بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيلول 2021 12:02ص عن خالد علوان..وسؤال المقاومة!

حجم الخط
لكثير من اللبنانيين ذكريات عطرة مع هذه الايام من شهر أيلول التي شهدت ولادة المقاومة الوطنية في وجه الاحتلال الاسرائيلي انطلاقا من العاصمة بيروت. 

ولعل أكثر تلك الذكريات صخباً قبل 39 عاماً رسمتها تلك العملية التي قام بها إبن بيروت «القومي السوري» خالد علوان. هي عملية «الويمبي»، المقهى الشهير في المنطقة الأشهر، الحمراء.  

عديدة هي العمليات التي جرت قبل تنفيذ علوان لعمليته في 24 أيلول من العام 1982، لكن تلك العملية بالذات اتخذت ضجتها لجرأتها ولرمزية المنطقة حيث أطلق علوان النار. «خلّو الحساب علينا»، سارع علوان إلى الجنود الاسرائيليين المحتسين للقهوة في ذلك المقهى قبل ان يدفعوا حسابهم بالشيكل، بالنار، قبل ان يغادر الشارع بهدوء تاركا ضابطا اسرائيليا قتيلا وآخرَين مضرّجين بالدماء.

بعد خمسة ايام من العملية في الحمراء، حاضنة طوائف ومذاهب اللبنانيين كما لمشاربهم المتنوعة طبقيا ومهنيا وثقافيا، سارع الاسرائيليون الى الانسحاب من العاصمة طالبين من أبنائها، من الطوائف كافة، عدم اطلاق النار عليهم. وبذلك أرّخ 29 أيلول لبداية العد العكسي للزمن الذي أراده البعض اسرائيلياً! 

بعد أربعة اعوام سقط بطل العملية، ابن الرابعة والعشرين، بغدر عملاء الداخل على طريق عودته من عملية ضد العدو. لكنه كان اطلق الشرارة التي تختلف المقاومات حول ولادتها. هل هي في ايلول؟ أم قبل هذا التاريخ بأسابيع او بأشهر أو حتى بسنوات؟ اذ يعيد البعض نشوء المقاومة الوطنية في وجه الجيش الاسرائيلي الى اواخر ستينيات القرن الماضي، ومنهم الى النصف الثاني من سبعينياته، لكن العبرة الاهم لم تكن في تاريخ الولادة أو ظروفها، خلال فترة الاحتلال او قبله، بل في رمزية طبيعة تلك المقاومة.

ففي ذلك الأيلول ضجّت بيروت ثم الجبل والجنوب والبقاع بعمليات ضد الاحتلال سِمتها «وطنية» و«علمانية» وكانت «جبهة المقاومة الوطنية» أكثرها رمزية في بوتقة واحدة بين يسار ويمين، وبينهما «أفواج المقاومة الوطنية» قبل ان يتسيّد المد الديني الساحة وينفرد بها.

عديدة هي التواريخ التي خطّتها تلك المقاومات بالدّم وأهمها تحرير العام 1985 وخروج القوات متعددة الجنسيات واعوام 1993 و1996 وصولا الى تحرير العام 2000 ثم 2006.. 

لكن الفارق الدراماتيكي بين انطلاق المقاومة الوطنية فعليا في ذلك الأيلول، واليوم، يتمثل في اختلاف الزمنين، لا بل العصرين، ففي نحو 40 عاماً الكثير من المتغيرات والتبدلات في ظروف المقاومة كما في مفهومها.

في سنوات الغليان العربي واليساري، كانت انطلاقة متصالحة مع زمن الايديولوجيات وسيادة فكر الجماعة قبل الفرد، واعلاء القضية الوطنية قبل أي حديث إصلاحي إجتماعي. 

اليوم، في عصر الحريات الفردية وتكامل المجتمعات، تبدو فكرة المقاومة في حاجة ماسّة الى تحديث المفهوم. فمقاومة الخارج ناقصة بلا تحرير الداخل. ومواجهة عدو الخارج لا يتحقق من دون انعتاق محلي من القيود الداخلية وعلى رأسها الفساد والطائفية.

حتّمت الظروف الماضية التغاضي عن العامل الداخلي وسط دولة منقسمة وأرض واسعة مُحتلة. على ان التغاضي عن الاحتلالات الطائفية الداخلية التي أفسدت الدولة ودمرتها كما هو اليوم، لا يدفعان فقط الى التكامل بين التحريرين الخارجي والداخلي، بل تولية الجبهة المحلية على قضايا ما وراء الحدود.

شكلت حالة 17 تشرين قبل نحو عامين، وقبلها انتفاضة النفايات قبل نيف وستة أعوام، فرصتان ذهبيتان تم تجاهلهما لا بل مواجهتهما، علما ان الشرائح الاجتماعية التي خرجت منتفضة في الحالتين أخذت على نفسها دمج هذين المفهومين، ولأسف تلك الشرائح ان عدم احتضانها أفسح المجال لتصدر مُعادي مفهوم المقاومة للمشهد كونهم من يمتلك المال والاعلام، حتى باتت 17 تشرين موسومة بمؤامرة خارجية تقودها السفارات لضرب المقاومة وتدمير قوة لبنان!

في ظل هذه الفرصة الضائعة في الانتفاضة، يبدو مؤسفاً الجدل غير المنتهي حول اولوية مفهوم التحديث وإعلاء الهم الداخلي الذي لا يزال محط خلاف مرير. ولعل رفض التحديث يجمع كل المتحاربين، وليس من لديه مصلحة اليوم في تمدين الدولة ودمقرطتها وتحديثها لضرب حكم الطوائف والمذاهب التي تستفيد من إفقار شعبها. وسيمضي وقت طويل جدا قبل تمكن الشرائح الشعبية المنتصرة لهذا المفهوم في اعلاء كلمتها وسط تحكم منظومة الحكم بكل شيء، حتى لو ادى الامر الى انهيار كالذي نشهده اليوم!

وفي ذكرى انطلاق المقاومة يستذكر اللبنانيون القوى التي أطلقتها والتي باتت اشباحا للماضي مع طغيان حكم الطوائف والمذاهب. وقد يكون من حظ خالد علوان وغيره ممن استشهدوا في الحرب الاهلية ان القدر لم يمهلهم حتى ايامنا هذه لكي يشهدوا ما حلّ بالبلد من مآسي.

قد يكون ما حصل مرده اختلاف الزمن، أو الاجيال، أو هي طبيعة البلد نفسه الذي ولد بعُسر، لكنه الواقع الأليم المولِّد دوماً لانهيارات هذا الكيان.