بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 حزيران 2019 12:03ص عندما ثارت شقيقة الشهيد الجرّار: المقاومة السياسية من قلب الشهادة

شقيقة الشهيد الجرار السيدة حنان شقيقة الشهيد الجرار السيدة حنان
حجم الخط
«يا شيخ سعد

أنا أفتخر بأنني أخت الشهيد مثلما أنت إبن الشهيد رفيق الحريري..

والدك علّم وربّى، وترابُ الأرض يشهد أنّ أخي ربّى أيتاماً وفتح بيوت أرامل، ولطالما تعب من أجل الناس وعمل لأجلهم..

أنت يا «بيّ السُنّة»، يا مَنْ قلتَ بأنّك «بيّ السُنّة»، أثبتِ الآن أنّك «بيّ السُنّة»، بغضّ النظر إذا كنـّا جماعة أو لم نكن جماعة، نحن سُنّة مثلنا مثلك، نحن لبنانيون مثلنا مثلك، 

إما أنْ تأتي بحق أخي الشهيد 

إما أنْ تكونوا رجالاً في الطائفة السنية، 

أو ليذهب كل واحدٍ منكم إلى بيته، لنعرف كيف نحمي أنفسنا..

نتعرّض للقتل واحداً تلوَ الآخر، 

يا شيخ سعد 

في زمنك، وقبل زمنك، 

نأكل الكف تلو الآخر، 

استهدفونا وهدّونا، فليس لنا كلمة ولا رأي، 

ليس لنا شيء

كنّا أوّل الناس في ساحات 14 آذار نملؤها ونهتف بإسمك 

لكنك لم تفعل لنا شيئاً 

بل إنّك تتنازل لكل الزعماء على حساب طائفتك..

وتقول كرمال لبنان..

وتقول كرمال لبنان..

ولم تعمل لأجلنا شيئاً 

والآن على دورك يا شيخ سعد 

أغلى ما عندنا راح 

أغلى ما عندنا الذي كان فوق الأرض وأصبح تحت التراب، وأنت تتفرّج 

أروني إنْ كنتم رجالاً 

فإذا لم تكونوا رجالاً، فستلحق بأبيك وسألحق بأخي وكلنا سنلحق بعضنا..».

مطالعة في الشهادة والوطنية

بهذه المطالعة الشاملة العميقة والعفوية، خاطبت السيدة حنان قاسم الجرار، شقيقة الشهيد محمد الجرار، الرئيس سعد الحريري، لتحدّثها عن إبن شبعا العامل في المجال الإنساني والمعروف بإلتزامه الديني وبانتمائه الإسلامي.. وعن تداعيات اغتياله بعد تلقيه سلسلة تهديداتٍ من أتباع الممانعة، لثنيه عن جهوده في إغاثة اللاجئين السوريين، وتأمين الرعاية لهم على مدى سنواتٍ أمضاها في العمل الإنساني والإغاثي لأهل بلدته ولضيوفها الهاربين من قتل نظام الأسد، وبعد أن شكّل حصناً منيعاً في وجه أدوات النظام السوري، ومنع استهداف اللاجئين في شبعا، ذات الإلتصاق الجغرافي الاستراتيجي بسوريا وفلسطين المحتلة، المحرومة من مستشفاها المنجز منذ سنوات، بسبب الحقد السياسي البغيض.

في 96 ثانية، وجّهت أخت الشهيد صرخة ألمٍ عميقة هزّت ضمائر اللبنانيين جميعاً لأنها أكدت انتماءها السني، لكنها تشبّثت بهويتها اللبنانية، فهي لم تخاطب المسلمين فقط، وشكّلت كلماتها المشبعة بالمرارة، مراجعةً سياسية من الطراز الصادق والجريء، المعبـّر عن أقصى درجات الغضب السنـّي والحامل للشعور بالمظلومية والرافض للإستمرار بتقديم التنازلات.

بيوت السُنّة.. باتت بيوت الشهادة

لقد باتت بيوتُ أهل السُنّة بيوت شهادة، فارتعفت أعداد الشهداء، وصاروا بالمئات، من عرسال وسعدنايل إلى طرابلس وعكار والمنية والضنية، ومن بيروت إلى الإقليم، وليس انتهاءً بصيدا، وانضمام شبعا إلى محاضن الشهداء باستشهاد الشيخ محمد الجرار..

مسيرةٌ طويلة لشهداء سلكوا درب الحرية الحمراء منذ لحظة اغتيال الكبير رفيق الحريري.

الظلم وشراكة الدولة

ولكن الأقسى في إعادة قراءة هذا الواقع أنّ عداد كبيراً من هؤلاء قضوا ظلماً في صراعاتٍ كانت الدولة ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية طرفاً وعوناً للظلم والعدوان على أهل السُنّة ، منذ إنقلاب 7 أيار حين تحوّل الجيش إلى ساعي بريد بين الجلاد والضحية، وصولاً إلى معارك عبرا، التي بات محسوماً مشاركة «حزب الله» فيها، وجاءت في سياق تدمير المدن السنية، وتحطيم أي مصدرٍ ممكن للقوّة السياسية أو الدينية، وكل هذا حصل في ظل وجود الرئيس الحريري في موقع التمثيل السنّي الأوّل.

لماذا غاب استشهاد الجرار عن الحريري؟

أكدت أخت الشهيد تمسّكها بمرجعية الرئيس سعد الحريري، لتحمّله المسؤولية في متابعة مسار التحقيق، وضرورة أنْ يصل إلى قتلة الشهيد الجرار ويحاسبهم، لكنها بدون شكٍّ تتساءل: لماذا لم تصدر عن «بيّ السُنّة» تعزية رسمية، كما يفعل مع آخرين وفي مناسباتٍ مختلفة؟، لماذا كان إعلام المستقبل أشدّ اهتماماً بحضور ديما جمالي إلى المجلس الدستوري من متابعة جريمة اغتيال قيادي من الطراز الإنساني والإسلامي الرفيع؟.

سؤال دوى صداه عالياً، لأنّ الرئيس الحريري لم يغرّد معزياً، ولم يتطرّق إلى قضية إستشهاد الجرارفي مؤتمره الصحافي الذي خصّصه للإعلان عن أحقيـّة الغضب السنـّي في وجه ما يتعرض له أهل السُنّة من انتهاكات، لا شكّ في أنّ أخطرها كان اغتيال الشهيد الجرار. 

لسان حال أخت الشهيد يقول: لو كان الجرار شيعياً أو مارونياً، هل كان تعاطي الدولة مع قضيته بهذا البرود والتجاهل؟ أم أنّ دولتنا كانت لتستنفر قواها لإبداء الاهتمام واستعراض القوة؟!

سألت أخت الشهيد: لماذا عليك يا شيخ سعد أنْ تتنازل للآخرين على حساب ناسك وجمهورك بموجب تسوياتك؟

أي تسوية هذه التي تأتي دائماً على حسابنا.. لا بل تقتلنا وتسمح بتصفيتنا واحداً تلو الآخر..

قالت أخت الشهيد: إنّ الانتماء الوطني كان الغالب على مسار شقيقها وعائلته وبلدته، فهي نزلت إلى ساحات 14 آذار وملأتها بالحراك والهتاف المناصر للرئيس الحريري، لكنّها لم تنل سوى الخذلان والتجاهل في لحظات الألم والاستشهاد، وهي كانت تراهن أنّ قضية الشهادة لها موقع لا يتراجع عند الرئيس الحريري وهو إبن الشهيد رفيق..

قالت أخت الشهيد كلمتها من دون أنْ ينهكها حزن فقدان شقيقها، ومن دون أنْ يُطفئ الاستشهاد جذوة خطابها الصاخب، وصدى موقفها الهادر من مضارب شبعا، مدوياً في بيروت وكلّ لبنان.

قالت أخت الشهيد كلمتها بعد أنْ شعرت بالظلم المضاعف نتيجة عدم الاعتبار لقضية أخٍ كانت تعلم كيف كرّس حياته لخدمة الضعفاء والمساكين.

المقاومة السياسية

قالت أخت الشهيد إنها غير معنية بالصراعات على السلطة، لكنها معنية بوحدة الصف لأنّ الاستهداف يطالنا جميعاً وليس لدينا ترف التنازع على مواقع باتت مفرغة من الصلاحيات بسبب الإستهداف والتنازل وتغوّل الآخرين.

أطلقت أخت الشهيد جرس الإنذار للجميع، بأنكم ستلحقون بالشهداء واحداً تلو الآخر إذا لم يثبتوا في وجه المعتدين وإذا لم يكونوا رجالاً..

ميزة غضب حنان الجرار أنّها لم تستسلم في أصعب لحظاتها لفكرة الإحباط، بل إنها توجّهت لفكرة المقاومة والمواجهة السياسية بصيغتها التلقائية التي تتسم بالكرامة والنباهة والشجاعة..

صرخات شقيقة الشهيد المظلوم محمد الجرار باتت اليوم لسان حال أهل السُنّة الرافض لاستضعاف الذات وللاستسلام، وهي تطلق على طريقتها المقاومة السياسية من أرض شبعا الحرّة، الصامدة والجاهزة دائماً لمواجهة العدو الصهيوني، وهنا مكمن الشرف العظيم.



الشهيد الشيخ محمد الجرار