرافها. إذ أن خريطة توزع التربة، كان قد تم إلغاؤه منذ العام 2006، في ظل حرب تموز. فأخذت تظهر علامات تلوث التربة تباعا، ثم تأخذ في الإزدياد، وذلك نتيجة طبيعية للإستخدام العشوائي للكيميائيات، من أسمدة ومبيدات، وتلوث المياه السطحية وأيضا المياه الجوفية، بسبب ما نشهده من مظاهر مناخية متطرفة، بسبب تغيّر المناخ.
وهذا العام، ستأخذ نسبة الفقر بالإزدياد، في ظل تدهور الأوضاع الإقتصادية. وسيصبح أكثر من 50% من اللبنانيين يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا.
وما من شك في أن ما يصيب التربة من أذى، في ظل غياب رعاية ورقابة الدولة، والتفلت من القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، يجعلنا نحذر: إن 3 سنتمترات من التربة النظيفة سيحتاج إلى ألف سنة. فما بالنا إذا كنا أمام هدر عام للتربة، بلا أدنى إكتراث.
إن أزمة لبنان، سببها المباشر، أنها تتكون مع الحروب التي تشهدها البلاد، وكذلك مع إرتفاع سعر النفط وأسعار الأسمدة، ناهيك عن عوامل الطقس، ونسب الأرقام الصادمة في التغيّر المناخي، مضافا إلى ذلك نسب الأرقام في الهدر الغذائي، لدى الدول الغنية.
لا بد أن نشير أيضا، إلى النموذج التنموي الغربي المدمر الذي تبنّاه العالم. ولا بد من الإشارة أيضا: أنه كلما زادت الحرارة، وإزداد الإنحباس الحراري، كلما زادت المظاهر المناخية المتطرفة. وهذا يؤدي إلى زيادة الفيضانات، وإزدياد الهجرات وإزدياد النزوح السكاني، والغرق في البحار. مما يتسبب بالأزمات الخانقة.
ما يضر باللبنانيين أيضا، هو زراعة التبغ والحشيشة، لما ينتج عن ذلك من تلوث التربة. بالإضافة إلى زراعة القنب. مع الإشارة إلى عدم تمكن المزارعين من دفع ثمن البذور، في ظل إرتفاع سعر صرف الدولار.
هل نتحدث عن الإثراء الغذائي، من خلال الإضافات والمتممات الغذائية لصالح الشركات الغنية، وليس لصالح المواطنين المستهلكين؟ هل نتحدث عن الحبوب المقشورة أم الحبوب الكاملة؟ هل نتحدث عن الخيم الزراعية، أم عن الخضار تحت الشمس؟ كل ذلك يحتاج إلى قراءة متأنية، بعد اليوم، وإلى أخذ مثل تلك المخاطر بعين الإعتبار.
إن الوجبات التقليدية، توفر البروتين الكافي، وأن النظام الغذائي التقليدي المتوسطي، المترافق مع التقليل من تقديم اللحوم، والاكثار من تقديم الخضار والثمار والحبوب والأسماك، لهو أفضل الأنظمة الغذائية، وقد غابت بشبه الكلية عن أطباقنا اليومية. ولهذا من الضروري، إعادة النظر في الروزنامة الزراعية وفي الموازنات المتصلة بها، وفي ضرورة العودة للأطباق التقليدية، لأنها الطريقة الفضلى لمكافحة الإحتكار.
هل فقدنا، بهدم الصوامع بنك حفظ البذور، لتحضير الغذاء السليم. وهل يمكن لنا بعد الإنهيار الحاصل، من ضبط عمل الشركات الكبرى؟ هل نبدأ بتقديم مبدأ الإحتراس، على مبدأ تغريم الملوث؟
كل ذلك سيكون بعد اليوم مجلبة للحزن، ببلوغنا عام الأحزان بعد أيام. في ظل تدهور أوضاع الدولة، وغياب أجهزة الرقابة وإنهيار المؤسسات العامة، وإنفراط عقد البلاد.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية